الأربعاء، 28 يوليو 2010

ذهول التنوع















الأربعاء 28 يوليو 2011

قناعات الإنسان وآراؤه وطريقته في الحديث وشكل لباسه، بل حتى ذوقه في الطعام والشراب، أمور كما تتأثر بشكل أساسي بالموروث والمحيط الاجتماعي، فهي ايضاً تدل عليه، ولنقل أيضاً تشكل جزءاً لا يتجزأ من “ملامح” شخصية الإنسان.
ولا أستغرب –شخصياً- من أي إنسان يحب تجربة الجديد، ويسعى لزيادة مخزونه المعرفي، ويتمنى التعرف لآراء الآخرين ووجهات نظرهم ونقل تجاربهم الإيجابية إلى مجتمعه، فمن المأثور عندنا أن “الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهي له”، وأن من غايات تنوع الشعوب والثقافات أن يتعارفوا فيما بينهم –كما يصرح القرآن الكريم- ويميزوا الجيد من الرديء.
كما لا أعارض الانفتاح على ثقافات الآخرين بعين فاحصة متأنية، لعدة أغراض، منها:
- التعرف إلى التجارب الناجحة وإمكانية الاستفادة منها وتطبيقها في مجتمعاتنا.
- تقييم الذات بصورة موضوعية بالمقارنة مع الآخر لتحديد النواقص وإصلاح الأخطاء.
- البدء بالتخطيط السليم عبر البدء مما انتهى إليه الآخرون.
- تصحيح النظرة السلبية المتجنية على الواقع (جلد الذات)، ونظرتنا السلبية المتجنية على الآخر (العنصرية والمتشككة) إن وجدتا.
يبقى أن هناك محاذير، لا أقول في الانفتاح الفكري المتجه بمعنى تقييم ثقافة الآخرين واختيار النافع منها، ولكن في أن يكون الانفتاح الفكري بمعنى النسخ الكامل، الصريح أو المتحايل لثقافة الآخر. ولست أعود بالقارئ هنا للكلام عن قشور الحضارة ولب الحضارة، على أهميته، ولكن انسلاخ شعوبنا من طريقتها في اللباس والطعام –على خطورته على الهوية- ليس أكبر محذور هنا. المحذور الأكبر منه هو الانسلاخ والتنكر للعقيدة وللنظام الأسري والاجتماعي المتماسك وللأعراف والتقاليد الأصيلة، وأؤكد هنا، الأصيلة بما تحمله من قيم، وليس اعتماداً على كونها موروثاً مفرغاً من المحتوى فحسب.
في الحقب الماضية، مع ظهور كل مستجد، منذ ظهور التلفاز ومن ثم الإنترنت، وتطور وسائل المواصلات والاتصالات، وتزايد التوجه للدراسة في الخارج، شهد العالم تغيرات متسارعة وشديدة في أنماط الحياة على جميع المستويات، مما خلق للجيل المخضرم الذي عاش ظهور هذه الوسائل، حالة من الذهول بسبب تنوع الخيارات الموجودة في شتى مجالات الحياة وتسارع إيقاع الحياة اليومية مع حالة من الانبهار، حالة خلقت جيلاً من المعلمين والكتاب والمثقفين ورجال الدين والسياسيين المبهورين بكل ما هو خارجي، انبهار يبدأ مع مناهج الغرب الدراسية وبيئة العمل المتطورة والإنجازات على المستويات العلمية والاقتصادية، لكنه لا ينتهي حين يصل إلى الانبهار بنمط الحياة الاجتماعية والسياسية والقيم والممارسات على المستوى الأخلاقي.
إن تداول القيم والعادات من نافذة العولمة، التي تطرح قيماً وأفكارًا وممارسات غريبة عن مجتمعنا بهذا الشغف الشديد هو دليل على التبعية على مستوى الفرد والمجتمع من ناحية، ومؤشر على تماهي القيم الأصيلة وضعف الهوية من ناحية أخرى، وذلك بالتأكيد يعود إلى غياب دور العديد من مؤسسات وخلايا المجتمع عن ممارسة دورها الثقافي المباشر وغير المباشر، بما يشمل خلية البيت وخلية المدرسة وخلية مثقفي المجتمع ومتعلميه والمؤسسات الأهلية والوطنية.
إن المجتمع الغربي بالتأكيد يشهد مساراً تصاعديًا في التطور التكنولوجي والصحي والتعليمي، إلا أنه ولا شك يشهد تغييرات سلبية في مستوى ونوعية العلاقات الأسرية والاجتماعية ومستوى القيم الدينية والإنسانية، ويشهد كما هو موجود عندنا تصاعداً للعنصرية. طبعاً أنا لا أدعو لرجم الغرب والقول إنه مجتمع انحلالي وانحلالي فقط، ولكنني لا أحصر الأصالة عندنا في ثياب القرقاعون ومراسم “الحية بية” وسباقات الهجن ومقابر عالي وأهرامات مصر.
ومع اعتزازنا الشديد بقيم التسامح والضيافة وحب التعرف إلى الآخر وإلى ثقافته، إلا أن هذه القيم يجب أن تكون مصحوبة بوعينا بمستوى المخزون الثقافي الغني الموجود عندنا وبالاعتزاز به وتوظيفه لخدمة مجتمعاتنا وخدمة هذا العالم بشكل أوسع؛ إذ إن غياب هذا الوعي، يجعل المجتمع، أفراداً ونخباً، مستعدين للانبهار الشديد والإصابة بالذهول بكل ما هو مختلف، بسبب إحساسهم بالضآلة والضعف أمام الآخر. ومن ثم الاستعداد للتأثر بدلاً من التأثير في محيطهم.
وبعيداً عن الوعظ، أجدني أقول عن حالة الذهول والانبهار ما يقوله المثل العربي الدارج “كنا في جرة، وطلعنا لبرة”.
وللحديث بقية..

الأحد، 25 يوليو 2010

الصحافة متنفساً














25 يوليو 2010

يقول الشاعر: ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.
نعم، يحتاج كل منا للأمل ليبدأ نهاراً جديداً، أمل بأن القادم أفضل، وأن الحياة في مدها وجزرها ستفتح له آفاقاً جديدة وأبوابًا متسعة ليعبر منها ويواصل مسيرته في مشوار الحياة. ولعل صنع الأمل كان من أبرز مهام الأدباء حين يذكِّرون الفرد والأمة ككل بالمكانة والهدف والقوة النابعة من أعماق النفس، وكل ما يمكن أن يجعل هذه الأمة تتجاوز واقعها المتعب وإحباطاتها وآلامها ومشاعرها السلبية.
ذلك هو دور الأديب، أما دور الصحافي، كاتباً أم محرر أخبار أم مراسلا، بالإضافة إلى نقل ما يجري من أحداث هنا وهناك، فهو تسليط الضوء ووضع الأصابع على موطن الخلل، أي خلل، سعياً لانصراف الجهود من مؤسسات المجتمع وأفراده المعنيين لعلاج هذا الخلل وحل تلك المشكلة.
توجيه الرأي العام عن طريق كشف الحقائق هو أول خطوات التغيير، إذ يتم التحقيق في معطيات هذا الكشف فيما بعد، ثم يتم تغيير موازين القوى بما يتلاءم مع التغيير المطلوب. ولكن هل تضطلع الصحافة فعلاً بهذا الدور عندنا؟
نقول، نعم، للمتابع في السنوات الأخيرة أن يرى الزخم الكمي والنوعي للقضايا التي سلطت الصحافة عليها الضوء، ونجحت في وضع معطياتها على طاولة البحث واتخاذ القرار، ومن ثم إحداث التغيير بما يتناسب وحجم هذه القضايا ووضع العلاجات الملائمة لها.
المقلق هنا أن نسبة الاستجابة المنخفضة من الجهات المعنية، ولو بالتعليق وتوضيح وجهة النظر أو توجيه الشكر للكاتب فضلاً عن إجراء تحقيق في هذه القضايا، تدل على عدم الاهتمام من هذه الجهات، وتؤدي تراكمياً إلى تغيير دور الصحافة من صفارة إنذار بوجود الخلل، إلى متنفس لكل ما هو محبط؛ إذ بإمكان كل حائز على ملكة الكتابة، أن ينفث الهموم من صدره في مقال أو تحقيق، ويلهي نفسه فيه لفترة ويقوم بإلهاء مجموعة كبيرة من القراء معه، ويقومون جميعا بـ “فش خلقهم” حتى حين.
التعبير عن الصحافة بكونها “صحافة بريد القراء” في الوضع الحالي ليس تعبيراً متجنياً ولا مبالغاً، إذ إننا ولكثرة ما نقرأ من مشاكل، ولا أعتقد أن المسؤولين إلا مثلنا بطبيعتهم البشرية، لكثرة هذه المشاكل أخذنا مناعة منها. صارت لا تؤثر فينا بالاستياء.
إن أكبر مشاكل هذه الأيام لا تحصل من القارئ على أي تفاعل، بسبب يأسه من التغيير. وربما صار أكبر رد فعل عندنا هو تقليب الشفتين بامتعاض والانتقال إلى الصفحة التالية.
لقد صار الناس يتنفسون الأمل من إحدى صفحات الجريدة، ويكتئبون من قراءة أخرى. وحتى يحين وقت حل المشكلات بشكل جدي عبر الموازنات، وحتى يعود للسلطة الرابعة دورها المناط بها، يمكنكم قراءة هذا المقال.