الأحد، 2 مارس 2014

أبناؤكم يناشدونكم













الأحد 2 مارس 2014

ترددتُ قبل كتابة هذه الكلمات، حول قضية قديمة جديدة؛ لأن الأمل، ذلك الإحساس المتقد في النفوس يدفعها لإكمال المسير هو أيضا كما البشر، مخلوق، يضعف ويذوي و يبهت، إلا أن المؤمن أمله يكبر بذكر الله، وبأن هناك من إذا وصلت لهم طلبات العباد، يسخرون لها الوقت والجهد ويذللون العقبات لتحقيقها.
منذ أيام قرأت خبرا مفرحا أنعش الأمل في نفوس كثيرة، ورسم طريقا للفرح في قلوب مضناة وأجساد أتعبها المرض، وهو الخبر المتعلق بالرعاية الكريمة لرئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، لافتتاح مركز أمراض الدم الوراثية. هذا المركز الذي جاء إنشاؤه بتوجيهات سديدة من سموه قد توج جهود جهات أهلية ومساعٍ من النواب والصحافة وقبلهم معاناة أبنائه المواطنين ومساعي جمعيتهم الغراء. هذه القضية، في تفاعل الحكومة الموقرة معها وتعاطيها الإيجابي مع كل ما يهم هذا الموضوع ومن يهتم به، قد رسمت صورة جميلة لوصول نبض الشارع إلى القيادة، وتلمس هذا الألم وتحويل نبضاته إلى أمل.
ومثل هذه الصورة الجميلة هي أمر يستحق الإشادة ونموذج يحتذى ومنهج ينبغي التعلم منه والتعاطي معه بما يستحقه من الشكر والامتنان؛ لأن من لا يشكر الخلق لا يشكر الخالق.
قضية مرضى السكلر ومعاناتهم على مختلف الأصعدة هي قضية قديمة لم تجد ما تستحقه من الاهتمام الخاص على توالي المسؤولين والوزراء في وزارة الصحة وغيرها من الوزارات الخدمية، لولا الرعاية الكريمة التي أحاط بها سمو رئيس الوزراء هذا الملف وما أولاه لها من الاهتمام البالغ والذي نرى اليوم آثاره، ولذا صرنا نأمل أن نجد هذه الرعاية كلما تعقدت إحدى القضايا.
وبالتوازي مع الملف الصحي يطل دوما علينا الملف الخدماتي الأبرز وهو ملف الإسكان. وحيث إن هذا الملف ضخم وقديم ومتشعب، فإننا نتحدث اليوم عن أحد فروعه المهمة، وكل ما يخص مصالح المواطنين وحياتهم المعيشية هو بلا شك مهم.
الموضوع الإسكاني الذي نود الإشارة إليه هو موضوع أولاه سمو رئيس الوزراء بالغ اهتمامه، وهو موضوع إحياء الطلبات القديمة وفتح باب التظلمات حولها، وأصدر التوجيهات تلو التوجيهات مما أثمر عن تواصل الوزارة مع أصحاب الطلبات وتزويدهم برسائل تؤكد حقهم في أقدمية طلباتهم بحسب تواريخها الأصلية، مما بعث في نفوس المواطنين المتظلمين هذا الكم من الاطمئنان وحملهم الشكر والامتنان. إلا أن مسؤولي الوزارة أعرضوا فيما بعد عن التعهدات الكتابية التي قدموها للمواطنين، غافلين عن الخطر الجسيم والسابقة في سلب ثقة المواطن في المراسلات الرسمية التي ترده من وزارات الدولة ومؤسساتها العريقة، والتي كان المواطن يكتفي منها بنشر اسمه في الصحف فضلا عن مخاطبته المباشرة كتابيا، فلا يتوقع تراجعا من الوزارة فيما بعد أو هدرا لحقه، وقد قال شعراء العرب من قبل:
حسن قول نعم من بعد لا.. وقبيح قول لا بعد نعم
وقد تعلقت آمال هؤلاء المواطنين مجددا بسمو رئيس الوزراء لإيقاف ما يتعرضون له من التجاهل والتهاون في مصالحهم من قبل وزارة الإسكان. اليوم والملف ذاته يعرض في مجلس النواب عبر لجنة تحقيق شكلت مؤخرا بطلب من 15 نائبا، فإن أبناءكم يتوجهون لكم بالمناشدة لرفع معاناتهم ويبثون شكواهم واثقين أنها بوصولها لكم ستجد آذانا صاغية وصدرا رحبا ورفعا للحيف الواقع عليهم الذي سببه تقصير البعض في وزارة الإسكان دون تقدير لمعاناة تمتد إلى 20 سنة من الانتظار والصبر الجميل.

الأربعاء، 29 يناير 2014

حكم العسكر










الأربعاء 29 يناير 2014




مع مرور ثلاثة أعوام على ثورة 25 يناير المصرية، وبعد التحولات التي حصلت في مسار الثورة وخروج الإخوان من دائرة الحكم وربما العملية السياسية المصرية برمتها، خرج الرئيس المؤقت عدلي منصور معلنا تغييرا في خارطة الطريق التي أعلنت بعيد حراك 30 يونيو. التغيير تمثل في تغيير الترتيب بين الانتخابات النيابية والرئاسية لتصبح الأخيرة هي الأسبق في موعدها بعد أن تم الاستفتاء على الدستور المصري الجديد.
ومع هذا التغيير، بات في حكم المؤكد ترشح قائد الجيش والرجل القوي في مصر لمنصب رئاسة الجمهورية خصوصا بعد حصوله على تفويض المؤسسة العسكرية للترشح. ويعيدنا هذا المشهد لمشهد الكلام عن إمكانية ترشح قائد الجيش السابق السيد طنطاوي لرئاسة مصر، وما تلا ذلك من مظاهرات نددت بحكم العسكر.
المصريون كانوا أثناء الأيام الأولى للثورة يعلقون آمالهم على الجيش في دعم الحراك على الأقل عبر عدم الانحياز للرئيس حسني مبارك والحزب الحاكم، ثم بدأوا في التظاهر ضد حكم العسكر حين برزت مخاوف من تمسك العسكر بالسلطة وعدم تسليمها لصناديق الاقتراع. وعاد المصريون لكيل المديح والثناء للجيش عند انحيازه للجماهير التي خرجت مطالبة بخلع الرئيس المنتخب الدكتور مرسي والممثل عن جماعة الإخوان في أول انتخابات رئاسية بعد الثورة وربما في تاريخ مصر ما بعد الملكية.
كثر تلميح المراقبين إبان حراك 30 يونيو 2013 إلى إمكانية أن يطول إمساك العسكريين بزمام الأمور، إلا أن الكثير من التطمينات خرجت من الجيش ومن آخرين دعموا عبر مكانتهم الاعتبارية خارطة الطريق التي أعلنها قائد الجيش والمتمثلة في فترة طوارئ وتسليم الرئاسة مؤقتا إلى رئيس المحكمة الدستورية ثم الانتخابات.
وبغض النظر عن جميع الأخطاء والمساوئ التي وقع فيها الإخوان كتيار أو كحزب حاكم إن صح التعبير، إلا أن المسار الذي تسير فيه الأمور اليوم هو بعيد كل البعد عما بشرت به أدبيات ثورة 25 يناير التي كانت تسعى إلى الخروج بالبلاد من حلقة التعيين العسكري إلى الانتخاب الشعبي وإلى مجموعة من القيم التي تتلخص في كلمة “صوت الغلابة”.
مصر التي كانت الحلقة الثانية وربما الأهم في سلسلة حلقات ما سمي بالربيع العربي، والأهم من حيث التأثير الذي يملكه الحدث المصري على جميع الساحات الإقليمية والعربية، تعود بشكل واضح إلى حقب سابقة، يزيح الجيش فيها رئيسا ويطرح ترشيح آخر. لاشك أن الكثير من المصريين من غير الإخوان لا يوافقون على حدوث مثل هذا الأمر كما نرى جليا في وسائل التواصل، إلا أن مسار الأحداث اليوم رغم خطورته يشي بأن انتقالا لسلطة الحكم سيحدث بدون تغييرات في السيناريو الجديد المطروح.
ويعيدنا هذا إلى التساؤل من جديد، ما هو الربيع العربي ومن كان وراءه وكيف حدث؟ هل كان غطاء دوليا للتغيير يلتحف بغطاء شعبي أم كان العكس؟ هل كانت الوجوه الجديدة التي خرجت في المشهد وجوها استغلتها القوى الكلاسيكية من تيار إسلامي وجهاز حكم ثم دفعتها بعيدا عن الساحة؟ وماذا استفادت مصر اليوم من الحراك الأول في يناير 2011 وهي تعود اليوم إلى حكم المؤسسة العسكرية بشكل أو بآخر إلا فائدة واحدة، المصريون وحدهم يستطيعون أن يخبرونا عن مدى نفعها، وهي إبعاد شبح توريث الحكم من مبارك إلى ابنه جمال حيث وقف مثقفو مصر ضد حدوث ذلك لفترة طويلة. ويعود سؤال متجدد مرتبط بالربيع العربي عن الشعب الذي يريد، من هو الشعب، وماذا يريد، ومن يكترث حقا؟.

آخر الوحي:
وبدون أن أدري تركت له يدي
لتنام كالعصفور بين يديه..
ونسيت حقدي كله في لحظة
من قال إني قد حقدت عليه؟
كم قلت إني غير عائدة له
ورجعت.. ما أحلى الرجوع إليه
نزار قباني

الأحد، 26 يناير 2014

الصوت الواحد..بين هلالين





الأحد 26 يونيو 2014



   بسبب أكثر من مناسبة يعود الكلام بين الفينة والأخرى ليتناول موضوع الدوائر الانتخابية وتوزيعها، نفس الموضوع الذي كان يتم تداوله منذ سنوات في الشقيقة الكويت تحت شعار اشتهر حينها (نبيها خمسة)، ويتداول من وقت لآخر في كل دولة أو نظام يقوم على عملية التصويت. وبالطبع، فإن لكل نمط من توزيع الدوائر محاسن وعيوبا وهناك مستفيد ومتضرر. وهنا حين يكون الكلام عن المستفيد والمتضرر، فإن كلا يجر النار نحو قرص يظنه له، فيما القرص واحد ولا مناص من تقسيمه بالسوية. يبقى أن النظام الانتخابي كما يفرز الأحزاب السياسية بمعنى ينتجها، فهو كذلك يفرز الميول والاتجاهات لمختلف قطاعات الناس بمعنى يقسمها، ومن هنا فإنك تجد الاصطفاف يحصل على مستويات الجميع من عوام ونخب بلا فرق، خصوصا لمن يريد أن ينتفع من العملية لا أن ينفع من خلالها.
هناك من يتكلم على أنه حتى ولو كان تقسيم الدوائر معوجا إلا أنه لا يجب أن يتم تعديله حتى ينتزع من المنبر الديني سلطته على العملية السياسية. وكأن الدين هو المحدد الوحيد الذي يمكن من خلاله السيطرة على أصوات الناخبين أو قرارات البرلمانيين. إن هناك الكثير والكثير من العوامل التي يمكنها أن تتحكم في صناعة نتائج التصويت خارج وداخل القبة ليس أقلها المال السياسي، وليس أضعفها العصبية العشائرية، إن صح التعبير وليس آخرها الانتماء الطائفي.
وأحد الأسئلة المهمة هو كيف يمكننا إنتاج عملية سياسية تتعدى الانتماءات وتتجاوز المشارب وتلغي الامتيازات لتركز على النتائج والأهداف؟ هل سيكون منصفا أو حتى حلا ناجعا إلغاء الجمعيات السياسية التي قامت على خلفية دينية لقسر المجتمع على بناء أحزاب مختلطة قائمة على أساس التوجه السياسي البحت؟
هناك من يتعامل مع الانتماء الديني باعتباره محددا مرفوضا وعاملا سلبيا في تكوين التيارات السياسية، ويهاجمه ويطالب بعدم وجود نظام انتخابي عادل لمنع سيطرة الأحزاب الدينية على المؤسسات، باعتبار أن هذه الجمعيات أو الأحزاب يمكنها الحصول على كل الأصوات الانتخابية عن طريق الفتوى أو إسباغ هالة الإيمان على قائمة معينة دون غيرها. ورغم أن المجلس في تجربته القصيرة سيطرت عليه أحزاب دينية بين هلالين، إلا أن توزيع الدوائر يمكنه أن يكون عادلا بين الجميع ويكفل عدم تفرد قوائم معينة بمقاعد المجلس.
وللتوضيح، فإن توزيع الدوائر اليوم يكفل للأحزاب عن طريق الفتوى والمال السياسي والضغوطات الاجتماعية من المقاعد أكثر مما يمكن أن يفعله توزيع دوائر عابر لحدود المحافظات يسمح لغير المنتمين لهذا التقسيم بين هلالين بالمشاركة بقوة ودخول الانتخابات عبر قوائمهم الخاصة والتي يمكن أن يحصلوا على أصواتها من أقصى البلاد وأدناها.
إن واقع عملية توزيع الأصوات اليوم لا يكرس فقط التفاوت بين قدرة الناخبين فحسب، وإنما يكرس ضياع كل الأصوات التي لم يحالف مرشحيها الحظ بالفوز في أي من المواقع التي ترشحت من خلالها. ولذلك، فمن الأجدى أن يعطى الاعتدال فرصة لإشعال شمعة بدلا من لعن الظلام بين هلالين.
نقطة أخرى أحب أن أركز عليها، وهي أن وجود الأحزاب الدينية ليس ظاهرة خاصة بالعالم الإسلامي، وإنما هو أمر طبيعي له مثيل في كل بلاد العالم، وقدرة أي حزب على اجتذاب الناخبين رهينة بقدرته على الأداء في العملية السياسية. وبقدر ما تكون التجربة جدية ومنتجة فإن ذلك سينعكس إيجابا على المنتجين فيها، فيما يكون المردود سلبيا على كل من يمثل ظاهرة صوتية لا يمكنها أن تنتج واقعا إيجابيا.
ومما لا شك فيه أن الواقع اليوم في أداء المجلس ليس إيجابيا، والجميع يطمح لمجلس أفضل، ويمكن لها أن تنطبق اليوم كما في كل يوم على السياسيين أو عامة الناس مقولة، “يمدح السوق من ربح فيه” بين هلالين أيضا.

آخر الوحي:
أنت والكأس في يدي فلمن أنت في غد؟
فاستشاطت لقولتي غضبا في تمرد
وأشاحت بوجهها وادعت أنني ردي
إيليا أبو ماضي

الأربعاء، 22 يناير 2014

الرسالة الثانية للسيد أوباما







الاربعاء 22 يناير 2014



فخامة الرئيس باراك حسين أوباما.. هذه هي الرسالة الثانية التي أرسلها لفخامتكم وقد أرسلت الأولى قبيل عيد الفالنتاين من عام 2011، والذي يحمل كتاريخ المعاني الكثيرة للجميع، فكم من حدث جلل وقع في شهر فبراير (شباط)، كما أنني حرصت أن تكون الرسالة في بداية العام لتحمل أكثر استفادة ممكنة تنعكس على سياستكم في العالم وفي منطقتنا الشرق أوسطية بالذات.
وكنت قد حدثتك عن الديمقراطية وعن عدم التزامكم بها رغم ادعائكم بذلك ولم أتلق ردا بعد. أما اليوم فأنا أكتب إليك عما استجد في أوضاع السنوات الثلاث الفائتة التي فزت خلالها بدورة رئاسية ثانية على خصمك المورموني رومني. نعم لم أنسب خصمك إلى حزبه السياسي الجمهوري بل إلى طائفته المورمونية. أليست هذه هي الطريقة التي صرتم تصنفون البشر بها حتى فسدت أخلاق السياسيين حول العالم وصاروا يتكلمون عن الانتماء الإثني لنظرائهم بدلاً من الكلام عن التوجه السياسي؟.
تقومون بهذا بسبب دعمكم للتوجهات التكفيرية بدلاً من التوجهات المتسامحة في العالم، وأرجو أن تسمعني للآخر يا أبا حسين، فمن في هذا العالم أكثر تكفيرا من متشددي اليهود في إسرائيل؟ ورغم أن اليهود عامة لا يسلمون بوجود ديانات سماوية لاحقة، إلا أن الصهاينة تحديدا يمعنون في سلب الحقوق الإنسانية للبشر الذين يعيشون في هذا الجزء من العالم.
لماذا تدعمون التكفيريين يا أبا حسين، ألا ينبغي أن تواجهوهم بالحدة ذاتها التي تواجهون بها التكفيريين ممن يدعون الإسلام ويعتدون على الآمنين، أم أن الحركات التكفيرية اليهودية في القدس تحمل حصانة ودماء زرقاء لا يحملها تكفيريو أفغانستان؟ ليس هذا هو التغيير الذي وعدت به العالم يا أبا حسين. أم أن هناك توجها لإقامة دولة قومية لتكفيريي المسلمين أيضا وثالثة لتكفيريي النصارى وربما تتحالفون معهم أيضا وتوقعون معهم الاتفاقيات الأمنية.
ثم يا فخامة الرئيس هناك قضية أتحرج أن أكلمك فيها، ولكن المثل عندنا أن نبادر في طرح ما نتحرج منه لئلا نبقي الحرج والضغينة في النفوس، وهي قضية التجسس على الدول الحليفة والصديقة. لقد صدم العالم أجمع من هذه الفضيحة، فقد تعود الجميع أن يكون التجسس على العدو وليس الحليف، إلا أن ما سمعناه مؤخرا كان تجديدا في أعراف الصداقة بين الدول لم نعهد له مثيلا.
وأصدقك القول إنني لم أصدم من الموضوع ككل بقدر ما صدم الآخرون، فإن لي نظرة أخرى تحمل سياستكم على سبعين محملا من الخير لا تتكسر أبدا. أميركا اليوم وفي هذا العهد تعيش دورا أبويا كما يبدو، تشرف على التغيير دون أن تقوم به بذراعها، أليس كذلك؟ إذا، فهذا التجسس من قبيل الإشراف الأبوي الذي لا يجب أن ينزعج منه أحد من حلفائكم، لأنكم تقومون بالاطمئنان على أوضاعهم لتعرفوا ما يضايقهم أو قد يؤذيهم حتى وإن كانوا يتحرجون من مشاركتهم هذه الهموم أو التطلعات لأي أحد مهما كان قريبا.
وربما كان هذا من قبيل التطلع إلى تقديم أفضل معونة مستقبلا، بحيث تقدمون للحليف ما يحتاجه حتى قبل أن يطلبه. هذا يبدو عظيما، ولكنه جعل أخلاقياتكم على المحك كما يبدو لأنه أرسى أعرافا جديدة في الدبلوماسية غير معهودة. وما الضير في ذلك، فأنتم سباقون في كل جديد. ولكن يبقى أن لا تتضايقوا إذا قامت الدول الأخرى بمعاملتكم بالمثل من باب رد الصنيع أو باب بر الأبناء بآبائهم.
“أبوحسين”، لقد فاجأتم العالم بطريقة تعاملكم مع الملف الإيراني، والحق يقال إن العالم لا يتحمل المزيد من الأزمات والحروب، ولكنكم اختزلتم مشكلتكم مع الإيرانيين في الملف النووي، فلماذا إذا كان هذا العداء الطويل قبل أن يكون الملف النووي هاجسا؟ هل هو تأجيل للحرب، أم أن المنطقة ستعيش حالة من الاستقرار وانحسار إنذارات الحروب المتوالية التي لونت الكثير من أيام حياتنا بعد حروب الخليج المتوالية واحتلال العراق؟.
كلمتي الأخيرة لكم هي التمني لتوقف النهج الطائفي في تعاطيكم مع أزمات العالم المعاصر وتوقف سياسات التقسيم التي رأينا نتائجها في السودان ونخشى أن تعيد تقسيم العالم من جديد وهو أمر لا أعتقد أنكم تتمنونه للولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، والله من وراء القصد.
آخر الوحي:
نهرٌ من النار في صدغي يعذبني  إلى متى، وطعامي الحبر والورق؟
وما عتبت على النيران تأكلني  إذا احترقت، فإن الشهب تحترق
نزار قباني

الأحد، 19 يناير 2014

قصة قصيرة










الأحد 19 يناير 2014





مرضَتْ منذ ثلاث سنوات تقريبا وربما أكثر، وهي شابة في ريعان الصبا، صغيرة السن والجسم، وأخذت تنتابها موجات ونوبات من الاهتزاز والتشنج، تفقد الوعي حينا وتصحو أخرى. أهلها لا حول ولا قوة لهم، ويحاولون علاجها بكل طريقة، إلا أن تشخيصهم لها كان دوما أنها ممسوسة بمس من الجن. جربوا لها كل أنواع الطب المتداول شعبيا والرقية، وأحيانا حتى حلقات الذكر، إلا أنها على حالها. ربما هدأ أوار المرض وخفت النوبات، لا لأنها عوفيت من مرضها؛ بل لأن بنيتها ضعفت كثيرا ولم تعد تتحمل الكثير من هذه الأعراض العنيفة عليها.
كان أهلها يدخلون شيخا للبيت عند خروج آخر في محاولات حثيثة؛ لكشف المس أو السحر الذي أصابها، وبعيدا عن الحقيقة، فربما كان هذا السحر مأكولا أو مشروبا أو منثورا أو مدفونا، في جبل أو في واد أو في بحر أو في قبر. لم يتوقفوا لبرهة كافية من الزمان ليتفكروا ويتشاوروا ويتحاوروا في علاج للمرض الذي أصابها، والذي ربما لا يكون سحرا أو مسا أو عين حاسد أصابتها.
لم يتبادر إلى ذهن أحدهم ربما، وربما لم يكترث بأن طريقة العلاج هذه فوق كونها تضعف بنيتها أكثر وأكثر، وفوق كونها تطيل أمد معاناتها، وربما تفوت فرصة تشخيص المرض حتى تصل الأمور إلى ما لا تحمد عقباه، أنها تسيء الكثير إلى سمعتها وفرصها في مستقبلها، فتصير خاتمة الأمر أن لا عافية ولا ستر.
أحد الأطباء الشعبيين يقول إنه - الذي مسها - أرضي، والآخر يقول إنه سماوي، وثالث يقول لا أرضي ولا سماوي بل هو صرعة ترتبط بدورات القمر، فلابد من صرعتها في كل استدارة للقمر. وربما كان هذا الأخير هو الأقرب إلى وصف الحالة والأبعد عن تشخيصها وعلاجها، فوصف الأعراض شيء وتحديد العلاج أمر مختلف.
العلاج كما وصفه أحد الأطباء كان يستدعي تبرع أهل الخير، ولكن المال ليس العلاج وإن كان أحد الجسور الموصلة إذا عرفنا الطريق، فالسير على غير هدى أو جادة لا تزيد سرعته المسافر إلا بعدا ولا توصله قصدا.
هذه هي قصة الشابة المسكينة، وهذه هي حالها التي لم تتغير، يئس أهلها، ونفدت مواردهم المالية في سعيهم، وربما كان اليأس أحيانا أول خطوة على طريق العلاج، ربما هو ما يعطي الفرصة للتفكير والوصول في الطريقة المثلى للعلاج، وربما عندما تهدأ الحماسة وتخفت العاطفة يفكر أهلها في التعامل مع الموضوع كمرض يمكن علاجه وليس كلعنة يريدون زوالها. ألم ينفق الأميركان الملايين لصنع قلم يكتب في الفضاء، بينما اختصر الروس المسافة باستخدام قلم الرصاص.
ورغم أنه لا يمكننا أن ننكر الطب المكمل أو البديل، ولا ننكر الأمور ما وراء المادية، إلا أننا لا يجب أن نتنكر أيضا لحق الطب الحديث في أن يتم تجربته لعلاج مثل هذه الحالات، خصوصا أن الأمور تجري بأسبابها وأن معظم النار من مستصغر الشرر.
أفضل نصيحة لأهل هذه المسكينة أن يجربوا الطرق الأخرى ويستفيدوا من تجارب الآخرين الناجحة للعلاج، وإذا تمكنوا من الوصول لعلاج ناجع لهذه الوعكة فينبغي لهم دوما أن يبصروا أن درهم الوقاية خير من قناطير العلاج، وأن يتجنبوا الدخول في المتاهات والتعقيدات، فإن لكل مرض يطول تبعات قد تزول أو تبقى بعد زواله.

آخر الوحي:
لما سألت عن الحقيقة قيل لي الحق ما اتفق السواد عليه
فعجبت كيف ذبحت ثوري في الضحى والهند ساجدة هناك لديه
إيليا أبوماضي

الأحد، 10 نوفمبر 2013

علمنا الحسين







الأحد 10 نوفمبر 2013

في هذه الأيام والبلاد الإسلامية تعيش ذكرى عاشوراء، تحتفي الشعوب بهذه الذكرى من خلال مظاهر متنوعة، من ضمنها مظهر تعليق اللافتات التي تتضمن أقوالا للإمام الحسين وأخرى حوله وثالثة من وحي المناسبة. ومن العبارات التي صارت تحظى باهتمام خاص عبارات لمشاهير من التاريخ ومفكري الشعوب يبينون من خلالها مدى تأثرهم بالحسين وما تعمق في نفوسهم من القيم من خلال قراءتهم لشخصيته والأحداث التي دارت حوله.
وربما لا يكون من أقل تلك الأقوال شهرة ما ينسب للمهاتما غاندي قوله “تعلمت من الحسين أن أكون مظلوما فأنتصر”، هذه العبارة وإن كانت تبين تأثر الرجل بشخصية الإمام الحسين إلا أنها تضيف له في نفوسنا من الاحترام أكثر مما تعمق في نفوسنا من القيم السمحاء. وفي رأيي أن الحسين وإن كانت مظلوميته ظاهرة بشكل مفجع، إلا أنه لا يختلف في هذه القيمة عن جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أو والده أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في مجانبة الظلم. فالمرء إذا لم يكن ظالما فالأقرب أن يكون مظلوما. وربما صح لنا بدلا من أن نكتفي باستعارة ما تعلمه الأباعد من شخصية عظيمة كشخصية سيد شباب أهل الجنة، بأن نذكر ما تعلمناه نحن من الإمام الحسين عليه السلام من قيم رائعة ربما لا يلتفت لها من اختلف عنه في العقيدة وهي الأهم بالنسبة لنا. فمن أول الدروس التي نتعلمها منه حرصه على حفظ المقدسات من جعلها عرضة للاستصغار والانتهاك والتعدي. وذلك في موقفه عند خروجه من مكة حين علم بأن دمه قد أهدر وأن الأوامر قد صدرت بقتله ولو متعلقا بأستار الكعبة. ومن ذاك قوله لجماعة فيهم عبدالله بن الزبير “والله لئن أقتل خارجا منها بشبر أحب إلي من أن أقتل فيها. ولئن أقتل خارجا منها بشبرين أحب إلي من أن أقتل خارجا منها بشبر”. فهنا كان حرصه على ألا تستباح حرمة مكة والكعبة بمقتله الشريف الذي يعلم أنه واقع لا محالة. على أن قتله في حد ذاته بغض النظر عن المكان كان تعديا على مقدسات المسلمين، تبعه الكثير من الهوان على الأمة أجمعها، وهذا ما أشار إليه أحد من كلمه على الخروج إذ يقول له “بأبي وأمي أمسك علينا نفسك. فوالله لئن قتلوك ليتخذنا هؤلاء القوم عبيدا” وقال له “ووالله لئن قتلت لا بقيت بعدك حرمة إلا استحلت”. ولعل هذه النظرة البعيدة التي لم تخفَ على الحسين كانت في محلها، ففيما يذكر التاريخ حول سنوات يزيد الثلاث في كرسي الحكم أنه قام من بعد قتل السبط برمي الكعبة بالمنجنيق واستباحة المدينة المنورة. فمن هنا نتعلم درسا مهما وهو الحفاظ على المقدسات وتجنيبها الوقوع في أتون مشتعل من الحروب، سواء كانت أماكن مقدسة أو شعائر محترمة أو شخصيات عظيمة فتنتقص قيمتها ومكانتها.
ولعل درسا ثانيا نتعلمه من شخصية الإمام الحسين، وهو أن تنبع تصرفاتنا من سجايانا وأخلاقنا ولا نخضعها في ذلك لطبيعة من نتعامل معه، فلا نسمح للآخر أن يأخذنا إلى مستنقعها الذي تختفي فيه القيم والأخلاق. فها هو في طريقه إلى كربلاء وقد أمر أصحابه بأن يستسقوا؛ لأنهم مقبلين على طريق طويل لا ماء فيه، إلا أنه يسقي الجيش الذي قدم لمحاربته من الماء الذي يدخره لطريقه. بل إنه لم يكتف بسقي الخيالة والرجالة حتى سقى خيولهم حتى ارتوت. يفعل هذا رغم أنه يعلم بما يجري عليه من القوم وحرمانه من الماء فيما بعد.
وفي درس ثالث له، ينهى أحد أصحابه عن رمي عدوه بالسهام قائلا له إنه يكره أن يبدأ هو القوم بالقتال. هذه بعض الدروس القليلة والتي هي غيض من فيض من دروس الحسين الشهيد، ولكننا بدلا من أن نتعمق في تراثنا وفهمه فهما جيدا نوغل في البحث عن أثره في نفوس الآخرين الذين يأخذون من تراثنا بقدر ما يفيدهم وحسب.
آخر الوحي:
دارت عليه الدائرات ولم يكن    فردا ولا كان الحسين بأعزلِ
كانت حشاشة جده في صدره     ومن اقتدار أبيه كان بجحفلِ
لكنه القدر العظيم أرادها         عصماء لم تتأم ولـــم تتمهــلِ
عبد الرزاق عبدالواحد

الأربعاء، 16 أكتوبر 2013

من المريخ و الزهرة




الأربعاء 16 أكتوبر 2013


على غرار الكتاب الشهير الذي شغل الدنيا والناس، الكتاب الذي حاول إيصال فكرته عن طريق هذا التشبيه، “الرجال من المريخ والنساء من الزهرة”، حاول هذا الكتاب أن يوصل للقراء وتمكن من ذلك بشكل كبير، من أن الرجال والنساء يفكرون بطريقة مختلفة ويعبرون عن أنفسهم بطريقة مختلفة، ويتواصلون في علاقاتهم الإنسانية بطريقة مختلفة. على غرار هذا العنوان، خرج على عالمنا الإسلامي بصورة أكبر في دولنا العربية من يحاول إقناع الناس بأن الطوائف الإسلامية أتت من كواكب مختلفة، وربما ذهب إلى أبعد من الإقناع.
ورغم أنني لا أشك بتاتا أن الاتجاهات المتشددة والمتعصبة والداعية إلى القتال والفرقة بين طوائف المسلمين ومذاهبهم هي بالفعل قد أتتنا إن لم يكن من خارج هذا الكوكب “خارج الإنسانية” فهي على الأقل قد جاءتنا من خارج الإسلام ومبادئه والتراث الأصيل من العيش المشترك. لا شك أن هذه الفرق الدموية قد جاءتنا كنتاج للتأثر بأفكار وقوى غير متصفة بالتدين بل لا أقول التأثر وإنما الارتباط الاستراتيجي في نشأتها واستمراريتها.
هذه الاتجاهات الباغية على الناس عموما وليس على المسلمين أو بعضهم خصوصا، قد حملت معها ثقافة تكفير الآخر أي آخر وتفجير الآخر أيا كان وقتل من يعتبر خصما، سواء كان نداً أو شيخا كبيرا أو طفلا أو امرأة. وهذه الاتجاهات لا يصح عليها لفظ طوائف، بل هي كمجموعات مسلحة يصح عليها لفظ عصابات إجرامية تعيث في الأرض فسادا، لا أقل ولا أكثر.
ولا أعتقد أن أحدا يشتبه عليه أمر أمثال هؤلاء سواء حملوا شعارات ظاهرها الإسلام، أو كانت مجموعات تدعي الدفاع عن المسيحية، أو مجموعات عنصرية ضد أعراق معينة. كل هذه المجموعات التي تتحرك تحت هذه العناوين هي عصابات إجرامية تعمل لأهداف معينة وبارتباطات دولية لتحقيق أهداف معينة عبر ذرائع لا يمكن للجيوش النظامية حملها.
الأمر مفهوم تماما في هذه الصورة، أما غير المفهوم أن يخرج علينا الفكر والإعلام المضلل والسياسة الذي يحاول بعد قرون من نشأة المذاهب الإسلامية وتعايشها الطبيعي أن يخبر طائفة من المسلمين أن طائفة أخرى قد أتت من كوكب آخر، وكأنهم ليسو أناسا من لحم ودم، يأكلون ويشربون ويعيشون ويعمرون. يتكلم الإعلام عن طائفة ما باعتبارها حاضنا للخيانة والعمالة، وبكل صدق إن ما أنقله عن كلام الإعلام المضلل الكاذب لا ينطبق على طائفة دون أخرى، فلكل قوم من يلمزهم ويتهمهم ويتجنى عليهم.
وبكل بساطة فإن الإنسان إذا قبل أن يكون الآخر كل الآخر من المريخ، فبالتأكيد لن يكون هو من الأرض، إذا أنت تعاملت مع الآخر باعتباره مستذئبا تستحل حرمه، فلن يعتبرك إلا مصاص دماء خطر بقاؤه. وبالنتيجة فإن الاثنين يكونان غير أرضيين، لا يجمعهم حتى رحم الانتماء لطين الأرض. وبالتأكيد فإن هذا الكلام وهذه النتيجة هو ما يراد له أن يكون سائغا ومقبولا ليتمسك كل طرف بهويته المريخية والزهرية بعيدا عن النسب الأرضي.
الأمر لا يقتصر على وظيفة واحدة كخطيب، بل يتجاوزه إلى كاتب وإعلامي ونائب واذكر ما شئت من صنوف الوظائف والأدوار ممن حملوا شعار التفرقة الطائفية عن علم أو جهل، مسببين بذلك أن يستنفر العامة ويستقطب العامة ويحصل الهرج والمرج ومقدمات من التوتر كادت أن تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه.
اليوم أعتقد أن الجميع يعي خطورة الخطاب الداعي إلى التمييز أو التصارع بين فئات المجتمع تحت عناوين طائفية وعنصرية، ولكن قيل قديما إن ألفا ممن يعمر لا يمكنهم الإنجاز لو وجد واحد ممن يهدم يفسد عملهم.

آخر الوحي:
ذرني وأشجاني وجسمي والضنى
ويدي وأقلامي وطرفي والسهر
أأبيت ألهو والهموم تحيط بي
وأنام عن قومي وقومي في خطر
صوت المصفق موعد مابيننا
ماذا أقول لهم إذا الديك استحر؟
إيليا أبوماضي