الأحد، 7 نوفمبر 2010

شر البلية ما يضحك... جمعية المستقلين











أتمنى على قرائي الأعزاء ألا يعاتبوني على تهلهل الكلمات أو السطور، أو على تبعثر العبارات بدون رابط في هذه المرة بالذات. والسبب في طلبي للعذر هو أن هذا المقال بالذات قد كتبته مستلقياً على قفاي من الضحك منذ منتصف الأسبوع وحتى لحظة نشر هذا المقال.
وأما عن سبب الضحك والقهقهة فإنني وعلى خلاف العادة استبشرت خيراً ببداية الموسم البرلماني الذي أيتمنا بتوقفه للإجازة ورفع جلساته للمرة الأخيرة في 11 مايو 2010. ولكم أن تتخيلوا أزيد من خمسة أشهر كئيبة اكتنفتها أحداث متلاحقة لا تبعث كثيراً على السرور. الشاهد أنني استبشرت خيراً بقرب بداية الأكشن، ولم يخيب نوابنا الكرام ظني أبداً. فقبل أن تنعقد أول جلسة، بل وقبل أن يتم تعيين أعضاء مجلس الشورى بدأ “الأكشن القوي”.
استبشرت خيراً أيضاً حين رأيت حظوظ المستقلين قد تصاعدت بشكل يبشر ببرلمان يحمل سمات جديدة بعيدة عن الاصطفافات السيئة الصيت والتي حصلت في برلمان 2006، فالمستقلون بلا شك أبعد عن الاصطفاف. صحيح، أن تأثير التكتل داخل البرلمان أقوى في صناعة القرار من الصوت المنفرد، إلا أن الاستقلالية في الأفكار لا تمنع من التوافق في المواقف، فيصير لكل مقام مقال، بعيداً عن احتساب أي نائب على أي جهة أو جمعية.
الناس أو الناخبون استبشروا معي أيضاً، فالمتأمل لردود الأفعال التي نشرت في الصحف سواء من الكتاب الصحفيين أو النخب أو عموم الناس، يجد الكل متهللاً بتحرر الشارع من قبضة الجمعيات، الكل يشيد بما فعله الناس بمن يخدعهم أو يتاجر بهم، وتم تقسيم المشهد من قبل الصحافة إلى مفارقة بين شارع شيعي متحزب وشارع سني متحرر، وإليكم أمثلة من عناوين صحيفتنا “البلاد” مثالاً. القوة السنية الصاعدة، تحولات الوعي السني والحراك الانتخابي، فاجعة الإخوان، مفاجآت 23 أكتوبر، الأصالة والمنبر دور ثانٍ بطعم الهزيمة، شعب البحرين يلقن التيارات الدرس، أصوات البحرينيين ليست قطعاً خشبية.
ولكن يبدو أن المستقلين الذين رغب فيهم الناس قد قرروا استراتيجيّاً لا أن يتكتلوا داخل المجلس وحسب، بل قرروا -وهنا سأستلقي ضاحكاً مرة أخرى- أن يكونوا جمعية للمستقلين، لا أفهم معنى أن تكون جمعية للمستقلين، ولا تلوموني في ذلك، فربما كان تصور النواب المستقلين يحمل شيئاً من الوجاهة إذا شرح بلغة أخرى لا أفهمها، إلا أنني -ورأيي لا يلزم أحداً- لا أؤمن بأن جمعية ما يكون تحت لوائها مستقلون. نعم جمعية محايدة، جمعية غير حزبية المواقف نعم، ولكن أنا مستقل من الجمعية الفلانية؟ هذا ما لا يكون أبداً.
وأسترسل في القراءة بعد أن ضحكت، لأجد أن الاسم المقترح هو اسم جمعية الوحدة الوطنية، وهنا لي أن أقف وقفة إجلال واحترام لهذا التوجه على أنني أتمنى أن يكون اسماً على مسمى، وأن أتمنى لنواب هذه الجمعية الجديدة التوفيق. يبقى لي بعض الملاحظات أتمنى أخذها بعين الاعتبار:
1) في حال كتب للجمعية أن ترى النور، فإن الناخبين لن ينسوا للجمعية العتيدة أن أعضاءها قد استغلوا صفة الاستقلالية ليقنعوا الناس باختيارهم، ثم انقلبوا على هذا الفهم واصطفوا في جمعية جديدة، قد تطولها اتهامات السرية التأسيسية في البداية، وقد تعتبر فصلاً من فصول المطبخ. لذا يتعين على كل نائب أن يستشير قواعده في الدخول إلى الجمعية، لأنهم لم يكونوا قد صوتوا إلا لمرشح مستقل.
2) أحد أبرز نواب هذه الجمعية العتيدة “جمعية الوحدة”، والذي يحترمه الجميع لمواقفه المشرفة في الجانب الخدماتي لدائرته بصورة خاصة، ينبغي أن يراجع نفسه في موضوع إعلاناته التي تتصدر وتدعم أحد أبرز المواقع المنتدياتية الطائفية السيئة الصيت، والذي كان موقف هيئة الإعلام منه مؤشراً على تحيز محير، رغم مخاطبتهم أكثر من مرة في مقالات سابقة، ورغم تلقينا تطمينات من إدارة النشر والتوثيق الإعلامي بالهيئة منذ أكثر من شهر. على هذا النائب وعلى كل من يثمن الوحدة الوطنية أن تتطابق مواقفه مع تصريحاته. فالوحدة الوطنية ليست كلمة جوفاء تقال حشواً، والوحدة الوطنية يجب أن تدعم خطاباً وحدويّاً لا خطاب السباب والشتم والتكفير.
3) كما تمنينا على جميع نواب 2006، فإننا نتمنى للأمل القادم وهو كتلة المستقلين، ألا يُجَرُّوا جرّاً إلى اصطفاف طائفي يعيد لنا صورة البرلمان السابق وسنواته العجاف على المواطن، فأمام النواب ميزانية جيدة من أكثر من ناحية، يجب أن يعملوا على الاستفادة منها في خدمة المواطنين وتوفير سبل حياة كريمة على أكثر من صعيد قد يكون أهمها الإسكان، الذي صار همَّ الحكومة وشغلها الشاغل كما هو همُّ كل مواطن على هذه الأرض الطيبة.

الأربعاء، 3 نوفمبر 2010

الخبرة المفقودة











محاذير ومحاذير ومحاذير، حقول ألغام مزروعة في طريق ذلك الغض الذي يبدأ للتو مشوار التجربة العملية، بعد أن وصل إلى حد التشبع في تزوده بالمعارف والعلوم التي يحتاج إليها ليصل إلى مرحلة الجهوزية، وآن له أن يبدأ العمل. متعجل هو بل مفرط في استعجاله، نزق شباب تجربته يدفعه إلى الاستعداء، وإلى التشبث - دون حتى أن يستمع للآخرين - بآرائه، ودون أن يدرك أن الآخر لا يحاول كبح جماحه، ولا أن يوقف عمله، ولا أن يصادره. إن هذا الآخر الذي هو واقعاً يقبع معه في نفس البيت، يريد فقط أن يوصل له بعض نتاج خبرته ليجعله يجني أفضل ثمار عمله، وقديما قيل أن السير على غير هدى لا يزيد صاحبه إلا بعدا.
ربما علمته التجارب كما علمتني وغيري ان التفكير وإمعان النظر قبل بدء العمل يختصر وقت إنجاز العمل كثيراً، إذ ان تنظيم العمل وتحديد هدفه المنشود ووضع الضوابط قبل البدء يقي العامل من التخبط ومن ممارسة ما يسميه العقلاء “التجربة والخطأ”. دقائق قليلة قبل الشروع، ستوفر ساعات ثمينة بعد أن يدخل المرء في دوامة لم يكن مستعداً لها البتة. مشكلة الخبرة المفقودة تحصل كثيراً عند غياب من شهدوا تأسيس مؤسسة أو منظومة ما، إذ ان الخيارات المتبقية لمن يخلفهم كثيرا ما تكون محدودة، ويظل تحديد المساحة التي يستخدم فيها مفهوم “التجربة والخطأ” وهامش الخطأ المسموح به رهناً بما تركه السابقون من توثيق لتجربتهم العملية، فيكون الاجتهاد غالباً في منطقة الفراغ. ولعل غياب هذه الخبرة بشكل تام يدفع إلى ما نسميه إعادة اختراع العجلة من جديد.
أضرب مثلاً بالعمل الذي يقوم به الكهربائي عند تسليك بناية، فما لم يقم هذا الكهربائي بترك خارطة مفصلة يوضح فيها ما قام به، فإن أي عامل صيانة يأتي فيما بعد سيواجه صعوبات كبيرة في إصلاح الأعطال أو إضافة التمديدات للملحقات الجديدة. هنا سيتوجب على هذا العامل أن يمارس “التجربة والخطأ” ليفلح بعد جهد جهيد في عمل ربما كان يستلزم دقائق معدودة لو كان يحمل معه الخرائط اللازمة.
ولا شك عندي أن التصدي لأي عمل كان يتطلب شجاعة أدبية، لتقبل النقد، وتقبل الفشل، وتقبل إعادة الكرة مع تصحيح الأخطاء. الحماس الشديد والمتلازم دوماً مع الشباب، يجعل كل من يريد المنافسة مع الموجود يفكر من خارج الصندوق كما يقول الإنجليز، والتفكير من خارج الصندوق هو السعي لإيجاد حلول غير تقليدية لمشكلات موجودة دون الخضوع بسلبية للإطار الفكري الذي يحاصر ذهن الإنسان والنابع من تجاربه السابقة وقناعاته ومحيطه. ونجد اننا بطبيعة الحال نتفاوت في طريقة تقبلنا للتجديد والتغيير وذلك بسبب اختلاف التركيبة النفسية بين أفراد المجتمع من محافظين ومجددين، هذان التصنيفان اللذان يسميهما علماء الاجتماع ساقي المجتمع، حيث لا يتحرك إلا بقدم راسخة في الثوابت وأخرى ساعية إلى الإبداع والمجاراة للمتغيرات العصرية.
تأتي هنا جملة من النقاط المهمة التي أود التركيز عليها:
 - ان الانفتاح في التفكير على جميع الخيارات لا يجب بحال من الأحوال أن يصطدم بالقيم والثوابت الدينية والاجتماعية بل وحتى التنافسية، لأن ذلك إما يجعل الخيار غير أخلاقي في الحالة الأولى، أو خيارا عديم الجدوى في الحالة الثانية.
 - ان اللاعب الخبير ليس بالضرورة هو الأكثر حركة، وإنما اللاعب الذي يجيد التمركز في المكان الصحيح لاستقبال الكرة.
 - ان فهم أسباب وضع أي قاعدة أو إجراء والخلفية التاريخية لوجوده يجعل من السهل تقييم استمرارية الحاجة لها من عدمها.
في هذا السياق، هناك طرفة منتشرة هذه الأيام بعنوان نظرية القرود الخمسة، وتتمثل في أن أحدهم وضع خمسة قرود في غرفة وجعل في وسطها سلماً. وعلى قمة هذا السلم وضع بعض ثمار الموز. وبطبيعة الحال ان سعى أحد القرود ليقطف الموز، ستنطلقت رشاشات الماء البارد لترش القرود الأخرى. وكلما تكررت المحاولة من أحد القرود، تكرر انطلاق الماء كعقاب جماعي للآخرين.
وبعد فترة صارت القرود تنهال ضرباً على أي فرد منها يحاول قطف الموز لئلا تصاب بهذا العقاب الجماعي.
ثم تم تبديل القرود واحدا واحدا وهي تتناقل هذا الموروث، حتى صارت المجموعة الخماسية جديدة بالكامل، ولم يشاهد أي منها عملية رش الماء إلا أنها احتفظت بعادة منع قطف الموز.
هكذا تنتقل الخبرات الإيجابية منها والسلبية، ويبقى قليل من الناس يعرفون ظروف نشأتها ونتائجها، ويبقى أكثرنا لا يتعرف على حرارة النار إلا بحرق أصابعه.