الأحد 25 أغسطس 2013
رغم أني لست مغرما بالكرة كثيرا، إلا أنني وكثير من أبناء هذا الجيل والجيل الذي سبقه ربما، عشنا فترة يكون فيها دوري الكرة محتكرا بين فريقين مصريين هما الأهلي والزمالك. ويكون خاسرا ومملا وغير مجد أن تكون خارج هذه الدائرة، فإما أن تكون مشجعا للأهلي أو للزمالك، وتكون حياتك مختزلة في نتائج فريق مقابل الفريق الآخر. تحزن وتكتئب عند خسارة فريقك الأحمر، وربما طلق رجال زوجاتهم أو خسروا وظائفهم في اليوم التالي لهذه المباراة المهمة، التي لا تختزل الدوري فحسب، بل تختزل الحياة كلها. أما حين يفوز فريقك، فإن السعادة لا تفارق محياك والجذل لا يختفي من عينيك، ولكن النتائج الكارثية لفرحتك هذه قد تشابه تلك التي تتمخض عنها خسارة فريقك، فلا فائز في مباراة إلا بوجود خاسر، وهنا قد تدخل في عراك مع مشجعي الفريق الخاسر قد تكلف أشخاصا حياتهم كما حصل مرارا في حوادث كثيرة عرفناها وقرأناها في السنوات الماضية.
ولنتخيل أنه في يوم من الأيام تم تأجيل لعب هذه المباراة الفاصلة، فإنه ولاشك تتوقف حياة المصري، حتى تحين هذه اللحظة الفاصلة التي تنطلق فيها الصفارة لبدء المباراة، ولنتخيل أن المباراة تؤجل المرة تلو الأخرى، ولا تدري متى ستحصل هذه المباراة حقا. كل شيء في البلد ينتظر لحظة ما، كل شيء مؤجل، الفرح مؤجل، والضحك مؤجل، وكل ما يأمله الناس وينتظرونه مؤجل، وهل للناس أن يؤجلوا كل شيء من أجل هذا الدوري فضلاً عن مباراة واحدة حتى لو كانت مهمة؟.
هل تعلمون ما يحصل حينها، ستكون المباراة المأمولة المرتقبة حديث الجميع، حتى أنا، رجل الشارع العادي، الذي لا يعرف شيئا عن الكرة، أنتظر تلك المباراة لأن الجميع يفكر فيها، وعليها صار يتوقف كل شيء. سيعيش الناس تحليلات المباراة، وكيف ستدور المباراة، وكيف ستكون خطة كل فريق، وما هي التشكيلة الأنسب لخوض المباراة، أين ستقام المباراة، وكم سيبلغ سعر التذكرة. كل زيارة يقوم بها وفد كروي إلى البلاد تفسر أنها متعلقة بالمباراة، وكل وفد إعلامي قادم إلى البلد نظنه قَدِم من أجل المباراة.
هذا وفي الزمان السابق لم يكن هناك تويتر ولا فيسبوك، أما في زماننا هذا، فستجد الجميع يبحث عن المصادر العليمة والمطلعة والمقربة التي تطلب عدم الإفصاح عن أسمائها، ثم متابعتهم ومتابعة حتى أخطائهم الإملائية أملا في معرفة شيء عن المباراة. وعلى الواتساب، تنتشر إشاعات تتكلم عن المباراة لا تحمل اسماً، إلا أن الجمهور المتعطش لا يملك إلا التصديق من أجل المباراة.
أضف إلى هذا الأخبار من هنا وهناك التي يعبر عنها سعد الفرج أنها قادمة من “ديوانية عروقها في الماي” ويتناقلها الناس تناقل المسلمات، دون أن يكون لها أي أساس من الصحة، إلا أن الغريق يظل متعلقا بقشة حين يظنها قادمة من قلب طاولة اتحاد الكرة.
كل تاريخ من تواريخ السنة يتخيله الناس حاسما ليتم الإعلان عن المباراة. إلا أنه يعود كالسراب يحسبه الظمآن ماء ثم لا يجد عنده شيئا، ويبقى يبحث عن تاريخ آخر.
تصوروا أن المواطن يتكبد كل هذا من أجل مباراة كرة، فكيف إذا كان يترقب خبرا أكثر أهمية؟!.
آخــــــر الوحي:
وأقول إني مؤمن بوجودها
فتقول ما أحراك ألا تؤمنا
وأقول سر سوف يعلن في غد
فتقول لا سر هناك ولا هنا
يا صاحبي هذا حوار باطل
لا أنت أدركت الصواب ولا أنا
إيليا أبوماضي