الأربعاء 21 أغسطس 2013
ربما كان من محاسن الصدف، أن تقوم الفتن في بلاد مختلفة في مواقعها وفي تركيبتها السكانية في نفس الوقت أو في أوقات متقاربة، مبنية على نفس الدعوات والدعاوى مشيرة إلى نفس الأهداف، يحمل راياتها أقوام تختلف بينهم المشارب والاتجاهات الفكرية. وربما كان في ذلك لطف أو رحمة بعقول الناس حين يقارنون بين ما يحصل في بلد أو آخر. فالفتن التي أخذت تلبس بطابع طائفي في بلاد، صارت تماثلها أخرى في بلاد يصعب فيها تلبيسها بهذا اللباس، فصارت مرايا للصدق، ومعينة للمتحذر أن يتحذر من الوقوع في الحيف إذا نظر إليها في مجموعها لا منفردة.
فهي إن سمحت لك بتبني رأي في إحدى هذه البلاد فستمنعك من تبني رأي مناقض في بلد آخر، وإلا وقعت في فخ طائفي هنا أو في محاكمة النوايا هناك حين تكون الدعاوى واحدة في كلتيهما. يحين لك اليوم أن ترفع من وتيرة صوتك حول ما يجري في هذه البلاد مؤكدا أمرين مهمين مترابطين واقعيا وهما حرمة الدماء وضرورة الاستقرار، وهما أمران سيقودان بالضرورة إلى تبني خطاب واقعي جامع بعيد عن الغلو في أي من الاتجاهات.
لا يمكن اليوم لمن تهمه حرمة الدماء في مصر أن ينادي بأن تسفك الدماء في سوريا أو في اليمن أو أي قطر آخر، ولا يمكن لكل من يؤمن بأهمية الاستقرار أن يدعو للتغيير من خلال الفوضى، ولا يمكن لأحد يريد أن يبعد بلاده عن نائرة الفتن أن يرضى باشتعالها في بلاد أخرى.
الطريف في كل هذا هو غياب العدو، إسرائيل في كل هذه المعادلات هي الغائب الحاضر، وقوى الشرق والغرب المعادية أو المتمصلحة هي الغائب الحاضر، فكل أطراف ما يسمى بالربيع العربي تتقاذف تهمة التواطؤ مع إسرائيل أو الشيطان نفسه حتى، دون أن يكون للشيطان حضور على الأرض سوى ما يفعله أصحابنا ببعضهم البعض.
وفيما الولايات المتحدة هي اللاعب الأهم في مجريات الأمور في هذا الشرق الأوسط المسكين، وهي التي تريده جديدا بعلم العدو والصديق، إلا أن الحلفاء يتهمونها والأعداء يستغيثون بها، فلا تدري هل كان الحليف حرياً بأن يتحالف معها وهو يتهمها بالغدر، أم كان العدو محقاً في عداوتها وهو يطلب اليوم العون منها.
اليوم صار الكلام في كل هذا العالم العربي حول حقوق الإنسان، والشرعية والديمقراطية والعدالة وكل هذه دعاوى يناقضها المرء ويكيل بمكيالين حين يتكلم عن بلدين وكأن لأهل أحدهما حقوقا ليست للآخرين. وبدا واضحا للعيان أن كثيرا من المتكلمين بها إنما هم من أهل الكذب ينطلقون من منطلق عبر عنه أهل البحرين قديما بعبارة “حب وقول، وابغض وقول” لا اكثر ولا أقل.
“لقد نبهت الفتن بعد أن شبهت”، ولقد سلبت الدنيا اليوم محاسن من أعارتهم محاسن سواهم بالأمس وبدا لكل ذي عينين ضرورة الصدق مع النفس قبل الآخرين، لأن دولاب هذه الدنيا يدور والبلاء لا شماتة فيه ينتقل كعدوى المرض وهنا سيكون التمحيص.
من أفضل ما حصل في هذه الفتن هو رؤيتنا للاستثمارات العربية التي ضلت طريقها بالأمس تعود إلى الدول العربية الأخرى اليوم. ويبدو أنه بات من الواضح أن الاستثمار هنا هو أمر استراتيجي يحتاج أن نفكر في ضرورته مرة واثنتين وعشرا، حتى لو كانت الفاس قد وقعت في الرأس، عادت والعود أحمد، ولحديثه بقية.
آخر الوحي:
في عزلة الذئبِ العميقَةِ
لَمْ أجِدْ
ما يُشبِهُ الأصحَابَ في الأصحَابِ
صادقْتُ ظِلِّي
واتَّكأتُ على دَمِي
وأكلتُ جُوعِي
واحتمَيْتُ بِنَابِي
أحمد بخيت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق