الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

أكبر من الفشل







الأربعاء 24 أكتوبر 2012


كنت في حوار مع أحد الأصدقاء حول التنافسية في الأسواق فذكر مفهوماً في غاية الأهمية. قال إن بعض الدول التي نحن منها للأسف لا يوجد فيها تشريع يسيطر على أحجام شركات القطاع المالي، وربما قطاعات أخرى أيضاً ولهذا فهي تتضخم في الحجم بشكل يجعل حمايتها من الفشل وإنقاذها واجباً مؤلماً وشراً لابد منه. فحين تفشل فهي ستخلف أضراراً كبيرة للاقتصاد بشكل عام ويكون إنقاذها أيضاً مؤلماً. ركز هو على القطاع المالي لكون البنك المركزي مسؤولاً عن حماية الإيداعات، ولكن الشركات الحكومية بلا شك تكون في نفس الوارد لأنها في النهاية كشركة حكومية ستترقب الدعم من الحكومة لضخ الأموال فيها وإنقاذها.
خذ عندك مثلاً شركة كطيران الخليج تكاد تكون الوحيدة في مجالها في البحرين وتسيطر على نسبة عظمى في القطاع من بين الشركات البحرينية العاملة في القطاع وتعيل في نفس الوقت عدداً كبيراً من الموظفين المواطنين، والذين سيكون مصيرهم البطالة في حال إغلاق الشركة. تضطر البحرين لمساعدة الشركة بين الفينة والأخرى لضمان بقائها واستمرارها، حتى لو كانت الجدوى الاقتصادية لها غير مبشرة إلا بالمزيد من النزيف من ميزانية الدولة.
لماذا؟ لأن الشركة أكبر من أن تفشل مما يجعلها دوماً في حاجة للدعم الحكومي لئلا تخرج من السوق، بعكس لو كانت السوق تتكون من مجموعة من الوحدات الاقتصادية الصغيرة التي تتنافس في الأداء ولا يكون تعثر أحدها مشكلة تتطلب الدعم وإرهاق الميزانية وقس على ذلك غيرها من الشركات في شتى القطاعات.
قال لي هل تعتقد أن أحداً من بنوكنا الوطنية لو تعرض للتعثر، هل سيكون بالإمكان فعلاً إنقاذه دون أن يترك أثراً مدمراً على الاقتصاد؟ هل تظن أننا نملك تشريعات لمعايير حد أقصى معقولة للحجم النسبي للقروض داخل المحفظة الائتمانية بحيث لا يكون أحد هذه القروض كفيلاً عند تعثره بأخذ البنك إلى حافة الإفلاس؟
الخلاصة أنه لا يجب ترك أحد القطاعات محتكرة من قلة من الشركات بحيث يصير فشل أحدها كارثة على الاقتصاد يصعب التعافي من آثارها.
أقول إنه لا أحد أكبر من الفشل، وكل الأعمال من الممكن أن تنجح أو تفشل، وفي تاريخ الاقتصاد العالمي والمحلي شواهد كثيرة، فهل من خطوات في هذا الاتجاه ترغم الأنشطة الاقتصادية على التنافس وتكسر الاحتكار وتريح الميزانية من عبء أن يصلح العطار ما أفسد الدهر؟

الأحد، 7 أكتوبر 2012

شبكات التدابر الإجتماعي











الأحد 7 أكتوبر 2012


فيما يطلق على مجموعة من المواقع العالمية عنوان شبكات التواصل الإجتماعي مثل الفيسبوك و التويتر و غيرها، إلا أنها باتت تستخدم لأغراض غاية في السوء بشكل غير مسبوق في سواها من برامج التواصل. ففيما استخدمت شبكة الإنترنت عندنا للترفيه بشكل عام و ليس توسعة المدارك و زيادة المعرفة، وجدنا أن مواقع التواصل التي تمكننا من مد الجسور مع الآخرين قد صارت وسائل لبث الفرقة و إشاعة الفتن و المهاجمة الغارقة في الشخصنة مع كل من نختلف معهم في الرأي.
 و بالطبع فإن بث الشائعات و غسيل الأدمغة و توجيه المجاميع و إبراز الخلافات و تعزيزها هي من أهم الأغراض التي استخدمت فيها هذه المواقع، حتى صارت أسماء مستعارة معينة أو شخوص حقيقيون رموزاً للفتن بين الأفراد و الجماعات يزيد رصيدهم الشخصي مع اشتعال الفتن و تفرق المجتمع و استمرار الأزمات.
 نعم، وفرت هذه المواقع بيئة خصبة و مسرحاً مناسباً لظهور الجانب الأسوأ من كل شخص و وضحت لنا  كيف يتحول أشخاص محترمون إلى جهلة لا يحملون أي شئ من حس المسئولية ولا النضج أو الواقعية في مواجهة المواقف و الفترات المصيرية. هذه الفترات التي كنا نأمل أن نجد مجتمعنا يبرز فيها جوانب قوته ووعيه وقدرته على التعايش و التسامح بين الآراء المختلفة، وهو المجتمع الذي كان سابقاً لسواه في التعليم و رائداً في مجالات العمل الأهلي و المسئولية الإجتماعية و النشاطات الثقافية إلا أن كل ذلك بدا أنه لم يبلغ المستوى الكافي لينتج حراكاً يقوم بوأد الفتن و يمنع أن يمتد لهيبها من الأفكار و الآراء ليأتي على الأواصر و العلاقات الإنسانية.
 من الأمور التي تبعث على الأسف وجود حسابات محلية تقوم ببث الكراهية، يحوز الكثير منها على أعداد خيالية من المتابعين من مختلف المستويات الثقافية. و من المؤسف أكثر أن تجد و أنت تتصفح متابعيها العديد من الشخصيات المعروفة و التي كنت تتوسم فيها العقلانية و الإحترام والإعتدال، فتصدم أكثر حين تجد هذه الشخصيات تتواصل مع هذه الحسابات و بلهجة ودية و ربما أخذت تثني على تلك الجهود أو تشد على أيدي هؤلاء الجهلة الذين يقسمون المجتمع و يزرعون في جوانبه وأوساطه البغضاء.
 مما كان يتمناه المرء أن تسهم هذه الشبكات و حضور المسئولين فيها في التواصل مع المواطنين و فتح كوة من التفاهم و بث هموم المواطن بحيث تسهم مشكلة مواطن واحد تصل إلى مسئول في فتح ملف جميع الحالات المشابهة، في أن يكون الإعلام الجديد وسيلة لخلق باب مفتوح يوجه الجهود إلى حل المشكلات المعلقة، أن يوجد قفزة حضارية في مجال الشفافية بحضور المسئول و استعداده للتواصل المباشر مع الناس.
 هل سيأتي يوم تخرج فيه هذه الشبكات بأشخاص و أفكار و مواقف يحملون لنا الأمل بأننا مازلنا بخير، أم ستبقى مكبراً للصوت الذي لا يعلوه صوت و هو صوت المعركة؟

آخر الوحي:
وإنْ دَحَسوا بالشَّرِّ، فاعْفُ تَكَرُّماً
وإنْ غَيَّبوا عنْكَ الحَديثَ ، فلا تَسَلْ
فإنّ الذي يُؤذيكَ مِنْهُ سَماعُهُ
وإنّ الذي قالوا وراءَكَ لَمْ يُقَلْ
 العلاء الحضرمي

الأربعاء، 3 أكتوبر 2012

ميكيافيلية الخير








الأربعاء 3 أكتوبر 2012

في أحد أفلامه المميزة و هو فيلم “أرض الخوف” قام أحمد زكي بدور تاجر مخدرات مصنوع من قبل الدولة، كانت مهمته تتلخص في الدخول داخل الوسط القذر و الإقتصاد المحرم ليقوم بإرسال تقارير دورية إلى الدولة للوصول إلى دراسة وافية حول كيفية قيام هذه الصناعة و قياس حجمها و طريقة تطورها في سبيل ضربها في العمق و القضاء عليها قضاء مبرماً. كانت مهمة على مستوى عالٍ من الأهمية بحيث أن الدولة أعدت له وثيقة براءة في حال وقع في قبضة الأمن واستحال عليه الفكاك من ذلك المأزق، و كانت هذه الوثيقة موقعة من جملة من الوزراء و المسئولين بحيث تكفل له براءته. و كان مصرحاً له أن يقوم بالمتاجرة في المخدرات بحيث يصير من كبار التجار و كان له حق الإنتفاع بمدخول هذه التجارة بل و حماية نفسه بكل طريقة بما في ذلك القتل و مقاومة رجال الشرطة لو اضطرته الظروف.
 و تمر الأيام بأحمد زكي حتى يقرر الإلتقاء بالشخص الذي يستلم تقاريره البريدية لأنه بقي لفترة لا يحس بأي تأثير أو تجاوب من الدولة مع المعلومات التي يرسلها. و يحدد موعداً مع الرجل، ليكتشف أن رسائله كانت تصل إلى طريق مسدود بسبب إلغاء العنوان الذي يرسل إليه فكانت تحفظ في البريد حتى تمر الفترة القانونية فيصير موظف البريد مخولاً بفتح الرسائل و الإطلاع عليها ليتمكن من إخبار المرسل بحالة العنوان المرسل إليه.
 و في مرارة بالغة يكتشف الرجل الذي انغمس في قذارة المخدرات من أجل هدف نبيل أن جهوده ضاعت، و أنه تحول إلى إمبراطور مخدرات آخر دون يتحقق الهدف المرجو للمهمة النبيلة، مهمة اضطر أن يتحول فيها إلى نفس المخلوق الذي كان يبغضه و يتمنى هلاكه، و أي مرارة أكثر من هذه.
 في حياة الإنسان و في ظروف استثنائية كما قد يعتقد، يقبل أن يدخل في أمر هو يبغضه و يمارس دوراً ربما هو آخر ما قد تقبله قناعاته، ليجد جهده هباء، و يجد نفسه هباء، فلا هو حاز الهدف المرجو ولا هو حافظ على نقاء نفسه الذي يتمناه، و هنا تكون المصيبة فلا هو عاد متصالحاً مع نفسه على طبيعتها ولا هو تمكن من أن يعود الفرد الذي كان، ولم يحقق الهدف الذي يثبت فيه لنفسه مشروعية ما قام به فيستعيد راحة باله.
 يحصل هذا غالباً عندما يحاول الإنسان محاربة الشر بالشر، أو مغالبة الباطل بالباطل، حين يتصدى للكذب بالكذب، حين يقرر أن يدخل لعبة قذرة لينهيها فينغمس فيها و لا يستطيع الخروج منها، كل ذلك لأنه آمن أن الغاية النبيلة  تبرر كل وسيلة للوصول إليها. و لكن يا ترى، هل هناك أحد يقوم بأفعال سيئة دون أن يقنع نفسه بحسنها بطريقة أو أخرى؟ أذكر أن أحد الكتاب المعروفين و هو ديل كارنيجي طرح مثالا في أحد كتبه لواحد من مشاهير السفاحين و كيف أنه بعد إلقاء القبض عليه كتب في مذكراته تساؤلاته عن سبب كره الناس له. يقول كراولي ذو المسدسين الذي قيل عنه أنه من النوع الذي يقتل لأهون سبب و لأتفه باعث. كتب هذا المجرم عن نفسه “إن تحت ثيابي قلباً مضنى و لكنه رقيق لا يطيب له أن يمس أحداً بأي سوء. و قائل هذه العبارة نفسه قد قتل شرطياً برصاصة واحدة و بدون أي كلام رداً على طلبه “هات رخصتك”.
 لهذا يلزم أن يراقب الإنسان نفسه حين يتبنى قضية ما، ولا يأخذه الحماس ليحيف على غيره لإعتقاده بأن هدفه نبيل، فالنوايا التي بداخلنا لا تعكسها إلا أفعالنا، و قد قيل قديما لا يطاع الله من حيث يعصى، و لا ميكيافيللية في الخير.
 آخر الوحي:
 ما تشاؤون فاصنعوا
 فرصة لا تضيع
فرصة أن تحكَموا
و تحطوا و ترفعوا
و تدلوا على الرقاب و تعطوا و تمنعوا
ما تشاؤون فاصنعوا
لكم الأرض أجمع
قد خلقتم لتحصدوا
 و عبيداً ليزرعوا

محمد مهدي الجواهري