الأحد، 19 مايو 2013

عودة أبي صابر 2






الأحد 19 مايو 2013


بينما أبوصابر يتكلم عن نذر الحرب التي يراها تلوح أمامه كان ممتعضاً ومتوتراً، وبدا ذلك واضحاً في ملامح وجهه. قلت له ولماذا تضيق ذرعاً أن تكون الحرب مذهبية طائفية، فالمذهب فكرة وصراع البشر دائماً يكون له قاعدة فكرية، فماذا يختلف إن كانت هذه القاعدة عقيدة أو نظرية فلسفية صاغها فيلسوف شرقي أو غربي، ما الفرق إن كان تعصبنا للشيوعية أو الرأسمالية كما في أيام المعسكرات والحرب الباردة أو كان تعصبا لعقائد؟.
نظر إلى قائمتيه الخلفيتين وكأنما يهم برفس أحد ما ثم قال: الفرق يا صديقي أن الصراع حين يكون مذهبيا، فإن للسفهاء الذين يقودونه القدرة على جعلك تصدق أن كل فعل خسيس تفعله له هدف نبيل، يستطيعون جعلك تتجرد من إنسانيتك حين ترى كل أغيارك مجردين من الحقوق الإنسانية، ترى نفسك وحدك إنسانا فيما الآخرون إما أنهم سباع أو.. تلكأ هنا أبوصابر فقلت له: لا تخجل منها وأكمل. تنحنح صديقنا ثم قال: إما سباع أو مطايا، تخشى صولة هذا وتستخدم ذاك ولا يحكم أفعالك شيء من الأخلاق وإنما تحكمها القدرة، ولعل ذلك من مصاديق مقولة “أن من كفّر مؤمنا فقد كفر”. إنك حين تقوم بالتكفير وتنزع حقوق الأخوة عن أخيك فإنك في الأغلب ستنزع عنه حتى الحقوق الإنسانية وستظهر له من نفسك ما لا تعرفه في نفسك.
قلت له: لعلنا رأينا بعض ما تقول في البلاد التي استعر فيها أوار هذه المعارك الطائفية. ابتسم قائلاً: إن ما رأيتموه على فظاعته من قطع للرؤوس وشوي للآدميين وتفجير الجموع سيتضاعف مع اشتعالها إقليميا وشحنها خارجياً، وبقدر ما ظننتم من شر الجمهوريين أصحاب الفيل الذين أطلقوا دبابير القاعدة في المنطقة، فستعلمون أن أصحاب الحمار لا يقلون خبثاً عنهم، بل ربما زادوا عنهم في إشعال الفتنة بين الأخ وأخيه بصورة سيكون فيها الغريب هو عراب الصلح دوماً بينهما وبائع السلاح خفية لكل منهما.
سألته: ومن أصحاب الحمار؟ نظر إلي باستغراب ثم قال: ومن يكونون غير الحزب الديمقراطي الأميركي الذي يستخدم شعار الحمار والذي يحمل اليوم أجندة التغيير ومعه أجندة التدمير، ولكنه لن يكتفي بتدمير الدول كما حصل مع العراق عبر الحروب لكن سيدمر البلدان داخلياً في مكوناتها وخارجياً مع جيرانها، ولعل أخبث طريقة لفعل ذلك هو عبر استخدام المحاور الطائفية.
قلت له: ولكن إشعال الطائفية هو حماقة استخدمناها نحن ولم يبتدعوها هم. نهق صاحبنا ضاحكاً: أنتم ساعدتموهم، ولكن خطتهم الأساسية كانت هكذا منذ أعلنت تدشينها عام 2006 وزيرة الخارجية كونداليزا رايس، لكن يبدو أن جل خطوات هذه الخطة تحصل في أيامنا هذه وما يليها. الخطة تبدأ من بلد الطوائف لبنان، وستشمل العراق الذي سيجري تقسيمه لاحقا ثم تليهما باقي دول المنطقة، بين دول تخسر من مساحاتها ودول تكتسب أراض جديدة أو تبرز إلى الوجود. ستحمل التقسيمات صبغة طائفية. صدقني إنكم أضعف من أن تبتدعوا شيئاً جديداً، واستخدام الطائفية لن يزيد عن دخول في قواعد اللعبة الجديدة، التي وضعت قواعدها الدول الثلاث صاحبة المشروع وهي إسرائيل والدولة التي منحتها وعد الوجود (بريطانيا) والدولة التي تمنحها الحماية الأكبر (الولايات المتحدة).
لا أخفيكم أن الأمر يحمل في ثناياه أموراً مخيفة خصوصاً مع اللامبالاة بمصائر أمم في سبيل تحقيق الشكل الجديد للشرق الأوسط ولكن يبدو أن الأيام القادمة حبلى بمخاض سيخرج لنا فعلياً بالمزيد من ملامح ما نراه يبرز تدريجيا وهو الشرق الأوسط الجديد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق