الأربعاء 16 أكتوبر 2013
على غرار الكتاب الشهير الذي شغل الدنيا والناس، الكتاب الذي حاول إيصال فكرته عن طريق هذا التشبيه، “الرجال من المريخ والنساء من الزهرة”، حاول هذا الكتاب أن يوصل للقراء وتمكن من ذلك بشكل كبير، من أن الرجال والنساء يفكرون بطريقة مختلفة ويعبرون عن أنفسهم بطريقة مختلفة، ويتواصلون في علاقاتهم الإنسانية بطريقة مختلفة. على غرار هذا العنوان، خرج على عالمنا الإسلامي بصورة أكبر في دولنا العربية من يحاول إقناع الناس بأن الطوائف الإسلامية أتت من كواكب مختلفة، وربما ذهب إلى أبعد من الإقناع.
ورغم أنني لا أشك بتاتا أن الاتجاهات المتشددة والمتعصبة والداعية إلى القتال والفرقة بين طوائف المسلمين ومذاهبهم هي بالفعل قد أتتنا إن لم يكن من خارج هذا الكوكب “خارج الإنسانية” فهي على الأقل قد جاءتنا من خارج الإسلام ومبادئه والتراث الأصيل من العيش المشترك. لا شك أن هذه الفرق الدموية قد جاءتنا كنتاج للتأثر بأفكار وقوى غير متصفة بالتدين بل لا أقول التأثر وإنما الارتباط الاستراتيجي في نشأتها واستمراريتها.
هذه الاتجاهات الباغية على الناس عموما وليس على المسلمين أو بعضهم خصوصا، قد حملت معها ثقافة تكفير الآخر أي آخر وتفجير الآخر أيا كان وقتل من يعتبر خصما، سواء كان نداً أو شيخا كبيرا أو طفلا أو امرأة. وهذه الاتجاهات لا يصح عليها لفظ طوائف، بل هي كمجموعات مسلحة يصح عليها لفظ عصابات إجرامية تعيث في الأرض فسادا، لا أقل ولا أكثر.
ولا أعتقد أن أحدا يشتبه عليه أمر أمثال هؤلاء سواء حملوا شعارات ظاهرها الإسلام، أو كانت مجموعات تدعي الدفاع عن المسيحية، أو مجموعات عنصرية ضد أعراق معينة. كل هذه المجموعات التي تتحرك تحت هذه العناوين هي عصابات إجرامية تعمل لأهداف معينة وبارتباطات دولية لتحقيق أهداف معينة عبر ذرائع لا يمكن للجيوش النظامية حملها.
الأمر مفهوم تماما في هذه الصورة، أما غير المفهوم أن يخرج علينا الفكر والإعلام المضلل والسياسة الذي يحاول بعد قرون من نشأة المذاهب الإسلامية وتعايشها الطبيعي أن يخبر طائفة من المسلمين أن طائفة أخرى قد أتت من كوكب آخر، وكأنهم ليسو أناسا من لحم ودم، يأكلون ويشربون ويعيشون ويعمرون. يتكلم الإعلام عن طائفة ما باعتبارها حاضنا للخيانة والعمالة، وبكل صدق إن ما أنقله عن كلام الإعلام المضلل الكاذب لا ينطبق على طائفة دون أخرى، فلكل قوم من يلمزهم ويتهمهم ويتجنى عليهم.
وبكل بساطة فإن الإنسان إذا قبل أن يكون الآخر كل الآخر من المريخ، فبالتأكيد لن يكون هو من الأرض، إذا أنت تعاملت مع الآخر باعتباره مستذئبا تستحل حرمه، فلن يعتبرك إلا مصاص دماء خطر بقاؤه. وبالنتيجة فإن الاثنين يكونان غير أرضيين، لا يجمعهم حتى رحم الانتماء لطين الأرض. وبالتأكيد فإن هذا الكلام وهذه النتيجة هو ما يراد له أن يكون سائغا ومقبولا ليتمسك كل طرف بهويته المريخية والزهرية بعيدا عن النسب الأرضي.
الأمر لا يقتصر على وظيفة واحدة كخطيب، بل يتجاوزه إلى كاتب وإعلامي ونائب واذكر ما شئت من صنوف الوظائف والأدوار ممن حملوا شعار التفرقة الطائفية عن علم أو جهل، مسببين بذلك أن يستنفر العامة ويستقطب العامة ويحصل الهرج والمرج ومقدمات من التوتر كادت أن تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه.
اليوم أعتقد أن الجميع يعي خطورة الخطاب الداعي إلى التمييز أو التصارع بين فئات المجتمع تحت عناوين طائفية وعنصرية، ولكن قيل قديما إن ألفا ممن يعمر لا يمكنهم الإنجاز لو وجد واحد ممن يهدم يفسد عملهم.
آخر الوحي:
ذرني وأشجاني وجسمي والضنى
ويدي وأقلامي وطرفي والسهر
أأبيت ألهو والهموم تحيط بي
وأنام عن قومي وقومي في خطر
صوت المصفق موعد مابيننا
ماذا أقول لهم إذا الديك استحر؟
إيليا أبوماضي