الجمعة 4 أكتوبر 2013
قامت الدنيا ولم تقعد خلال الأيام القليلة الماضية بسبب الأنباء عن اتصال هاتفي بين الرئيس الأميركي أوباما ونظيره اللدود روحاني، وتأتي أهمية هذا الاتصال كونه الأول بين رئيسين أميركي وإيراني منذ عام 1979 حين اندلعت الثورة الإيرانية آنذاك. فالعلاقات لا تحمل شيئا من الودية لدرجة انه لا يوجد اي تمثيل دبلوماسي مباشر بين البلدين، بل يقوم كل بلد منهما بالاستعانة بدبلوماسية دول صديقة كباكستان وسويسرا في متابعة مصالح رعاياه في بلاد الآخر.
البلدان اللذان يقعان على طرفي نقيض تفرقهما العديد من القضايا، من بينها طبيعة العلاقة مع اسرائيل، وطبيعة العلاقة مع دول الجوار العربية، والملف النووي، بالإضافة إلى الخلافات السابقة لذلك التي تتسم بعدائية مباشرة بين البلدين.
دأبت إيران في السنوات الماضية على التمسك بموقفها في القضية المحورية في هذا الخلاف وهو حقها في تطوير الطاقة النووية للأغراض السلمية، فيما ترفع الولايات المتحدة والدول الأخرى راية الهجوم على مسلك إيران واتهامها بالسعي للحصول على السلاح النووي. وبالطبع هناك قضايا وملفات خلافية كثيرة، إلا أن أهمها هي قضية الملف النووي الإيراني.
يبقى أن خبر هذه المكالمة قد أثر بشكل كبير على مجريات الأخبار بحيث صار العالم ككل يتحدث عن التقارب الأميركي الإيراني وما يمكن أن ينتج عنه. لدرجة أن أحد المقالات في الخليج كان تحت عنوان “المكالمة التي هزت الشرق الأوسط”، فيما تندرت مقالات أخرى ومستخدمون لوسائل التواصل الاجتماعي بالكلمة الوداعية التي قالها أوباما “خودا حافز”.
المقالات تنبأت بحلول مفاجأة لقضايا الخلاف بين إيران وأميركا، وهو أمر لا أراه منطقيا، فالأمر وإن كان ينبئ بانخفاض في حدة التهديدات المتبادلة، وإعطاء مجال أكبر للدبلوماسية لتعمل. إلا أنه في ظل وجود القضايا الخلافية المعلنة والمخفية ذاتها التي تمثل ثوابت للطرفين، فهي لن تتجاوز في نظري مسألة إطالة لأمد الخلاف دون حله بتاتا.
فهل من الممكن أن تتنازل إيران عن تطوير تقنيتها النووية وتوقف عمليات التخصيب؟ وإن لم تفعل، فما الذي يمكنه أن يزيل ما تذكره دول الغرب تحديدا من مخاوف تجاه هذا الملف وإمكانية كونه غطاء لمشروع سلاح نووي آخر في طريقه للمنطقة والعالم؟.
في اعتقادي، إن هذه المكالمة إن لم تتبعها خطوات عملية على الأرض لحلحلة هذا الخلاف، فلن يتجاوز الأمر كونه محاولة للدفع بالمزيد من صفقات التعاون العسكري بين الغرب والدول العربية في المنطقة. أو بمعنى آخر، سيتشابه في تهويله مع تهويل مرض “انفلونزا الخنازير” الذي أسفر عن بيع تحصينات دوائية لكل دول العالم لمرض كان عدوى محدودة ثم انتهت في حينها.
يبقى أن الشرق يحتاج إلى تجاوز خلافاته المستعصية وإيجاد حلول إقليمية لها، ليتمكن من التخلص من هذه التوترات والوضع المتذبذب في علاقاته. أما حين تعتمد العلاقات فيه على علاقات الغرب مع دوله المنفردة، فمعنى ذلك بقاء التوترات التي يمكن أن تفرز لنا حروبا مشابهة للحرب العراقية الإيرانية وغزو الكويت التي دمرت الكثير من مقدرات المنطقة. وسيكون الحل في ذلك هو بالطبع عبر الحوار المباشر بين دول الشرق نفسها، وتكون مكالمة روحاني مع الدول العربية، ثم يختم هو المكالمة معهم مباشرة بنفس الطريقة التي نقل الإعلام لنا حدوثها من أوباما “حفظكم الله”.
آخر الوحي:
ما كان شعري لعبةً عبثيةً
أو نزهةً قمريةً
إني أقول الشعر.. سيدتي
لأعرف من أنا..
نزار قباني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق