الأحد، 10 نوفمبر 2013

علمنا الحسين







الأحد 10 نوفمبر 2013

في هذه الأيام والبلاد الإسلامية تعيش ذكرى عاشوراء، تحتفي الشعوب بهذه الذكرى من خلال مظاهر متنوعة، من ضمنها مظهر تعليق اللافتات التي تتضمن أقوالا للإمام الحسين وأخرى حوله وثالثة من وحي المناسبة. ومن العبارات التي صارت تحظى باهتمام خاص عبارات لمشاهير من التاريخ ومفكري الشعوب يبينون من خلالها مدى تأثرهم بالحسين وما تعمق في نفوسهم من القيم من خلال قراءتهم لشخصيته والأحداث التي دارت حوله.
وربما لا يكون من أقل تلك الأقوال شهرة ما ينسب للمهاتما غاندي قوله “تعلمت من الحسين أن أكون مظلوما فأنتصر”، هذه العبارة وإن كانت تبين تأثر الرجل بشخصية الإمام الحسين إلا أنها تضيف له في نفوسنا من الاحترام أكثر مما تعمق في نفوسنا من القيم السمحاء. وفي رأيي أن الحسين وإن كانت مظلوميته ظاهرة بشكل مفجع، إلا أنه لا يختلف في هذه القيمة عن جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أو والده أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في مجانبة الظلم. فالمرء إذا لم يكن ظالما فالأقرب أن يكون مظلوما. وربما صح لنا بدلا من أن نكتفي باستعارة ما تعلمه الأباعد من شخصية عظيمة كشخصية سيد شباب أهل الجنة، بأن نذكر ما تعلمناه نحن من الإمام الحسين عليه السلام من قيم رائعة ربما لا يلتفت لها من اختلف عنه في العقيدة وهي الأهم بالنسبة لنا. فمن أول الدروس التي نتعلمها منه حرصه على حفظ المقدسات من جعلها عرضة للاستصغار والانتهاك والتعدي. وذلك في موقفه عند خروجه من مكة حين علم بأن دمه قد أهدر وأن الأوامر قد صدرت بقتله ولو متعلقا بأستار الكعبة. ومن ذاك قوله لجماعة فيهم عبدالله بن الزبير “والله لئن أقتل خارجا منها بشبر أحب إلي من أن أقتل فيها. ولئن أقتل خارجا منها بشبرين أحب إلي من أن أقتل خارجا منها بشبر”. فهنا كان حرصه على ألا تستباح حرمة مكة والكعبة بمقتله الشريف الذي يعلم أنه واقع لا محالة. على أن قتله في حد ذاته بغض النظر عن المكان كان تعديا على مقدسات المسلمين، تبعه الكثير من الهوان على الأمة أجمعها، وهذا ما أشار إليه أحد من كلمه على الخروج إذ يقول له “بأبي وأمي أمسك علينا نفسك. فوالله لئن قتلوك ليتخذنا هؤلاء القوم عبيدا” وقال له “ووالله لئن قتلت لا بقيت بعدك حرمة إلا استحلت”. ولعل هذه النظرة البعيدة التي لم تخفَ على الحسين كانت في محلها، ففيما يذكر التاريخ حول سنوات يزيد الثلاث في كرسي الحكم أنه قام من بعد قتل السبط برمي الكعبة بالمنجنيق واستباحة المدينة المنورة. فمن هنا نتعلم درسا مهما وهو الحفاظ على المقدسات وتجنيبها الوقوع في أتون مشتعل من الحروب، سواء كانت أماكن مقدسة أو شعائر محترمة أو شخصيات عظيمة فتنتقص قيمتها ومكانتها.
ولعل درسا ثانيا نتعلمه من شخصية الإمام الحسين، وهو أن تنبع تصرفاتنا من سجايانا وأخلاقنا ولا نخضعها في ذلك لطبيعة من نتعامل معه، فلا نسمح للآخر أن يأخذنا إلى مستنقعها الذي تختفي فيه القيم والأخلاق. فها هو في طريقه إلى كربلاء وقد أمر أصحابه بأن يستسقوا؛ لأنهم مقبلين على طريق طويل لا ماء فيه، إلا أنه يسقي الجيش الذي قدم لمحاربته من الماء الذي يدخره لطريقه. بل إنه لم يكتف بسقي الخيالة والرجالة حتى سقى خيولهم حتى ارتوت. يفعل هذا رغم أنه يعلم بما يجري عليه من القوم وحرمانه من الماء فيما بعد.
وفي درس ثالث له، ينهى أحد أصحابه عن رمي عدوه بالسهام قائلا له إنه يكره أن يبدأ هو القوم بالقتال. هذه بعض الدروس القليلة والتي هي غيض من فيض من دروس الحسين الشهيد، ولكننا بدلا من أن نتعمق في تراثنا وفهمه فهما جيدا نوغل في البحث عن أثره في نفوس الآخرين الذين يأخذون من تراثنا بقدر ما يفيدهم وحسب.
آخر الوحي:
دارت عليه الدائرات ولم يكن    فردا ولا كان الحسين بأعزلِ
كانت حشاشة جده في صدره     ومن اقتدار أبيه كان بجحفلِ
لكنه القدر العظيم أرادها         عصماء لم تتأم ولـــم تتمهــلِ
عبد الرزاق عبدالواحد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق