الأحد، 19 يناير 2014

قصة قصيرة










الأحد 19 يناير 2014





مرضَتْ منذ ثلاث سنوات تقريبا وربما أكثر، وهي شابة في ريعان الصبا، صغيرة السن والجسم، وأخذت تنتابها موجات ونوبات من الاهتزاز والتشنج، تفقد الوعي حينا وتصحو أخرى. أهلها لا حول ولا قوة لهم، ويحاولون علاجها بكل طريقة، إلا أن تشخيصهم لها كان دوما أنها ممسوسة بمس من الجن. جربوا لها كل أنواع الطب المتداول شعبيا والرقية، وأحيانا حتى حلقات الذكر، إلا أنها على حالها. ربما هدأ أوار المرض وخفت النوبات، لا لأنها عوفيت من مرضها؛ بل لأن بنيتها ضعفت كثيرا ولم تعد تتحمل الكثير من هذه الأعراض العنيفة عليها.
كان أهلها يدخلون شيخا للبيت عند خروج آخر في محاولات حثيثة؛ لكشف المس أو السحر الذي أصابها، وبعيدا عن الحقيقة، فربما كان هذا السحر مأكولا أو مشروبا أو منثورا أو مدفونا، في جبل أو في واد أو في بحر أو في قبر. لم يتوقفوا لبرهة كافية من الزمان ليتفكروا ويتشاوروا ويتحاوروا في علاج للمرض الذي أصابها، والذي ربما لا يكون سحرا أو مسا أو عين حاسد أصابتها.
لم يتبادر إلى ذهن أحدهم ربما، وربما لم يكترث بأن طريقة العلاج هذه فوق كونها تضعف بنيتها أكثر وأكثر، وفوق كونها تطيل أمد معاناتها، وربما تفوت فرصة تشخيص المرض حتى تصل الأمور إلى ما لا تحمد عقباه، أنها تسيء الكثير إلى سمعتها وفرصها في مستقبلها، فتصير خاتمة الأمر أن لا عافية ولا ستر.
أحد الأطباء الشعبيين يقول إنه - الذي مسها - أرضي، والآخر يقول إنه سماوي، وثالث يقول لا أرضي ولا سماوي بل هو صرعة ترتبط بدورات القمر، فلابد من صرعتها في كل استدارة للقمر. وربما كان هذا الأخير هو الأقرب إلى وصف الحالة والأبعد عن تشخيصها وعلاجها، فوصف الأعراض شيء وتحديد العلاج أمر مختلف.
العلاج كما وصفه أحد الأطباء كان يستدعي تبرع أهل الخير، ولكن المال ليس العلاج وإن كان أحد الجسور الموصلة إذا عرفنا الطريق، فالسير على غير هدى أو جادة لا تزيد سرعته المسافر إلا بعدا ولا توصله قصدا.
هذه هي قصة الشابة المسكينة، وهذه هي حالها التي لم تتغير، يئس أهلها، ونفدت مواردهم المالية في سعيهم، وربما كان اليأس أحيانا أول خطوة على طريق العلاج، ربما هو ما يعطي الفرصة للتفكير والوصول في الطريقة المثلى للعلاج، وربما عندما تهدأ الحماسة وتخفت العاطفة يفكر أهلها في التعامل مع الموضوع كمرض يمكن علاجه وليس كلعنة يريدون زوالها. ألم ينفق الأميركان الملايين لصنع قلم يكتب في الفضاء، بينما اختصر الروس المسافة باستخدام قلم الرصاص.
ورغم أنه لا يمكننا أن ننكر الطب المكمل أو البديل، ولا ننكر الأمور ما وراء المادية، إلا أننا لا يجب أن نتنكر أيضا لحق الطب الحديث في أن يتم تجربته لعلاج مثل هذه الحالات، خصوصا أن الأمور تجري بأسبابها وأن معظم النار من مستصغر الشرر.
أفضل نصيحة لأهل هذه المسكينة أن يجربوا الطرق الأخرى ويستفيدوا من تجارب الآخرين الناجحة للعلاج، وإذا تمكنوا من الوصول لعلاج ناجع لهذه الوعكة فينبغي لهم دوما أن يبصروا أن درهم الوقاية خير من قناطير العلاج، وأن يتجنبوا الدخول في المتاهات والتعقيدات، فإن لكل مرض يطول تبعات قد تزول أو تبقى بعد زواله.

آخر الوحي:
لما سألت عن الحقيقة قيل لي الحق ما اتفق السواد عليه
فعجبت كيف ذبحت ثوري في الضحى والهند ساجدة هناك لديه
إيليا أبوماضي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق