الأحد 21 يوليو 2013
في زماننا هذا صارت الكتابة سواء في وسائل التواصل أو على مواقع الإنترنت ملجأ لكل من يريد أن يلقي قولاً على الملأ من وراء الستار ويثير ما يشاء من جدل بلا مسؤولية ولا حسيب ولا رقيب، يستخدم من صنوف السباب وأنواع الشتيمة ما لا يتصوره عقل، ولا يتحمله حياء أي وجه، وكل ذلك بفضل القناع الذي يرتديه، ولا شك أنه لا يملك الشجاعة ولا أقول الجرأة ليقول شطر ذلك بوجه مكشوف. وذلك لسبب بسيط، هو ان علم أن الفتنة شر مقيم، إلا أنه يخشى من ألسنة هذه النار أن تصيبه أيضا حين يكشف اسمه. هذا ما يسمى بالكلمة غير المسؤولة.
الفتنة أشد من القتل، لماذا؟ لعل ذلك أن الفتنة ستبيح الدماء وأكثر من الدماء. ستجعل الناس يقتلون بعضهم البعض، فيما القاتل الحقيقي بعيد عن المشهد، وفيما أفكار الناس ومفاهيمهم وأخلاقهم قد اختلت بفضل الفتنة التي أثيرت وأحرقت الأخضر واليابس.
وفي بعض الأحيان فإن الفتنة التي تثار، لا تثار باسم مستعار، بل باسم حقيقي. ويخرج صحافي متحملا تبعة كلامه، لا يفترض حتى بصحيفة أن تتحمل تبعاته، ذلك أنه يتناقض وأبجديات الذوق والأخلاق والإنسانية، فضلا عن أن يصدر من منبر للكلمة المسؤولة، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه للكلمة المسؤولة. وفي وقت نجد الدعوة إلى نبذ الطائفية، والحذر من منزلقاتها تتصدر الصحف على رأس تعليمات وتوجيهات القيادة في مانشيتات الصفحة الأولى، بينما تزخر أعمدة الصحيفة بين طياتها باللمز والشتم والسباب، فيا ترى أين محررو الصحف؟ بل أين الجهة الرقابية التي تتابعهم؟ بل أين ذوق القارئ من هذه الخطايا وهل بقي منه شيء؟.
هنا تكمن أزمة بلادنا العربية والإسلامية، بالبون الشاسع بين التعليمات والتوجيهات في المستويات العليا، وبين ترجمة الجهات الوسطى والدنيا لها إلى واقع عملي. هذا البون يشبه ذلك الذي كان في قصة سلطان ولاية “خندريس” وسبيل الماء. فالسلطان الذي كان في زيارة ميدانية لأرض الصيادين حين أصابه العطش، علم بالجهد الجهيد الذي ينال مرتادي الساحل للحصول على الماء، فأمر المسؤولين من فوره بتخصيص سبيل للماء. وبينما كانت كلماته البسيطة تشير إلى مشروع متواضع الكلفة يؤدي غرض سقاية الصيادين، صنع المسؤولون من الموضوع مشروعاً خرافي الحجم والتكلفة وصل تقديرهم لكلفته إلى ما يربو على المئة وعشرين مليون درهم، ثم وصل بفضل خططهم الجبارة لاستحلاب المشروع إلى كارثة أفلست ولاية خندريس، والسبب مشروع بتخصيص كوز ماء يملأ كل يوم ليسقي الصيادين.
وهذا هو الحاصل في بلاد العرب وبكل اسف، المشروعات والتوجيهات المهمة التي تغير الأوضاع جذريا، يتم التعامل معها بوضع علامة N/A أي غير قابل للتنفيذ، لا علاقة لنا به. فيما يسهب ذات المسؤولين في تنفيذ الإجراءات القديمة، التي لا تواكب المتغيرات بل ربما كانت سببا في كثير من المشكلات.
وعودا على بدء، فبربكم حين تكون توجيهات القيادة تتكلم عن نبذ خطاب طائفي وعن تحذير من منزلقاته وبالتأكيد على الوحدة الوطنية والخطاب الجامع، أليست الصحافة معنية بذلك بالدرجة الأولى؟.
حفظ الله البحرين، وأدام عليها الأمن والأمان والاستقرار والاطمئنان وأبعد عنها الشرور والعدوان.
آخر الوحي:
فقل للساخطين على الليالي
ومن سكنوا على يأس وناموا
سينحسر الضباب عن الروابي
ويبدو الورد فيها والخزام
ويصفو جونا بعد انكدار
ويسقي أرضنا المطر الرهام
إيليا أبوماضي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق