الأحد 14 يوليو 2013
لا أدري لماذا طرأ في ذهني أن تكون المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار قد حصلت في شهر رمضان، ربما لأنه الشهر الذي تسمو فيه جميع النفوس وترنو إلى رضا الرحمن وثوابه، ويحدث ذلك عبر تحسس معاناة الآخرين، فيحس الغني بلسعة الجوع التي يحس بها الفقير، ويحيي ذلك الشعور فيه الطمع في مساعدة أخيه ومد يد العون بعدما شاطره ذلك الشعور الذي تفرضه الحاجة.
وبالفعل حين أخذت أقرأ حول هذه الحادثة والمنقبة العظيمة وجدتها بالفعل يؤرخ لها الرواة بشهر رمضان المبارك، وهو الشهر الذي يقدسه المسلمون وترتبط به حوادث عظيمة ومهمة تضيف إلى أهميته النابعة من فرض الصيام. فهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن، وهو شهر ليلة القدر، وهو أيضا شهر الرحمة والمغفرة. حصلت فيه غزوة بدر، وفتح مكة، ووفاة أبي طالب في عام الحزن، وولادة الحسن السبط.
وحين نقول إن هذا الشهر هو الشهر الذي أراد الله له أن يكون شهر المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وهم أصحاب الأصول المختلفة والقبائل المتباعدة، فلا يكون عجيبا أن نأمل في هذا الشهر أن يجمع شمل الأخ وأخيه والذين قد قسمتهم أحداث الزمان ومشاكل السياسة، فندعو إلى تصافي القلوب وتقارب النفوس وغسلها من الفتن والخلافات والمشاكل، ليكون شهر المؤاخاة لنا كما كان لمن سبقونا بالإيمان.
في هذا الشهر الكريم تفتح مجالس الذكر الحكيم، ويتزاور الناس بين بعضهم البعض، ويفتح المجال لتجاوز كل ما لا تتمكن من حله نفوس مشحونة بالكراهية، وقلوب مليئة بالشحناء والعصبية، وصدور لا تخجل أن تحمل أحقادا جاهلية.
شهر يكون أفضل أعماله الورع عن محارم الله، لا يمكن أن يكون محلا لتأجيج النفوس وقطيعة الأرحام والخلافات المستمرة بلا طائل.
نعم، الجميع يتأمل الخير من هذا الشهر الكريم؛ ليكون معبرا لحلول تحفظ الأخوة بين المسلمين وتعززها، ويتحقق الاستقرار والرخاء في كل بلاد الإسلام، ليس بهدف المصالح الفردية والفئوية والحزبية، وإنما لأن أهل الإسلام لا يستحقون ما يحصل لهم من ذبح وتشريد ومطاردة، من بني جلدتهم، فتحصل بذلك المؤاخاة التي تذكرنا بوقوف المسلمين وانصهارهم في نسيجهم الاجتماعي الجديد، حين وضع كل رجل من الأنصار ماله وما يملك تحت تصرف أخيه الذي جمعه وإياه الإسلام.
يا ترى هل كبرت نفوسنا عما لم تتكبر عليه أنفس أوائل العصور القديمة، هل عجزنا أن ننبذ الطائفية والفرقة وراء ظهورنا؟ أقول إن هذه الروح غائبة اليوم عنا، رغم أننا معنيون بأمر التآخي كما كان أسلافنا معنيين به في حينها. ذلك أن تجار الفرقة والتمزق، لا يمكن أن يقر لهم قرار وهم يرون آية “واعتصموا بحبل الله جميعا”، ولا يمكن أن يهدأوا حين يجدوننا نتحسس آلام بعضنا البعض ومعاناتنا، بل سيجتهدون لدق أسفين العداوة حتى لو لم يكن موجودا؛ لأنهم لا يستطيعون أن يجمعوا إلا على أساس العداوة، والعداوة فقط.
أحب أن أبشر الطائفيين والمصابين بفوبيا الآخر جميعا، أن شهر رمضان الذي هو شهر الإحسان، يتسابق فيه جميع المؤمنين على اختلاف مللهم للمساعدة في مد يد العون للآخرين. ويمكنكم سؤال كل من لديه أي إلمام بالمجال الخيري ليعرفوا أن المساعدات الخيرية وأعمال البر في بلادنا لا تعرف مكانا للطائفية؛ لأن الزبد يذهب جفاء، والله من وراء القصد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق