الأحد 29 سبتمبر 2013
في متابعتك لصحافة اليوم، لم يعد مجديا أن يتصفح المرء مانشيتات الصحف وعناوينها؛ لأن ما يخفيه الإعلام أكثر مما يبديه، وسيان قراءة صحيفة وأخرى، فالأخبار المتشابهة إن لم تكن المتطابقة لم تعد تغني من الحقيقة شيئا، ولا تنقل من الصورة وحيا، بل إن ما تتجاهله الصحف أكثر مما تبديه.
المضحك المبكي أنك حين تتجاوز الصفحات الأولى عن الأخبار وتنتقل إلى أعمدة الرأي، ترى لا أزمات وحسب، بل معارك طاحنة لا تنتهي، وتستغرب بعد هذا كله أنك لا ترى من هذه الأزمات شيئا في العناوين التي تجاوزتها لقلة محتواها، وكل هذا من باب أن العمود أو المقال بين قوسين (يمثل رأي الكاتب ولا يمثل رأي الصحيفة).
أين العمود من الخبر، وأين الخبر مما يحتويه العمود؟ أحدهما يريك الصورة وردية، والآخر يريك إياها سوداء معتمة، والاثنان في الصحيفة نفسها، بل إن العمود إذا قورن بباقي الأعمدة يحمل التوجه والنسق نفسه وربما الموضوع، وقد يصل إلى تشابه العبارات.
ولأن الدخول في تفاصيل السياسة لم يعد محبذا لتقلبها، وتلونها، يمكننا أخذ مثال على موضوع الصورة المعكوسة من جانب مختلف عن السياسة، ويمكن الكلام عن موضوع مختلف، وهو موضوع التسامح الديني الذي ما برحت الصحف تتكلم عنه في الفترة الأخيرة في أخبارها عن فعاليات، وتصريحات وكأنها بالفعل وبكل إخلاص تريد بث روح التسامح، إلا أنه في الوقت نفسه نجد الصحف ذاتها تزخر بكتاب يطعنون التسامح في القلب. لا أقول يطعنون الوحدة، وإنما التسامح الديني.
حين تجد كاتبا في صحيفة، يفصل بين كل عبارة والأخرى في مقالاته بكلمة (قبوريون)، (شركيون)، (مجوس). ولا يوفر من الشتم والسباب والتكفير أحدا من الأوائل أو المعاصرين، ثم يحاول أن يلتحف في مقاله بما يظنه ذريعة تسمح له في آخر المطاف بأن يتبرأ مما كتب من سباب.
ومثل هذا الكاتب لا يكتب هذره وسبابه – الذي نعجب من سكوت الجهات المعنية عنها- في مقال واحد، بل إن نسقه وأسلوبه هو السب والشتم والتكفير، وكأننا لا نفتح صفحة الأعمدة بعد قراءتنا لصفحات تسبقها تتكلم عن الوحدة و التسامح، إلى آخر هذا الكلام الجميل الذي لا يجب أن تناقضه الأفعال.
نعم هذا هو حالنا، صورة معكوسة، مانشيتات وعناوين وردية، وتوجيهات كريمة خيرة سامية، ثم يفتح المجال في صفحة الرأي لكل من يريد أن يحدث، ويثير الفتن والأحقاد، ربما ليس عن دراية، ولكن عن سفه رأي، وأي مصيبة أكبر من تصدر السفهاء.
آخر الوحي:
بني هلال ألا فانهوا سفيهكم***إن السفيه إذا لم ينه مأمور
الأحوص
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق