الأربعاء 19 يناير 2011
أن تكون قيادة سياسية فهذا دور يتطلب الاستفادة من كل قدراتك الشخصية سواء على المستوى النفسي أو العقلي أو الأخلاقي أو العلمي أو الخطابي، إلى غير ذلك من القدرات التي يحتاج إليها القائد للعب مع خصومه أو السيطرة على أنصاره. هذا الكلام قد يرجعنا استدراكاً لمقال “التحكم بالعقل” الذي تكلمنا فيه حول تكنيكات السيطرة على الآخرين ولا ضير في ذلك إن كانت هذه النتيجة معقولة.
لمن عاش فترة التسعينات من الإخوة والآباء، سيتذكر أن الحركة التسعينية استهدفت فيما استهدفت مقاطعة أحد المشروبات الغازية كشعار أساسي لتلك الفترة. وظل الحال على ذلك حتى صدور شريط كاسيت بعد أكثر من سنة من المقاطعة يتضمن أسئلة موجهة لأحد أقطاب المعارضة، ومن ضمنه سؤال عن مقاطعة هذا المشروب، فكان الجواب أننا لم نَدْعُ أبداً لمقاطعة التجار الشرفاء!!!
بعد هذه المدة الطويلة، بعد هذا الردح من الزمن، يتوقف طفل التسعينات ليتساءل: ماذا كان السبب وراء الدعوة المقاطعة؟ هل كانت الحركة الموصوفة بالحركة المطلبية موجهة لمقارعة تجار المواد الغذائية مثلاً؟ آنذاك تم حشد أمزجة عشرات الآلاف للوقوف ضد المشروب.
هل كانت القيادة تقود حركة مضادة للعولمة مثلاً؟ سيكون هذا مستغرباً، فالحركة كانت بحسب المشهور داعية للديموقراطية، مما قد يعني الدعوة للعولمة أيضاً بالمقام الأول!!
لعل الحركة كانت مضادة للمنتجات الأميركية، ربما باعتبار الحلف الموجود مع قيادات لتيارات هواها يغلب عليه حب المعسكر الشرقي.
إذا لم يكن كذلك، وهو ليس كذلك، يبقى هناك تحليلان ربما كانا قاسيين بعض الشيء، إلا أن لهما نسبة من المعقولية.
أول التحليلين، أن الدعوة للمقاطعة كانت من باب التوضيح للسلطة مقدار تكاتف الناس ووقوفهم القوي مع المعارضة ومدى سيطرة المعارضة على الشارع.
التحليل الآخر -وربما كان الأقوى والأقرب- هو استخدام هذه الدعوة لصنع نوع من الرابط اليومي بين القاعدة الجماهيرية وتعليمات القيادة عبر نوع من الالتزام الذي يمتثل له الفرد ويلتزم بمعطياته. الجانب الذكي في اختيار المشروب تمثل في عدة نقاط. فمنها أن تناوله هو عادة تجمع الكبار والصغار من جميع الأطياف. ومن ذلك أن العادات الغذائية المنتشرة في بلادنا تجعل تناوله طقساً يوميّاً أو شبه يومي. وكذلك أنه يوجد له عدد من البدائل مما سيسهل عملية الالتزام بالمقاطعة ويقلل تذمر الجمهور من الالتزام الجديد.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تُتَّبع، وأحكام تُبتدع، يُخالف فيها كتاب الله، ويتولى عليها رجالٌ رجالاً، على غير دين الله...
ولا أعتقد أن الاستشهاد بالحديث فيه مغالاة كما قد يظن بعض الخيرين من الناس، فإن الحاصل في ذلك الوقت من مقاطعة المشروبات كان يمثل حكماً مبتدعاً، والدليل على ذلك أنه إبان المقاطعة كان أصحاب البرادات يضطرون إما لبيع المشروب الغازي سرّاً أو عدم بيعه بتاتاً خوفاً من أمرين، أحد هذين الأمرين حصول مقاطعة للدكان نفسه بسبب عدم التزامه، أو تعرضه للإتلاف بتصرفات غير مسؤولة من أشخاص مجهولين قد يكونون أطفالاً كما يتردد أو أفراداً غوغائيين.
كان حكماً مبتدعاً بحيث ينظر الجميع شزراً للفرد الذي يجرؤ على التجاهر بشرب هذا المشروب، حتى حاول أحدهم إقناعي بلطف إبان الدراسة الثانوية قائلاً: “وإذا هو فيه نقطة خمر، ليش تغربل روحك وتشربه، ما تقدر تتركه يعني؟”.
بعد كل هذه السنوات، سألت أكثر من شخص عن سبب مقاطعتهم آنذاك، وكان بعضهم إبان المقاطعة دون العشرين وبعضهم فوق العشرين، لم أجد جواباً شافياً، وكأن لسان الحال يقول: “مكره أخاك لا بطل”.
هذا الحديث الذي هو حديث الذكريات، أحببت أن أتكلم فيه للإشارة إلى بعض أنواع العبث في مكونات الوعي السياسي والاجتماعي والثقافي عندنا في سنوات مضت. من ذلك شيوع حجر الرأي ودكتاتورية الحزب السياسي الذي ينكل بمخالفيه، ومن ذلك تأليه الرجال وجعل أوامرهم شرعاً وقرآناً منزلاً، ومنها استغفال الناس بين تحليل وتحريم في مثال بسيط لا نريد أن نتجاوزه الآن لأمثلة أخرى قد لا يكون المجتمع بعد متقبلاً للنقاش فيها.
وبالنسبة لهذا المقال بالذات، أحب أن أرحب بوجهات النظر على الإيميل كالعادة، لأنني أحب بالفعل أن نصل لتوثيقات تاريخية لتلك الفترة الحرجة.
لمن عاش فترة التسعينات من الإخوة والآباء، سيتذكر أن الحركة التسعينية استهدفت فيما استهدفت مقاطعة أحد المشروبات الغازية كشعار أساسي لتلك الفترة. وظل الحال على ذلك حتى صدور شريط كاسيت بعد أكثر من سنة من المقاطعة يتضمن أسئلة موجهة لأحد أقطاب المعارضة، ومن ضمنه سؤال عن مقاطعة هذا المشروب، فكان الجواب أننا لم نَدْعُ أبداً لمقاطعة التجار الشرفاء!!!
بعد هذه المدة الطويلة، بعد هذا الردح من الزمن، يتوقف طفل التسعينات ليتساءل: ماذا كان السبب وراء الدعوة المقاطعة؟ هل كانت الحركة الموصوفة بالحركة المطلبية موجهة لمقارعة تجار المواد الغذائية مثلاً؟ آنذاك تم حشد أمزجة عشرات الآلاف للوقوف ضد المشروب.
هل كانت القيادة تقود حركة مضادة للعولمة مثلاً؟ سيكون هذا مستغرباً، فالحركة كانت بحسب المشهور داعية للديموقراطية، مما قد يعني الدعوة للعولمة أيضاً بالمقام الأول!!
لعل الحركة كانت مضادة للمنتجات الأميركية، ربما باعتبار الحلف الموجود مع قيادات لتيارات هواها يغلب عليه حب المعسكر الشرقي.
إذا لم يكن كذلك، وهو ليس كذلك، يبقى هناك تحليلان ربما كانا قاسيين بعض الشيء، إلا أن لهما نسبة من المعقولية.
أول التحليلين، أن الدعوة للمقاطعة كانت من باب التوضيح للسلطة مقدار تكاتف الناس ووقوفهم القوي مع المعارضة ومدى سيطرة المعارضة على الشارع.
التحليل الآخر -وربما كان الأقوى والأقرب- هو استخدام هذه الدعوة لصنع نوع من الرابط اليومي بين القاعدة الجماهيرية وتعليمات القيادة عبر نوع من الالتزام الذي يمتثل له الفرد ويلتزم بمعطياته. الجانب الذكي في اختيار المشروب تمثل في عدة نقاط. فمنها أن تناوله هو عادة تجمع الكبار والصغار من جميع الأطياف. ومن ذلك أن العادات الغذائية المنتشرة في بلادنا تجعل تناوله طقساً يوميّاً أو شبه يومي. وكذلك أنه يوجد له عدد من البدائل مما سيسهل عملية الالتزام بالمقاطعة ويقلل تذمر الجمهور من الالتزام الجديد.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تُتَّبع، وأحكام تُبتدع، يُخالف فيها كتاب الله، ويتولى عليها رجالٌ رجالاً، على غير دين الله...
ولا أعتقد أن الاستشهاد بالحديث فيه مغالاة كما قد يظن بعض الخيرين من الناس، فإن الحاصل في ذلك الوقت من مقاطعة المشروبات كان يمثل حكماً مبتدعاً، والدليل على ذلك أنه إبان المقاطعة كان أصحاب البرادات يضطرون إما لبيع المشروب الغازي سرّاً أو عدم بيعه بتاتاً خوفاً من أمرين، أحد هذين الأمرين حصول مقاطعة للدكان نفسه بسبب عدم التزامه، أو تعرضه للإتلاف بتصرفات غير مسؤولة من أشخاص مجهولين قد يكونون أطفالاً كما يتردد أو أفراداً غوغائيين.
كان حكماً مبتدعاً بحيث ينظر الجميع شزراً للفرد الذي يجرؤ على التجاهر بشرب هذا المشروب، حتى حاول أحدهم إقناعي بلطف إبان الدراسة الثانوية قائلاً: “وإذا هو فيه نقطة خمر، ليش تغربل روحك وتشربه، ما تقدر تتركه يعني؟”.
بعد كل هذه السنوات، سألت أكثر من شخص عن سبب مقاطعتهم آنذاك، وكان بعضهم إبان المقاطعة دون العشرين وبعضهم فوق العشرين، لم أجد جواباً شافياً، وكأن لسان الحال يقول: “مكره أخاك لا بطل”.
هذا الحديث الذي هو حديث الذكريات، أحببت أن أتكلم فيه للإشارة إلى بعض أنواع العبث في مكونات الوعي السياسي والاجتماعي والثقافي عندنا في سنوات مضت. من ذلك شيوع حجر الرأي ودكتاتورية الحزب السياسي الذي ينكل بمخالفيه، ومن ذلك تأليه الرجال وجعل أوامرهم شرعاً وقرآناً منزلاً، ومنها استغفال الناس بين تحليل وتحريم في مثال بسيط لا نريد أن نتجاوزه الآن لأمثلة أخرى قد لا يكون المجتمع بعد متقبلاً للنقاش فيها.
وبالنسبة لهذا المقال بالذات، أحب أن أرحب بوجهات النظر على الإيميل كالعادة، لأنني أحب بالفعل أن نصل لتوثيقات تاريخية لتلك الفترة الحرجة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق