الأحد، 23 يناير 2011

بين طرفي الطابور











الأحد 23 يناير 2011

مر في خاطري تساؤل أبدأ به موضوع اليوم والذي أود التركيز فيه على وضع الخدمات الحكومية وخصوصا الرعاية الصحية المتوافرة للمواطن في مستشفيات ومراكز الدولة الصحية.
هذا التساؤل، ومن دون شخصنة، بل الكلام هنا عن المركز المسؤول وليس صاحبه: هل يدرس أبناء مسؤول التربية في المدارس الحكومية، وهل ينتظر ذوو مسؤول الإسكان دورهم في قوائم الإسكان، وهل تتعالج عائلة مسؤول الصحة في المركز الصحي لمنطقتهم؟
أثناء زيارتي لأحد المستشفيات الخاصة، تبرمت من الطابور الطويل الذي ينتظر للدخول على الطبيب، وقررت أن أغير وجهتي مستقبلاً إلى مستشفى آخر؛ حفاظاً على الوقت ورغبة في الحصول على رعاية أفضل. ذلك أن أكثر ما يحتاجه المريض هو الاهتمام من الطبيب والكادر الصحي، وهو الأمر الذي لا يتوافر في مركز أو مستشفى مزدحم طوال ساعات عمله.
وبالطبع لم يخطر ببالي أن أفكر بالعودة إلى المركز الصحي الحكومي، رغم أنني في الصغر كنت أتعامل دوما مع هذا المركز، ولكن شيئاً فشيئاً صار العلاج الحكومي هو ملاذ  من لا ملاذ له، صار الخيار الأخير، صار للمضطر وليس لغيره.
ففي نظرة ألقيها اليوم على مركز جدحفص الصحي، رغم ما لحقه من تطوير، أجد الصيدلية قد التحقت بباقي الأقسام في الازدحام وصار لها طابور طويل. وأجد أعداداً هائلة تنتظر دورها للدخول على الطبيب أو لتسجيل موعد حتى أن كراسي قاعات الانتظار تفيض، والمرضى والمراجعون يقفون في الانتظار الذي يطول في أحايين كثيرة.
هذا المركز بالذات يعيش مأساة ربما كان مسؤولو الصحة متغافلين عنها، فهو يغطي منطقة هي الأعلى في الكثافة السكانية بين مراكز البحرين، ولا أدري إن كانت هناك أي خطط لإنشاء مركز آخر يخفف عنه الحمل ويجعل خدماته أكثر تطوراً بفعل تخفيف الضغط على أجهزته وأقسامه وكوادره.
ومن دون أن أكون مناطقياً، فأعداد البحرينيين في كل المناطق بشكل عام تتزايد والمراكز الحكومية تراوح في المستوى والعدد نفسه، من دون أن نتكلم عن المستشفيات، فليس عندنا سوى السلمانية اليتيم الأبوين والذي يعج قسم الطوارئ فيه بالمرضى وينتظر الناس فيه مواعيدهم بالأشهر من دون أدنى مبالغة.
إذا كنا نود أن ندخل عصر الرعاية الصحية بدلاً من العلاج الصحي، فإن أمامنا أشواطاً لنقطعها لا تكفي فيها الاعتمادات الكندية والبريطانية ودعايات قصص النجاح؛ لأن التحدي الكمي أسبق من التحدي الكيفي وكما قيل قديماً ثبتْ العرش ثم انقشْ عليه.
وكنت سابقاً أرفض الاتهام القائل بأن مراكزنا الصحية هي مراكز لصرف البندول، ولكنني اليوم أنسحب من كرسي الدفاع، إذ لو استعرضنا الحاصل في كثير من الأقسام نجد أن هذا الاتهام صحيح بنسبة مئوية عالية.
وللقارئ أن يحكم في ذلك، فلا أعرف أحداً في الوقت الحالي يراجع طبيب الأسنان الحكومي، وليس ذلك بسبب سوء الخدمات، ولكن لأن التشرف بمقابلة طبيب الأسنان تستدعي موعداً قبل عدة أشهر ما لم تكن حالة طوارئ تستدعي الخلع. أما مسألة التنظيف أو التقويم وغير ذلك، فهي كماليات يمكن الانتظار معها عدة أشهر، وأما الحشو، فلأسابيع على الأقل.
وأذكر بالنسبة لعيادة تخصصية أخرى وهي الأنف والأذن والحنجرة، فمنذ سنوات عدة في أيام الدراسة الثانوية احتجت للعلاج من التهاب شديد في الأذن، فكان من وافر الحظ أن أحد الأصدقاء كان يعمل هناك، فتمكن من ترتيب سلسلة مواعيد لي، وإلا لعانيت الأمرين ليعود الوضع إلى حاله. وأنا متأكد أن الكثيرين حصلوا على علاجهم بالطريقة نفسها، وكما يردد أحد الأصدقاء: “يا  داخل مصر مثلك ألوف”.
ومنذ فترة بسيطة احتاج قريب للعلاج الطارئ في مستشفى السلمانية، فكان أن احتاج موضوع فحص الأشعة دخول واسطات ثلاث للعمل على ثلاثة محاور لحجز وتقديم موعد الأشعة حتى تيسرت خلال أسبوعين. أما الموعد، فكنا مقتنعين أن مقابلة الطبيب المختص في عيادته الخاصة على صعوبته أسهل بكثير من لبن العصفور المتمثل في الموعد الحكومي.
يا ترى، هل من مسؤولينا من يلجأ لوزارته للحصول على خدماتها المجانية؟ لا أعتقد، فالخدمات ليست مجانية إذا كانت تكلف الإنسان عمراً في الانتظار، وعمراً في الاستعطاف وعمراً في الشجار. ولا أعتقد أن أي مسؤول يحترم نفسه يرضى أن يجلس في منصبه إذا كان لا يستطيع تغيير مثل هذه الأوضاع القائمة إذا علم بوجودها.
وأما الناس، فلها الطابور الذي كثر ضحاياه، ثلة تيأس وتخرج منه، وثلة يوافيها الأجل واقفة بين طرفيه، وثلة تتداركها شفاعة المتوسطين، وقليل هم الواصلون إلى نهايته وهم طوال مدة انتظارهم يتحسبون ويحوقلون إلى حين حصول الفرج.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق