الأربعاء، 12 يناير 2011

أسنان الديموقراطية و الملهاة الكبرى






الأربعاء 12 يناير 2011

في كل مرة تنال الصحافة والجمهور من تجربة البحرين وتذكر المجلسين التمثيليين بحقيقة قدراتهما عن طريق مطالبتهما باتخاذ إجراءات يعلم الجميع أن المجلس لا يملك الصلاحيات الكافية لها. ستة تقارير لديوان الرقابة بالإضافة لتقارير لجان التحقيق وقفت مكانها دون اتخاذ إجراءات تصحيحية أو تأديبية وكأن ميزانية ديوان الرقابة وميزانية المجلسين هما مجرد إضافة للهدر الحاصل في مقدرات مملكة البحرين.
قرأت في صحيفة الأيام مسجاً يقول: “ماذا سيفعل النواب في تقرير ديوان الرقابة المالية... الأضخم والأوسع في رصد المخالفات والهدر للمال العام”. وأنا أقول هل النواب هم الجهة المخاطبة بهذا التقرير وحسب؟ ألا تتم مخاطبة الحكومة من قبل الديوان ويتم تزويدها بنسخة من هذا التقرير؟ ومن الجهة المكلفة بتحويل مثل هذه التجاوزات إلى الجهات المختصة من نيابة عامة أو لجان تحقيق داخلية في الأجهزة الحكومية المخالفة؟
المجلسان النيابي والشوري لن يمكنهما توضيح الواضحات لأحد، فالتقرير يشرح نفسه بنفسه، وفي كل مرة كان التقرير كذلك ولكن هل كانت هناك خطوات عملية على الأرض لتصحيح الأوضاع وما هي؟ سؤال يطرح نفسه بقوة.
لا شك أن إصدار دولة مثل البحرين لمثل هذه التقارير سيحسن تصنيفها العالمي من حيث الشفافية، وسيكون رقماً جديداً يضاف لمنجزات هذا البلد. ولكنني لا أشك للحظة في أن تصنيف البحرين من حيث محاربة الفساد سيتراجع بشكل واضح إذا لم يتم الإعلان عن خطوات عملية للتصحيح.
ومن حيث المبدأ، فإن المحاسبة عامل ملازم مع كل من المسؤولية والشفافية، وهذا ما يتوقعه كل متابع للشأن البحريني العام.
في نفس السياق، نستذكر الحملة الإعلامية الأخيرة لوزارة الداخلية وإعلانات الخط الساخن لمحاربة الفساد. إذا كانت هذه الحملة موجهة لمحاربة رشوة صغار العاملين، أو اختلاسات صغار الموظفين، فإن ذلك على فائدته سيرسل رسائل مشوشة للمتابعين، وستكون الرسالة الأولى أن هناك تجاوزات يتم التغافل عنها لأن المسؤولين عنها من الوزن الثقيل لا أكثر.
وبهذا تكون الرسالة التالية هي عدم الجدية في منع التجاوزات، والرسالة الثالثة أن عمل الديوان وتقريره لا يتجاوز كونه جزءاً من المتنفس الذي يعطى للمواطن كقضية رأي عام يتابعها ويناقشها.
الرسالة الرابعة وبلا شك وهي في اعتقادي الأخطر، هوتأكيد شكوك الناس بأن كل القصور والعجز في توفير خدمات المواطن يرجع إلى وجود فساد ينخر في مفاصل الدولة وبحجم كبير ويتم التغاضي عنه بلا عقاب عند كشفه، ولسان حال المتابع يقول بكل تأكيد “وما خفي أعظم”.
تجربة البحرين النيابية الفريدة ومشروعها الإصلاحي الواعد بقيادة جلالة الملك، أثبت في مراحل سابقة أن لهما أسنان كافية لحفظ الأمن السياسي، ولكن هل له من النواجذ ما يخيف المتلاعبين بالأمن الاقتصادي؟ وقديماً قيل انه ما من نعمة موفورة إلا وإلى جانبها حق مضيع.
أسنان التجربة وقبضتها الحديدية كما وجهت بحزم لحفظ الأمن يجب كذلك أن تتجه لتجفيف المورد الأهم لأي محرض، ألا وهو الفساد والتجاوز الذي يلهم بعضنا لمحاربته وبعضنا لاستغلاله سياسياً وبعضنا الآخر للاحتذاء به والانغماس فيه على طريقة قول الشاعر “كلها تسكر يا بن عسكر”.
حين يطالب المثقفون والسياسيون بحفظ هيبة الدولة، فإن حفظ هذه الهيبة لا يستدعي الهاجس الأمني وحسب، ولكنه كذلك يستدعي منع تحويل المال العام إلى سبيل أو مرمى بلا حارس، على أن حفظ المال العام يدخل في الهاجس الأمني من أكثر من جهة.
إننا ننأى ببلدنا البحرين عن أي شبهات تمس سمعته، فهل من الممكن أن نسمح بتحول الرقابة إلى عملية صورية لا تغني ولا تسمن من جوع؟ المواطن متسائلاً!!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق