٢٧ أبريل ٢٠١١
يقول: عجبت من فلان، كان متشدداً في يمينه وفجأة صار متطرفاً في يساره ما حدا مما بدا؟ فأجبته: “تراويك الدنيا”.
من قال إن المتطرف متمسك بمبدأ معين؟ ليس بالضرورة، المتطرف يلتزم موقفاً هو موقف التحدي والإصرار، ليس لأن الفكرة أو المبدأ يبهرانه، وإنما موقف المحض للشيء هو ما يبهره، يحاول أن يتبنى موقفاً شديد الوضوح في أحد الاتجاهات دون أن يتأكد من القيمة الفعلية لهذا الموقف.
سطحي هو المتطرف، كالخوارج حين وقفوا بوجه علي حين اختلطت عليهم الأوراق بمشهد المصاحف المرفوعة على الرماح، وحين هتفوا “الحكم لله لا لك يا علي”، لم يتعبوا أنفسهم في محاولة فهم المعنى فاعتمدوا على المبني والظاهر وتلك لعمري هي السطحية بعينها.
والخوارج في كونهم مثال التطرف يبهرون أي كاتب يكتب عن هذا الموضوع، ففي نظرتهم للمؤمن لا يعترفون بالمعصية، وإنما الإنسان عندهم إما مؤمن أو كافر، ولا توسط بين الحالين بتاتاً.
والتطرف لا دين له إذ أنك من الممكن أن تقابل متطرفاً شيوعياً أو علمانياً أو قبطياً أو إسلامياً، يجمعهم جميعاً العجز عن التعايش مع أي فكرة مختلفة، يحتكرون الحق والحقيقة والفضيلة، ويحطبون لخصومهم الباطل والخرافة والرذيلة.
لقيت مرة رجلاً حديث عهد بالإسلام إلا أنه تنقل فيه كما يقول من مذهب لآخر، قلت له ما حدا بك لما أنت عليه الآن؟ فأجابني أنه عاش تطرفاً وتعصباً شديداً في مذهبه السابق مما دفعه لكرهه والبحث عن غيره يناسبه في الاعتدال.
قلت له ان التعصب والتطرف هو طبيعة بشرية لا علاقة لها بدين الإنسان أو مذهبه أو معتقده، وأعدك أنك ستجد نفس التطرف في كل فكرة أو مذهب تتبناه، فانظر للفكرة وصوابها ولا تنظر لحاملها لئلا تنفر من حق أو تميل لباطل بعاطفة خالصة لا فكر فيها إلا ما تهواه نفسك.
وفي حياتنا اليومية بل في تراثنا سنجد الأمثلة العديدة للتطرف والانتقال من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار والعكس بتطرف أيضاً. لا يجب أن يلاموا على أي فكر يتبنون، ولكن لأنهم لا يصغون ولا يعملون فكراً ولا يضعون نفسهم مكان الآخر لمحاولة فهمه.
والمتطرف يعيش غالباً حالة من المثالية الحالمة والبساطة في التفكير، ولذلك يرى غيره شراً مطلقاً ويرى نفسه بين ملائكة السماء. فهو لا يتجرد من حالة الإنسانية وحسب بل ويجرد الآخر منها. على أن علياً قال ان الناس اثنان، أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.
ولا شك أن من المعاني المهمة لهذا الكلام أن هناك حداً أدنى من الحقوق أو البر كما يعبر الدين، يجب أن لا يحرم منها أي إنسان. ولا شك أن الأخوة في الدين تضيف المزيد من الحقوق وإن كان النوع الأول من الحقوق أقرب إلى الفيزيائية أو المادية الأساسية بينما قد تكون الحقوق المترتبة على الدين أكثر ارتباطاً بالجانب الروحي.
هذه البساطة الموجودة عند المتطرف ربما تكون ناشئة من فهم خاطئ لبعض المفاهيم الأساسية، بالإضافة إلى بعض الجوانب الخلقية للشخصية. والدليل على ذلك أنك كثيراًً ما تجد شخصين بنفس الأفكار إلا أنك لا تحتمل أن تحدث أحدهما بينما لا تمل من حديث الآخر حتى في نفس الموضوع. كما يضاف لذلك خوف المتطرف دائماً من ضعفه في جانب ما مما يدفعه للتطرف بشكل يقيه من مخاوفه من الآخرين.
كثير من التساؤلات بخصوص التطرف ونشأته وصناعته وكيف تستغله التنظيمات والأحزاب والدول لخدمة أجنداتها تزدحم داخل عقولنا ونبحث لها عن إجابات وافية وحلول شافية.
ذكر لي أحد الإخوة كتاب “المؤمن الصادق” الذي يتكلم بالضبط في هذا الموضوع، وهو من ترجمة الراحل الكبير الدكتور غازي القصيبي الذي يعد من أعلام الثقافة في بلادنا. أتمنى قراءة هذا الكتاب قريباً، وسأقوم بطرح أبرز النقاط التي يعالجها في حينه.