الأحد، 17 أبريل 2011

صدى الصوت 4





 الأحد 17 أبريل 2011


الشيخ المدني كان الغائب الحاضر في الفترة المنصرمة، وكان لا بد من التذكير بوصاياه في أزمة التسعينات، لأن من شأن من يريد دراسة منهج أن يأخذه عن رواده ليضيف دروس الماضي إلى دروس الحاضر. وكنت أتمنى أن أحيط بتراث باقي علماء تلك الفترة، إلا أن الميسور لا يترك بالمعسور.
حورب الرجل بسبب خطابه العقلاني الجريء وقوطع، إلا أنه لم يكن ليأبه لملامة اللائم أو تسقيط الجاهل، طالما أنه يرى صحة منهجه واستقامة طريقه. وسيرى القارئ من خلال نص الخطبة التي ننقلها بكل أمانة أن كل مخاوف السياسيين هي من مواجهة الجمهور الذي تم شحنه. وأن ما يواجهه دعاة الحوار من التسقيط ينبغي عدم الخضوع له وإلا تمت قيادة الأمة من متشددين يجيدون الصراخ فحسب. ولعله لا يفوتكم أن الإنسان حين يصرخ، كثيراً ما يبدو مغمض العينين.
وفي الفترة الفائتة كان كثير من المخلصين لهذا الوطن يعملون بجهد لا يكل ولا يمل ليساعدوا في تهيئة أجواء الحوار، فالكاتب يدعو في صفحاته، والخطيب ينادي في صلاته، والوجيه يعمل وساطته. وعلى هذا كله يكون من يسعى للتهدئة كالعومة مأكولة ومذمومة من الجميع.
وصدقوني إن الالتحاق بأي اتجاه متشدد هو أسهل من الوقوف في المنتصف للتهدئة، كمن يحاول إيقاف الشجار فيتلقى الضربات من الجهتين. هذا هو منهج إصلاح ذات البين الذي يصفه النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله وسلم) أنه خير من الصوم والصدقة والصلاة المستحبة.
يقول الشيخ سليمان المدني رحمه الله في ما يوافق أيامنا هذه في خطبته قبل 16 عاماً في السابع من أبريل 1995، في صلاة الجمعة:
“إنكم جميعاً تعلمون وإنني ومنذ بداية الأحداث كنت أنادي بضرورة حلِّ المشكلات العالقة عن طريق التفاوض والتحاور لا عن طريق العنف والعنف المضاد، وكنت أعتقد ولا أزال إن الشدة لا تولد إلا الشدة وإن احتواء الأزمات يكون بالطرق السياسية لا بالشدة والعنف فالتفاهم وأخذ الأمور بالرفق هوالسبيل الوحيد الذي جعله الله سبحانه لحلِّ كل خلاف يحدث بين البشر، والمسلمون أولى من اتبع إرشاد الباري جل اسمه، واهتدى بكتابه، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وأمرهم شورى بينهم والآن وقد ابتدأ باب التفاوض ينفتح، وإمكانية التحاور أخذت في الوجود فالرجاء من الإخوة المواطنين على اختلاف أفكارهم وتباين توجهاتهم أن يعطوا الفرصة لهذه العملية، وأن يدعموا هذه الإمكانية. المفروض علينا أيها الإخوة أن ندعم خطوة التحاور والتفاوض لا أن نهدمها، أن نشجعها لا أن نُوهِن منها، أن نؤازر القائمين بها لا أن نشكك فيهم.
إن القائمين بهذه الخطوة إنما يقومون بها لما يشعرون به من الواجب الوطني والديني الذي فرضه الله سبحانه عليهم ولذلك فهم لا ينتظرون من الناس مدحاً ولا ثناء، لا يريدون من المخلوقين جزاء، إنما يأملون من إخوانهم وهم شركاؤهم في كل ما يحصل لهذا البلد من الخير أوالشر أن يعطوهم الفرصة ليعملوا على تحقيق أماني الجميع ومتطلباتهم نحن نعرف أن هناك إعلاماً مضاداً لهذا التحرك لا ندري أسبابه، ولا نعرف مصدره ولا نُدرك هدفه، وقد اتخذ هذا الإعلام المضاد أشكالاً مختلفة فتارةً بالتشكيك في شخصيات القائمين أوالمشاركين في هذا التجمع، وتارة بنفي حق التكلم في الأمر عليهم.
إن القائمين بهذا التحرك لم يدعوا أنهم يمثلون أحداً حتى يحتاج بعض الناس ليقول أنهم لا يمثلون الشعب فالشعب لم يستفت بعد فيمن يريده أن يمثله، وكل من يدعي أنه يمثل الشعب قبل أن يُطرح إسمه في استفتاء عام فهومبطل في دعواه، وكلّ من يُدَّعى له بأنه يمثل الشعب قبل أن ينتخبه الشعب فإنما يُدَّعى له شيءٌ لا حقيقة له، حسب الإنسان إذا كان مخلصا أن يقول إنني باعتباري مواطنا أخدم الشعب وأسعى لتحقيق خير الشعب. لا أعتقد أن أي مواطن له الحق أن يمنع مواطناً آخر أن يعمل ما يستطيع لخير الشعب. ولا أعتقد أن أحداً يستطيع أن يُنكر على أفراد هذا التجمع صفة المواطنة، وكما لغيرهم حق العمل بالأسلوب الذي يراه مناسبا، وبالطرح الذي يعتقده صالحا، وأن يسعى لتحقيق ما يصبوا إليه الناس في هذا البلد، فلهذه الجماعة أيضا سواء كانوا متفرقين أومجتمعين مثل هذا الحق. إن التشكيك في إخلاص الناس لمجرد الاختلاف معهم في الرأي أوفي الأسلوب ليس طريقا صحيحا، ولا سبيلا ًحكيما، وإذا كانت الأماني والتطلعات التي يُراد تحقيقها هي عينها التي ينادي بها فما وجه الاعتراض أن ينادي بها غيره وأن يسعى لتحقيقها سواه إن التعاون أيها الإخوة في تأييد أسلوب التحاور والتفاوض هوالسبيل الوحيد لإنجاح المتطلبات التي يصبوا المواطنون لتحقيقها، فلا تُمكِّنوا من لا يريد هذا الطريق من سده في وجوهكم، بترويج إشعاعاته، ونشر تشكيكاته”.
ينتهي الاقتباس هنا وتنتهي حلقات المقال، الذي حاولت أن أبين من خلاله المنهج الذي أتبناه ويتبناه الكثير من مخلصين هذا الوطن. كما حاولت من خلاله أن أبين جهود بعض علماء البحرين المحافظين والذين كان عملهم محوراً لوحدة وطنية وإسلامية يستحق منا جميعاً الإهتمام والإلتفاف، كان من طليعتهم أيضاً الراحل الكبير الشيخ منصور الستري رحمه الله والشيخ أحمد العصفور حفظه الله وغيرهم من العلماء الأجلاء الذين أنجبتهم بحريننا الحبيبة.
حفظ الله بحريننا الغالية مليكاً وحكومة وشعباً، وأدام الله عليها الأمن والأمان والوحدة والرخاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق