الأحد، 10 أبريل 2011

صدى الصوت 2











الأحد 10 أبريل 2011

في أيام الأزمات، يفتقد الناس صوت العقل، يفتقدون الرجل الحليم ذا العقل الراجح، رابط الجأش الذي لا تزلزله النوازل ولا يطيش رأيه في الملمات. وقديماً قيل:
سيذكرني قومي إذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
ينطبق هذا الكلام على شخص الراحل الشيخ سليمان المدني رحمه الله، الذي كان رجل الأزمات بكل ما يمتلكه من من صفات شخصية تميزه عن الآخرين.
من ضمنها أنه إذا اعتقد بفكرة فلا يكتفي بالدعم المعنوي لها، وإنما يتبناها تبنياً تاماً حتى تصل إلى مواقع القرار والتنفيذ. ربما كان هذا من أهم ما يفتقده شارعنا وهو القيادة ذات الرؤية الواضحة والمبنية على منهج رصين يؤمن بالرفق وعدم التصادم ويكرس الوحدة الوطنية بين مكونات الوطن والوحدة الإسلامية بين طوائفه. نعم يفتقد الشارع إلى القيادة الفكرية التي توجه العامة ولا تنقاد لهم ولكن من دون أن تعيش منفصلة عنهم فلا تهتم بهمومهم.
نستذكره في هذه الأيام وذكرى وفاته في أواخر الشهر الفائت، ونستذكر بعض كلماته لا بقصد الرثاء، ولكن لأن في الإعادة إفادة، خاصة أني ذكرت بعض معانيها في مقال “النعمة المجهولة”.
يقول رحمه الله في خطبة الجمعة الموافق 5 مارس 1999 “ومثال تفريط الشعوب والأمم في نِعَمِ الله سبحانه وعدم المحافظة عليها أن يُنعم الله سبحانه على شعب بنعمة الأمن والخير والرفاه، فتفرِّط الأمة في تلك النعمة، يأتي حزبٌ من الأحزاب فيعمل على تدمير الاقتصاد وإشاعة الخوف بحجة أنه متى ما ضعف الاقتصاد فسوف تنهار الحكومة في تلك البلد فيستطيع هو أن يسيطر على مقاليد الأمور فينشر الخوف والذعر بين الناس، ويوافقه من لا خِبرة له، ولا عقل له، فيثيروا الخوف والذعر في كل مكان، ويتبدّل أمن الطريق بانقطاع السبيل، يصير الناس في تلك البلد يخشون على أموالِهم من الإتلاف، يخافون على أنفسهم من الأذى، فيهربُّون أموالهم وتجاراتهم وشركاتهم ومؤسساتهم إلى بلدٍ آخر يكون الأمن على النفس والمال متوافراًَ فيه، فتنتعش سُوقه، ويكثر خيره، ويصبح البلد الأول بلد فقرٍ وخوفٍ وبطالة، لأن أهلَ هذه البلد لم يشكروا نعمة الله التي أنعم بها عليهم، ومع ذلك قد لا يتمكنون من تحقيق ما هدفوا إليه، ولو تمكنوا فعلاً من إسقاط تلك الحكومة عنهم فإنهم يرثون دولةً فقيرةً مهزوزة، كما حدث لكثيرٍ من البلدان العربية والإفريقية والآسيوية التي قامت فيها انقلاباتٌ عسكرية بعد أن عمِلت الأحزاب فيها على تقويض البنية الاقتصادية، يقول سبحانه وتعالى في محكم آياته، وهو يبين قانوناً كونياً غير قابلٍ للتخلف، يقول سبحانه وتعالى: “وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ”، إنهم لم يكفروا بالله إنما كفروا بأنعم الله التي أنعم الله بها عليهم فكان لابدّ أن تزول عنهم نعمتا الأمن والرخاء ويحلَّ بدلهما لعنتا الخوف الفقر.
فاتقوا الله عباد الله ولا تنفّروا نعم الله التي أنعم بها عليكم، ولقد شرَدَت من بين أيديكم نعمٌ كثيرة كنتم محسودين أو مغبوطين عليها بين شعوب هذه المنطقة، بسبب عدم محافظتكم عليها، وتفريطكم فيها، فلا تظلوا تُنَفِروا ما تبقّى من النّعم التي مازلتم تتمتعون بها، لا تجهلوا قدر هذه النعم فتكونوا كالسمكة التي لا تعرف قيمة الماء حتى تُخرج منه، ففي الحديث الشريف: “تُجهل النعم ما أقامت فإذا ولت عُرِفت”، ولا تجعلوا قول أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام منطبقا عليكم، فإنما قاله ليحذّرَ من يتشيع له ويتابعه من الوقوع فيه، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: “إنما يعرف قدر النعم بمقاساة ضدها”، فلا يعرف الغني قدر ما عنده من الخير حتى يذوق الفقر ويحس بالضيق، ومن يتمتع بالحرية الدينية لا يحسّ مدى أهميتها ومدى عظمتِها حتى يقاسيَ الضغط الديني والكبت العقائدي، وهكذا كل نعمة لا يعرف صاحبها قدرها ولكن من عانى ضدها أدرك قيمتها، فالشيعي مثلا الذي يعيش في بلد يسيطر عليه من يمنعه من إقامة المآتم، أو الخروج بمواكبِ العزاء في الشوارع، يغبط أهل البحرين مثلاً على ما هم فيه من نعمة الحرية الدينية، ولكنّ أهل البحرين لا يقدِّرون هذه النعمة العظيمة التي أنعم الله بها عليهم، فتجدهم لا يحافظون عليها بتنزيهها مما لا علاقة لها به من شعارات دنيوية، ومطالب سياسية، بل كثير منهم لا يبالي أن تزول هذه الحرية، إذا كان لن يتمكن أولن يُمَكّنَ من استغلالها في رغباته وأهوائه ومصالحه الفئوية. ولذلك جاء في المثل: أن (الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يبصر به إلا المرضى)؛ لأن المرضى قاسوا ضدّ نعمة الصحة فأصبحوا يدركون قيمتها. ولعلّ من أعظم النعم المكفورة بين الناس في كلّ مكان الأمن والعافية، ويقول الإمام الرضا عليه الصلاة والسلام: “نعمتان مكفورتان الأمن والعافية”، فتجد الناس لا يحافظون على حالة الأمن ولا يتورعون من ارتكاب الأعمال التي تسبب الخوف والذّعر، حتى ينتشرَ بينهم الخوف فيخاف كل واحد منهم من غيره، كما أنهم إذا عافاهم الله سبحانه من البلايا والمصائب والنكبات بطِروا، فأخذوا يعملون على التحرش بمن إذا غضب صبَّ عليهم البلاء، فتمتلأُ بهم السجون والمعتقلات وتغصُّ بهم التوقيفات، ويتشردون عن البلد في سائر البلدان، ويصبحون في بلاءٍ عظيم، عندئذ يحسون بقيمة العافية التي كانوا بها يتمتعون”.
آخر الوحي:
“ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه” حديث نبوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق