الأربعاء، 13 أبريل 2011

صدى الصوت 3










الأربعاء 13 أبريل 2011


مازلت أقلب بصري ذات اليمين وذات الشمال بين كتابي “دعوة الحق”، وكتاب “الكلمة الطيبة” والمحتويين على تراث العلامة الراحل الشيخ سليمان المدني. أبحث عن كل ما يرتبط بأزمة التسعينات لنشره معتقداً أن الأزمات والفتن لا تختلف كثيراً، وجوهرها غالباً يكون واحداً.
وبالإضافة للتفاعل الكبير الذي وجدته، فإن منبع إصراري على الطرح بطريقة النقل الكامل ليس بسبب العجز عن البيان أو الكتابة، وإنما لسببين، أولهما أن الخطب والمحاضرات تتكلم عن نفسها بشكل موجز، والسبب الآخر بيان أن جميع الفتن تتشابه بحيث تكفي كلمة ألقيت في أزمة ماضية للتعبير عما يحدث في أزمة معاصرة.
ومما بلغني من الملاحظات بشكل متكرر، أن التوقيت غير مناسب للكلام في هذا الاتجاه، بمعنى آخر، بعد وقوع الفأس في الرأس. إلا أنني أعتقد أن مبرر التوقيت غير صحيح هنا، ففي بداية الأزمة حصرنا المقالات في زاوية التهدئة والحوار دون كلام عن السلبيات التي حصلت تماشياً مع مشروع الحوار الذي كان يراد له نزع فتيل الأزمة. حينها ركزنا كل جهودنا في دعم ما عبر عنه “بمشروع إصلاحي جديد”. اليوم وبعد انتقال الأزمة لمرحلة مختلفة، صار بالإمكان التقاط الأنفاس بعيداً عن الأحداث المتوالية وإيصال هذه المفاهيم وهذا التراث وتأطير الأزمة في إطارها الصحيح مع استعداد الذهنيات للتلقي. وقد قيل قديماً إن “الفتنة إذا أقبلت شبهت، وإذا أدبرت نبهت”.
وفي خصوص الفتن وتشابهها بالذات وجدت كلمة بعنوان الفتنة ألقاها المرحوم في الرابع عشر من يناير (كانون الثاني) عام 1997 أنقل منها ما يلي:
“يكثر الشباب هذه الأيام من التساؤل عن فتن آخر الزمان وكيف يُهتدى في ظلماتها؟ وكيف ينجى من ربقتها إذا كانت جميع الأشياء متشابهة؟
إن المنهاج في النجاة من الفتن واحد سواء كانت هي فتن آخر الزمان أو الفتن التي مرت في الأزمان المتقدمة، فمنذ أن نزل آدم وإبليس وحواء على ظهر هذا الكوكب وبعضهم عدوٌ لبعض. أخذ إبليس يبث الفتن ويزرع المشكلات في وجه دولة آدم، وفي وجه النبوة التي تتمثل فيها، والشبه التي تبتدئ وتسبب قيام الفتنة وتنتشر بعدها في الأفكار بسبب اضطرام الفتنة لا تختلف في ذلك الزمان عن هذا الزمان. بتلبيس الباطل بلباس الحق، وتلبيس للرأي بلباس الحكم الشرعي، وتلبيس للهوى بلباس العقيدة الشرعية، والعقيدة الإلهية. وعندئذٍ إذا تطاول الزمان ربما ينسى الحق ولا يوجد إلا حقٌّ ديث فيه الباطل أو باطلٌ ديث فيه الحق، يقول أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه: “ولو أنَّ الحقَّ خلُص لما اختلف عليه اثنان، ولو أنَّ الباطل خلص لما اتبعه اثنان، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث، فيمزجان ويخرجان إلى الناس”.
فالفتنة إذاً في الحقيقة ما هي إلا مزجٌ بين الحقِّ والباطل، وذلك أن إبليس وهو يعرف أنه لا يستطيع أن يجرد كل الناس عن فطرتهم، لا بد له من حرف هذه الفطرة وتشبيه الأمر عليها، ونضرب مثلاً بفتنةٍ من الفتن في الأزمان السابقة، هي فتنة قوم موسى والعجل، فالسامري الذي أخرج لهم العجل شخصٌ معروفٌ في المجتمع الإسرائيلي، وليس غريباً على بني إسرائيل، أخرج لهم العجل، والعجل مصنوعٌ من ذهب، وصغيرهم وكبيرهم يعرف مادة الذهب، ويعرف أن هذا العجل إنما هو من عملٍ إنساني، وغاية ما هناك أن له خواراً، أي أن له صوتاً، وقال لهم هذا إلهكم وإله موسى، فعكفوا عليه يعبدونه وهم يلمسونه بأيديهم ذهباً جامدا، وعندما نهاهم أو ذكرهم هارون قالوا له: لا، بل سنظل عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى، وأنكروا كل فضلٍ لهارون، بل كادوا يقتلونه عندما قال لهم إن هذا مخلوقٌ مثلكم وليس ربًّا وليس إلهاً وليس خالقاً”.

وفي فقرة أخرى:
“فإذاً، المنهج موجود خاصَّةً في أيَّامنا الحاضرة، وهو أن ينظر للدعوة في حقيقتها، هل هي دعوةٌ لتحكيم الشرع الإسلامي أو لتحكيم الرجال؟ وهل يلتزم أصحاب أيِّ دعوةٍ بالحكم الشرعي في جميع مواقفهم أو لا مانع من تجاوز الحكم الشرعي وتحريف المفهومات الإسلامية من أجل الوصول إلى الغرض؟ يكفي لكل إنسان مهما كان بسيطاً أن ينظر هاتين النقطتين في أيِّ دعوة، وفي أيِّ زمان، وفي أيِّ بلد، وفي أيِّ مكان، دون أن ينساق مع عاطفته ليعرف الصادق على الله والكاذب عليه، المحق والمضل. يقول علي عليه السلام: (وإنما بدء وقوع الفتن أحكام تبتدع وآراء تتبع يوالي فيها رجال رجالا)”.
انتهى الاقتباس، إلا أنني أركز على نقطة أعتقد أنها تستحق مزيداً من الاهتمام أو إفراد مقالات منفصلة لها، يقول الشيخ المدني “وعندئذٍ إذا تطاول الزمان ربما ينسى الحق ولا يوجد إلا حقٌّ ديث فيه الباطل أو باطلٌ ديث فيه الحق”، وهذه نقطة مهمة تتعلق بالكثير من المفاهيم التي علقت بثقافتنا وبتفكيرنا وتوالدت وأُنتجتْ أفكار أخرى باطلة، لن أقول إنها ليست من صميم الدين، بل أقول إنها نتاج فلسفي لمفكرين مسيحيين أو لا دينيين، وهنا تكون المشكلة.
 آخر الوحي:
 “لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسننا وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا ألا تظلموا”. حديث نبوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق