الأربعاء، 29 أغسطس 2012

أجراس يقرعها عابر سبيل








الأربعاء 29 أغسطس 2012


الجرس الأول:
مواطن بحريني يعمل بوظيفة عامل في شركة خاصة، يعاني من أحد أمراض الدم الوراثية، وقبل أن يحصل على هذه الوظيفة التي قضى فيها خمسة عشر عاماً، كان قد عمل سابقاً في كافتيريا أو مطعم صغير لمدة خمس سنوات. يرغب في تسجيل سنوات خدماته الأولى في التأمينات الاجتماعية وضمها الى سنوات الخدمة ليتمكن من التقاعد، فلا الراتب مجز ولا صحته تعنيه كثيراً على تحمل وطأة العمل. كان يتساءل إن كان بإمكان أحد مساعدته لتيسير معاملته وانهاء اجراءات ضم الخدمة غير المسجلة ان أمكن.
ما أعرفه أن القانون يسمح للعامل بتسجيل سنواته غير المسجلة، حين يقوم بدفعها. هو لا يمانع أن يفعل، ولكن هل من المعقول أن يطلب منه اليوم بعد عشرين سنة من ذلك التاريخ أن يتسلم شهادة راتب من كافتيريا بسيطة وكلنا يعرف كيف تدار هذه المحلات بلا نظام ولا دفاتر يدوية. هل من الممكن أن يتم تزكيته من قبل شخصية عامة من دائرته أو شهادة شهود كما كان يحصل قبلاً في اثبات الملكيات والزيجات وغيرها؟ الجواب عند صندوق التأمينات، واسم المواطن متوفر ان أمكن مساعدته.

الجرس الثاني:
شارع الامام الحسين في المنامة يعد من الشوارع الصعبة في المرور وكذلك عند البحث عن موقف بسبب الضيق الشديد والازدحام الدائم. فهل من المعقول بدلاً من أن نرى تخطيطاً جديداً من وزارة البلديات للمنطقة ترافقه أعمال تطويرية للشوارع وتوسعات من قبل وزارة الأشغال، هل من المعقول أن نجد توسعة للأرصفة وتضييقاً للشارع؟ ومن ثم نجد الأرصفة تتحول الى مواقف وتزيد الطين بلة؟
بالطبع ليس هذا هو الشارع الوحيد ولا المنامة هي المنطقة الوحيدة ولكن المثال يقرب ويبعد والذكرى تنفع المؤمنين.

الجرس الثالث:
كانت وزارة البلديات قد وعدت مراراً وتكراراً بانطلاق مشروع تطوير سوق جدحفص المركزي ولكن يبدو أن أكثر المشاريع لا ترى النور لسبب أو آخر. وكان المزمع أن يشمل مشروع التطوير بناية أو مجمع من عدة طوابق. وانما يبدو أن الفارق بين اعلان الخطط وتنفيذها بون شاسع من زراعة الاحباطات للناس من جراء اعلان توجيهات بلا تكليفات، أوتكليفات بلا موازنات، أو أي من النقوصات الكلاسيكية التي تواجه دوماً العاملين في المجال البلدي.

الجرس الرابع:
مازالت امكانية معرفة العامل والعاطل عبر هيئة اصلاح سوق العمل، وبيانات كل المواطنين فضلاً عن عموم الموظفين مسجلة لديها. والسؤال الذي يواجهنا عندها لماذا لا تعرف الوزارات حال المواطنين في حال الغنم، وتعرفه في حال الغرم فقط

الأحد، 26 أغسطس 2012

مع الثقافة










الأحد 26 أغسطس 2012


قلت من قبل أن هناك انفصاماً ثقافياً نعيشه بين نمط و مدارس الشعر الرائجة و التي تحظى باهتمام الناس و تمس مشاعرهم و بين ما يحظى برعاية وزارة الثقافة. يتجلى ذلك في تولع الناس و تعلقهم بالشعر العمودي فصيحاً و عامياً و استخدامهم له في كافة الفنون و المقامات من إنشاد و تواشيح و مسابقات شعبية و مهرجانات. وفي الضفة الأخرى ما ترعاه الدولة ممثلاً في وزارة الثقافة.
منذ متى شهدنا آخر مهرجان أو مسابقة شعرية برعاية رسمية تحظى بإهتمام عامة الناس و متابعتهم و شغفهم. إذ لا شك أن مسابقات مثل شاعر المليون و أمير الشعراء اللذين تمت إقامتهما في دولة الإمارات العربية المتحدة كانتا آخر برنامجين يستحقان المتابعة في هذا المجال.
الشعر العمودي في البحرين كأي دولة عربية أخرى يحظى بتعلق و متابعة من الجماهير سواء التي تكتب أو تتذوق الشعر. إلا أن مستوى الشعر و حضوره في الإهتمام الرسمي لا يحظى بما يستحقه و بما يشبع الحس الثقافي للشعب.
لو عدنا إلى تاريخ البحرين لوجدنا طرفة بن العبد جالساً على عرش الشعر في البحرين، فيما توجد الكثير من الأسماء اللامعة و الواعدة التي تستحق المطالعة و التشجيع. و يمتد هذا التاريخ بين ذلك الزمان و بين زماننا هذا.
هل نعمل اليوم بنفس النظرية التي تقول أن العربي يستحق الإهتمام و التشجيع بعد أن يشتهر عالمياً أو خارج بلده ثم يموت؟ هل حينها فقط يصير إحياء تراثه واجباً وطنياً، أم أنها كقول الشاعر:
إن الفتى ينكر فضل الفتى
مادام حياً فإذا ما ذهب
لج به الحرص على نكتةٍ
يكتبها عنه بماء الذهب.
بتفويتنا لهذه الرعاية، كم حرمنا الوطن من إشهار و معرفة، و من كنوز زاخرة من الدواوين الشعرية و الخامات الشعرية التي لا تضاهى. و التي ربما لا نجد لها بديلاً في المستقبل. إن في البحرين الكثير و الكثير من الخامات التي ينبغي استغلالها لأننا بلد ينتج الثقافة و لا يستهلكها.
ماذا يضرنا من إقامة مهرجانات شعرية، لا أقول بمستوى أمير الشعراء و شاعر المليون. الشعر لغة و بلاغة و شعور و إنسانية، و كل هؤلاء لا ينقصون البحرين و لكنهم ينتظرون المبادرة المحتضنة ليبدأوا المشوار.
لا ننتظر من وزارة الثقافة إطلاعنا على ما يدور في فكرها و لكن نبحث عن تغيير نوعية البرامج و ضيوفه حتى نرى خامات بلدنا تلك و هي تشق طريقها و تستقطب مشاهدين آخرين من الأقطار الأخرى.
والله من وراء القصد

الأربعاء، 22 أغسطس 2012

أين الحواريون؟






الأربعاء 22 أغسطس 2012


فيما لو كنت أتكلم عن موضوع تاريخي أو ديني، فإن الحواريين بفتح الحاء هم تلاميذ السيد المسيح عليه السلام، إلا أن كسر الحاء يأخذنا مباشرة إلى كل من كان ينادي بالحوار في البحرين طوال الأزمة التي بدأت في فبراير 2011 وحتى الساعة. فالحوار منذ كان دعوة من سمو ولي العهد إلى أن صار منتدى شارك فيه الجميع بمختلف آرائهم وتوجهاتهم حتى مرحلة تحوله إلى تسريبات في بعض الصحف عبر مصادر غير معلنة عن تواصلات وترتيبات أو مقابلات تسبق انطلاق مرحلة أخرى من الحوار.
والحوار الأحدث وهو حوار التوافق انطلقت فعالياته في الثاني من يوليو عام 2011 بدعوات لحضور 300 شخصية، وتم تقسيم مواضيع الحوار ضمن المحاور السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية، وبعد اختتام فعالياته، وإعلان نتائجه، جاء موضوع تقرير لجنة تقصي الحقائق ليشغل الساحة الإعلامية فيما بعد.
وجاء بعد ذلك موضوع تنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق وتشكيل لجنة خاصة بذلك الأمر، ومن ثم تشكيل جهاز لمتابعة تنفيذ التوصيات والذي أصدر أول تقرير له في 11 يوليو 2012 ويتوقع أن يكون له تقارير لاحقة باعتبار أنه صدر بصفة تقرير مرحلي شمل مواضيع التطوير القضائي، المساءلة، التعويضات، دور العبادة وحرية التعبير.
اليوم ونحن في الثلث الأخير من أغسطس 2012، مازلنا نتطلع إلى موضوع الحوار أو الحل السياسي كموضوع حيوي ومهم لإنهاء الأزمة الخانقة التي مازالت تداعياتها على مستوى السياسة والأمن والحقوق بالإضافة إلى المستوى الاجتماعي تؤرق كل من يحمل هم هذا الوطن ولا يكاد يعرفه بسبب هذا الشحوب والاختناق والانقسام.
وفيما لا نرى من مخرجات حوار التوافق تغييراً ملحوظاً طرأ على أسباب أو نتائج الأزمة، فإن آخر ما طرح على المستوى الرسمي حول موضوع الحوار هو الدعوة إلى حل داخلي بعيداً عن الوساطات والدعوة إلى شجب ونبذ العنف صراحة. أما على مستوى المعارضة فقد كان أبرز ما طرح حول الحوار هو القبول المبدئي بحوار يسع الجميع، والدعوة إلى عدم القيام بأية أعمال تتنافى والسلمية ثم التأكيد على أنه لا حوار حالياً على الأرض وأن كل ما يجري بعيد عن الجدية.
سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي أو مستوى الجمعيات السياسية ليس هناك أحد يقول إنه ضد حوار جدي يفرز نتائج على الأرض ويقود إلى إيجاد الحلول وإنهاء الأزمة، فإذا كان الأمر كذلك، فأين الحواريون وأين نقف اليوم أم أن علينا متابعة الكثير من التواريخ المهمة وانتظار الطحين من الرحى؟

الأربعاء، 15 أغسطس 2012

الحل البحريني






الأربعاء 15 أغسطس 2012


في لحظة صدق مع النفس ومصارحة ربما تكون نابعة من الصيام وشهر الصيام، وربما من السأم من الدوامة التي تدور فيها كل الحمامات داخل الشبكة بحثاً عن قارض يملك أن يصنع ثقباً يسمح لها بالخروج من مأزقها، أو لعله سأم من تقاذف الملامة بين الأطراف ومن لحظات البحث عن إيجاد معذورية لما ليس له عذر بينما يرفض كل طرف أن يقول أخطأت في كذا وسأصلحه بكذا. ربما ونحن مصابون بالسقم إزاء البحث عن الرشد، فلا أنت تستطيع إيجاد رشد ديني عند من يلزم نفسه بالدين، ولا رشداً قانونياً عند من التزامه القانون، فلا تدري أين العذر لمن لا يبحث أساساً عن العذر.
اللعبة إن كانت سياسية وحسب، حطمت باقي القواعد الأخرى وسخرتها لها، وصار كل ما عدا ذلك خارج نطاق التغطية. ثم تجد أن السياسة هي مصالح وتوازنات وتدافع قوى. ورغم أن السياسة هي محل تسيير الأمور وهي بطبيعتها عصب المنظومة المركزي إلا أن حراكها وتطورها وانتقالها لا يجوز أن يشل جميع مناحي الحياة، ولا يصح أن يوقف الحراك في حياتنا اليومية بهذا الشكل الفج. وأطرح هنا مثالا يتطلب سعة الصدر. وهو مثال سد الشوارع الذي يقوم به منتسبو بعض التيارات السياسية فيعطل مصالح الناس، لا شك أن العائق غير منصف للناس وغير مجد في تحقيق أي فائدة حتى سياسياً، وقس على ذلك الكثير.
في لحظة الصدق هذه، تنظر إلى ما يعطل إيجاد حل للأزمة في البحرين، فتجد أن الكلام عن حل بحريني خالص هو كلام غير واقعي شئنا أم أبينا. ولذلك عدة أسباب، أحدها وهو مهم جدًّا مشكلة الثقة التي هي حاضرة بغض النظر عن الأسباب، أحدها أيضاً أن الأزمة قد تم تدويلها على المستوى الإعلامي والحقوقي والسياسي وصار هناك عدة جهات تنتظر وتحث على إيجاد حل عبر حوار ذي مغزى يتمكن من حل المشكلة، سبب آخر هو أن البحرين وأزمتها هي جزء من سياق جغرافي واقتصادي يفرض حداً أدنى وأقصى للحلول المرجوة ويخرج الخيار من كونه محلياً ويظل السقف خاضعاً لتجاذبات تشبه تجاذبات الحل في لبنان فموجة ترفع هذا الطرف وأخرى تدفع بتصلب الطرف الآخر.
هل يدرك الفرقاء هذا؟ نعم يدركون هذا جيداً ولكن السعي بين أكبر ربح وأقل كلفة يفرض التمترس خلف كلمة التوافق والحل البحريني وكلمة وست منستر وإلا فلا هذا ولا ذاك في وارد تقديم الحل الواقعي.
ما نتمناه في ظل وضع كهذا هو أن يتم تحرير الحياة اليومية من هاجس المصادمات لأن السياسيين إن صدقوا في قولهم أن هذا هو السبيل الذي لا غيره عندهم وقد ركبوا اعجاز الإبل وإن طال السرى وأنهم قد أحرقوا سفن العودة فإنه يجب مساعدة الوضع في العودة إلى طبيعته وأن نرأف بالبحرين، البحرين التي هي البشر كما هي الحجر وكما هي البحر ولكل من هؤلاء حقه علينا، والله من وراء القصد.

الأحد، 5 أغسطس 2012

العقيدة و الإستقطاب








الأحد 5 اغسطس 2012


مسلسل أبناء الرشيد: الامين و المأمون، عمل تاريخي جميل حين تجول في ثناياه تبصر إبداعات في صياغة النص و سبك الأحداث و تركيبها و صنع الأبعاد المركبة لشخصيات هذا العمل، كان من مزاياه الجميلة ندرة تعرضه لبعد منفرد من شخصية معينة، بل كان يحاول توضيح الجوانب المختلفة من أبعاد كل شخصية.  لذا كانت الشخصيات فيه أقرب للواقع من المثالية، فلا شخصية فيه خيرة كالملائكة، و قل أن تكون فيه شخصية اقرب للشياطين. بشر هذا العمل قريبون من البشر، و كاتب العمل ابتعد كثيراً عن تحديد مآل كل شخصية من شخصيات عمله إلى الجنة أو إلى النار كما فعل كتاب كثير من الأعمال، و ترك المشاهد يتصفح بدون أن يقحم القناعات في ذهنه إقحاماً.
 بالتأكيد كانت شخصية العمل الأساسية شخصية المأمون الذي كان منكباً على العلم و المعرفة و مخالطة عامة الناس مع إخفاء حقيقة شخصيته، بيد أن الناس كانت تعلم أنه ابن الرشيد. كان أقرب إلى قلب أبيه إلا أن الأعراف اقتضت أن يكون هو ولي العهد الثاني حيث كان الأمين إبن زوجة الرشيد العباسية زبيدة بينما كان المأمون إبن أمة فارسية، مما اقتضى تأخيره في ولاية العهد ليكون ثانياً.
 يسهب العمل في تصوير صراع المصالح داخل البلاط و بين كبار رجال الحاشية، و ولاة الأمصار و كيف يعد كل من هؤلاء الدسائس للآخر و الحيل المختلفة و الوشايات معتمدين على الفضائح و الزلات و الأهواء التي ترتبط بهؤلاء الشخوص، حتى تحين نكبة كل منهم على يد الآخر، و تتوالى عهود كل من هؤلاء الرجال بتوالي نكبات من قبلهم و تدور الأيام عليهم بين صعود و هبوط و تقريب و تبعيد و تولية أمر و عزل.
 و تستمر الأحداث من عهد الرشيد إلى الأمين حتى يصل المأمون إلى الحكم، فيقوم بتقريب العلماء، و هنا تتضح المعالم السياسية للمشاريع الثقافية، فيتبدى كيف تكون توجهاته من أمثال تقريب العلماء درءاً لفتنة هنا أو تقوية لضعف الدولة هناك. فالمأمون الذي لم يكن على مذهب التشيع أظهر قرباً له حتى جعل ولاية العهد في الإمام الثامن للشيعة الإمامية و هو الإمام علي بن موسى الرضا. و في سياق المسلسل يتضح بجلاء أن هذا التمذهب ليس دينياً و إنما سياسي، فالمأمون بحسب المسلسل ارتأى أن ذلك يجعله أقرب للشيعة، و معروف أنهم كانوا حانقين من أبيه الرشيد الذي قضى والد الرضا في سجونه.
 ثم ما يلبث أمر ولاية العهد أن يثير حفيظة العباسيين فيحركوا الفتن في بغداد عاصمة الرشيد و يخلعوا طاعتهم عن ابن أخيهم، فيتحرك المأمون بنفسه إليها و يبدأ بمجالدتهم و محاربتهم حتى يخمد أوار تلك الفتنة، فيقوم بإشغال الرعية من نخب و عوام بأنفسهم في صراع عقائدي حول مسألة خلق القرآن، ليضع الناس في فتنة ظاهرها و إطارها العام ديني ثقافي، و مقصدها إلهاء الناس عنه و عن حكمه و وضع مخالفيه تحت طائلة سيفه و سوطه.
 يأتي بعد ذلك هجوم الروم على بعض ثغور الدولة، فيشار عليه أن يوجه الحملات لحرب الروم لأن في ذلك ردعاً لهم من ناحية، و جمعاً لكلمة رعيته من ناحية، خاصة و الفتن و الصراعات تدب في كل المفاصل و النواحي، و الأمر لا يكاد يستتب في منطقة حتى تتحرك الإحتجاجات و الدعوات في مناطق أخرى.
 يوضح المسلسل من خلال هذه الأمثلة على الإستقطاب و استغلال الدين في توجيه السياسة و تغطيتها كيف أن الدولة في زمان المأمون و غيره من ملوك الدولة العباسية أو الأموية كانت تستفيد من الدين في جمع شعثها و توحيد صفوفها. و حتى اليوم فلم تختلف حرب المأمون على الروم عن قيام فرنسا و تونس بمحاربة الحجاب أو قيام سويسرا بمنع المآذن أو قيام الدول بنشر دعاة المذاهب على القنوات. هذه الدعوات كلها ليست دعوات أفكار و إنما دعوات صنع أقطاب، تتحول فيها الأفكار إلى شركة تجارية مملوكة لدولة أو علامة تجارية مسجلة، أو ناد رياضي قوي يتعصب له الجمهور و تخرج نية التقرب إلى الله من الفكرة و تتحول إلى أنا متضخمة تجذب حولها ذوات ملايين الأفراد يتحولون إلى قطعان أو ذرات غبار تصنع جبلاً لا قيمة لها في ذاتها و إنما القيمة لها في مجموعها، و قد خلقت فرادى ثم جمعت شيعاً و أحزاباً يحارب بعضها بعضاً لخدمة هذه الأقطاب التي يدعي كل منها أنه في خدمة الدين أو الإنسانية أو العدالة، بينما هو في خدمة الفرقة و أو في خدمة وجود أو بقاء منفرد لمصالح منفردة مركزية.
هذه القطيعة ربما كان سببها الجهر بدعوات و العمل لخدمة هذه الدعوات، بدلاً من أن تكون الدعوات خادمة للهدف الأسمى فتشتمل على نكران ذواتها، و هنا يكون رياؤها هو الحقيقة فيما المعلن عن جوهرها كذباً، و ربما لهذا قيل قديماً أن كونوا دعاة بغير ألسنتكم. و رمضان كريم.

الأربعاء، 1 أغسطس 2012

ساهر الليل






الأربعاء 01 أغسطس 2012

لا تخلو خارطة الأعمال الفنية الرمضانية في صيغتها السنوية من أعمال تستدعي الإهتمام. فبين الأعمال التاريخية والدينية إلى الدرامية و الإجتماعية حتى برامج الفكاهة الخفيفة، تبرز أعمال تعالج قضايا تمس بعض شؤون المجتمع المعاصرة بوجه من الوجوه.
 في هذا العام برز عمل ساهر الليل بالنسبة للمشاهد الخليجي كعمل ذي أهمية حيث يؤرخ بصورة مقربة ما جرى في الكويت إبان الإحتلال العراقي في مطلع تسعينات القرن الفائت. العمل الذي يحكي قصة أسرة كويتية يداهمها الإحتلال و يشرح ظروفها كمثال لما تعرض له كل الكويتيين في تلك الفترة المظلمة.
 وبالطبع فإن الأعمال التي أرخت لتلك الفترة  تركزت أكثر ما يكون في المسرحيات و البرامج الكوميدية التي ركزت على جانب ساخر من شخصية صدام حسين نفسه و طال بعضها السخرية من العراقيين أنفسهم، و تعرضت بعض المسلسلات لذكر موضوع الأسرى آنذاك ذكراً عرضياً غير مسهب.
 و بغض النظر عن  مستوى النص و الإخراج الذي لست بصدده كوني أولاً غير متابع قريب للمسلسل، و ثانياً كوني غير مختص في مجال النقد، يتركز نقدي له على المستوى الإنطباعي كمشاهد أو مواطن خليجي عادي. فإن أكثر ما راقني في هذا العمل هو توقيته، فهو يأتي ليذكر الخليجيين عموماً و الكويتيين خصوصاً بالجرائم الفظيعة التي اقترفها نظام صدام في حق جيرانه، في فترة نسيها الكثيرون أو تناسوها، حتى تكلم الكثير من الكتبة و المنظرون عن شخصية صدام و اختلاق بعد قومي لا يشرف بحمله، أو الحديث عن بعد طائفي في فزاعته التي انقضى زمانها و قبرت.
 في هذا الزمان الذي نرى طائفيين لا يتحرجون من الإشادة بمناقب المهيب الجرذ الذي تعدى على جيرانه من عرب و عجم، و فتك بشعبه دون تفرقة، فما سلمت من أذاه طائفة ولا قومية من القوميات ولا حزب من الأحزاب. عانى العراقيون في زمانه و ذاقوا الأمرين بين الحروب و الحصارات و المجاعات فيما هو يختبئ في برجه العاجي و رفاهيته الباذخة.
 لا يستحي هؤلاء من الإشادة بذكره و كأن عشرين عاماً كانت كافية لننسى – نحن أطفال ذلك الوقت- صافرات الإنذار و مخاوف أسلحته الكيماوية التي أباد بها الأكراد و أشرطة اللاصق التي ما زالت آثارها على نوافذ بيوتنا جميعاً دون فرق. لم ننس ما حملناه للمدارس من تموينات لساعة الإحتياط، و ما عرض في الأسواق من أقنعة مضادة للغاز. كيف ننسى و إن كان ما مسنا من الخوف لا يقارن بما مس إخواننا في الكويت التي هي عزيزة على قلب كل مواطن في هذا الخليج، و ما مسهم من الكرب و الأسر و القتل و التهجير.
 نعم، نشيد بهذا الجانب من هذا العمل الفني، و نقول يجب أن لا تغيب هذه الذكرى، لأن الأمة التي تنسى بهذه السرعة تاريخها الحديث هي أمة بائسة. و رمضان كريم.