الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

سنوات يزيد الثلاث





الأربعاء 21 نوفمبر 2012

رغم أنه من أقصر الحكام عهداً، إلا أن يزيد بن معاوية استطاع خلال ثلاث سنوات أن يصير الحاكم الذي لا ينساه الناس ولو بالسيء من السيرة. فقد كانت كل سنة من سنوات حكمه مذكورة بحدث خطير ليس له سابقة في تاريخ الإسلام. ففي أولها قام بقتل السبط الشهيد في كربلاء و سبي من بقي من ذريته و نسائه إلى الكوفة و من ثم الشام، و من ثم أمر بإعادتهم إلى المدينة المنورة. سار ركب السبايا من آل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم على نوق عجفاء بلا هوادج، و القيود تحيط بأطرافهم حتى أدمت الجامعة (قيد الرقبة) عنق زين العابدين، و يقدم الركب حملة الرؤوس يحملون الرؤوس المقطوعة على أسنة الرماح و أولها رأس الحسين بن فاطمة بضعة المصطفى عليه الصلاة والسلام.
في تلك الرحلة الطويلة رأت قافلة الحسين مناظر لم تكن لتجري على أسرى الفرس أو الروم أو الترك، ففي أمة “إرحموا عزيز قوم ذل” و في أمة “المثلة حرام” و في أمة “الناس اثنان، أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق” لا تقطع الجيوش شجراً و لا تقتل أسيراً. في أمة يهتف داعيها يوم فتح مكة و تطهيرها من دنس الأصنام يدعو الداعي “اليوم يوم المرحمة”، و يدعو الداعي لأعتى طغاة الكفر و العدوان “إذهبوا فانتم الطلقاء”.
رأت هذه القافلة الحرمان من الماء حتى يهلك الطفل و الطفلة من العطش، و يقضي ابن بنت رسول الله و لسانه كالخشبة من شدة العطش، رأت كيف يذبح الرضيع بسهم في أوداج عنقه، رأت كيف يذبح الحسين من القفا إمعاناً في الأذى و التشفي من اللعين شمر بن ذي الجوشن. رأت كيف يرض جسده بالخيل و يلقى مع أهله و أصحابه بلا دفن و لا تجهيز. ثم ما تلا هذه الفواجع من حرق الخيام و تشريد النساء و الأطفال في الفلوات في ليلة فقدهم لأحبتهم، ثم هجوم الجيش لسلب الأطفال و النساء و الأجساد المرملة على صعيد كربلاء، حتى قطع أحدهم خنصر سيد شباب أهل الجنة طلباً لخاتم في يده.
في سنة أخرى يحاصر الجيش الأموي المدينة و تستباح ثلاثة أيام يعيث فيها هذا الجيش الجرار فساداً، من قتل و سلب و تنكيل و انتهاك للحرمات في واقعة اشتهرت في تاريخ الإسلام بواقعة الحرة. هذه الواقعة التي انتهت بمقتلة عظيمة من أهل المدينة فيهم الصحابي وفيهم التابعي حتى فاق القتلى يومها عشرة آلاف، سبعمائة منهم من وجوه المهاجرين و الأنصار. ثم أخذت البيعة على من بقي من الناس على أنهم عبيد ليزيد بن معاوية.
و كفى بهذه البيعة فجوراً على أناس بايعوا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أنه لا إله إلا الله و أنه عبده و رسوله، و أن يكفوا عن محارم الله، فيصيرهم مملوكين له ببيعة فاجرة لا يقرها دين ولا خلق و لا أصل شريف.
في سنته الثالثة حاصر جيش يزيد مكة طلباً لمناوئيه من الزبيريين و نصبت المنجنيق لضربهم بها فتحصنوا بالكعبة. و هنا رمى الجيش الكعبة بالمنجنيق فأحرقت، و دام حصار مكة عدة شهور، حتى بلغ الجيش خبر موت يزيد، فانفكوا عن الحصار عائدين إلى ديارهم مخذولين.
هذه السنوات الثلاث بأحداثها المفجعة، التي يكفي أي منها لتسويد وجه التاريخ فضلاً عن تاريخ يزيد الذي قال فيه أصحاب التاريخ من كافة المشارب ما قالوا من تجاهره بالفسوق و قول كلمة الكفر في محافل عديدة ليس أيسرها تمثله  أمام رأس الحسين المقطوع بأبيات ابن الزبعري:
ليت أشياخي ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلّوا واستهلّوا فرحا
ثمّ قالوا يا يزيد لا تشلّ
قد قتلنا القرم من ساداتهم
وعدلنا ميل بدر فاعتدل

ثم زاد فيها من قوله كما يروي الشعبي:
لعبت هاشم بالملك فلا
خبر جاء ولا وحي نزل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق