الأحد 2 ديسمبر 2012
كنت ذلك الطفل الصغير ذو الأعوام التسعة المحب للقراءة الذي أخذه الفضول ليلتقط ورقة ملقاة على مدخل المنزل، وفتحتها فإذا هي تروي قصة عن معجزة حصلت لفتاة شفيت من مرضها العضال ثم كتبت قصتها وارسلتها إلى عشرة أشخاص طالبة من كل منهم أن يعيد النسخ حتى تنتشر القصة وتصل إلى الناس جميعاً، ثم تحذر الرسالة من يتهاون في النسخ بمصائب قد تلحقه كما حصل لتاجر تجاهلها وخسر تجارته. وتبشر من يعيد نشرها كما حصل لذلك الفقير الذي تجاوب معها فعلا نجمه وسعد طالعه وصار من علية القوم بفضل الرسالة الإعجازية واليقين بها واحترام محتواها ونسخه.
وبالطبع كوني أكره النسخ فقد أخذت الرسالة معي إلى صديقي أشكو ما سيطالني من النسخ وأطلعه على ما تحتويه من موضوع مثير، وكطفل أحسست حينها أن الرسالة نداء من القدر وحظية عظيمة. وقبل أن نباشر في نسخ أي كلمة من كلمات الرسالة جاءنا جواب تساؤلنا من ثقة، أن هذه الرسائل وأمثالها كلام فارغ ومضيعة وقت وجهد. ارتحت حينها وبقيت القصة عالقة في ذهني منذ ذاك الحين وما فكرت بعدها أبداً في التعاطي مع هذه الترهات.
يمر الزمان وتظهر رسائل الإيميل بنفس المضمون، ولكن النسخ أسهل بالتأكيد، ثم الواتس اب وغيره من وسائل التواصل، ومازالت الأسطورة مستمرة، ومازلت أضحك على كل رسالة من هذا النوع دون أن أكلف نفسي عناء مسحها فضلاً عن إرسالها.
عدة أمور طريفة في هذا النوع من الرسائل، أولها أنها كمعجزة افتقرت للانتشار عبر ألسن الناس فأخذت تستجدي النشر عبر وسائل التواصل. ثم انها تفترض لنفسها أثراً غيبياً على مصائر من يتعاملون معها بالنشر أو بالتجاهل. والأروع أنها تفترض لنفسها القدرة على منح الثواب للناس مع عبارة “انشر تؤجر” وكأن أحد أعمال البر والسنن صار نسخ الرسائل وتوزيعها.
فكرت في غرض هذا النوع من الرسائل فوجدت أنها تخدم الأغراض التالية، فمن ذلك تنمية العقلية الخرافية عند الناس ومنه تهيئة قنوات لبث الإشاعات وتوسعتها وإبقائها دوماً مستعدة لنشر المزيد من الرسائل والإشاعات. حتى صرنا والحمد للذي لا يحمد على مكروه سواه مجتمع إشاعة من الدرجة الأولى، بحيث تنتشر رسائل تحتوي شائعات ينقض مطلعها خاتمتها ولكننا لا نجد غضاضة في الإيمان بها وتصديقها. وبالرغم من أننا نعيش زمنا تكاد تجد فيه كل مصادر الأخبار لها حضور عبر مواقع معتمدة للتصفح وفي وسائل التواصل إلا أننا نتجاهلها لنأخذ بإشاعة عبر الواتس اب لا يعرف لها مصدر ولا أساس. لا نتفكر في تعقل الخبر والتفكر فيه إنما نسارع بإرساله لنكون سباقين في الحماقة.
أكتب هذه الكلمات وشائعات طريفة بعينها تمر بذهني، لا أدري كيف تناقلها الناس حتى كادت في حينها تكون عند متناقليها يقيناً رغم سخفها واستهزاء من ألفها بعقول الناس وكأنه يكتبها وهو يدلي لسانه هازئاً في خبث.
ويدليه بخبث أكبر وهو يكتب عبارة “انشر تؤجر”.
آخر الوحي:
يصير من تيس الصخل تحلب حليب
يصير هندي بالبدو يرهم خطيب؟
يصير هرفي من لحم يفترس ذيب
يصير تكسب من عدو أمنية؟!
يصير بالمنخل تسد عين الشمس
يصير لحم الكلب طاهر مو نجس؟
يصير عالم من غبي ياخذ درس
يصير تعرف داخل الرقية؟!
عبود الكرخي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق