الأحد، 23 ديسمبر 2012

النهاية






الأحد 23 ديسمبر 2012


في ذلك الجانب المختص بالتخيل في عقل الإنسان يكمن مخرج محترف يكرر تخيل أفكار مجنونة تبني نفسها على أساس من ظلال الواقع، وتحليل الواقع وما فيه من وهن، يصورها الشاعر والخطيب باستعارات وتشبيهات ويصوغها الرسام على شكل خطوط وألوان ويغرق المخرج في فكرة توصل المفارقة التي يراها في الواقع عبر مفارقة شبيهة يجدها في أفكاره المجنونة.
كثيرا ما يمر بفكره التشبيه الذي يقول إن الحياة مسرحية هزلية، وان الأشخاص الذين يمثلون فيها هم نحن، ورغم أنه يؤمن أن الحياة لو قدر لها أن تكون مسرحية، فهي إن لم تكن دراما سوداء، فهي كوميديا سوداء من النوع المضحك المبكي. وحين يمر هذا التشبيه بخياله، يتخيل في كل مرة أن الممثلين على هذه الخشبة يمثلون مسرحيات عدة وأدوارا مختلفة، ولا يستبعد أبداً أن يلتقي مرة بأحد من رآهم يمثلون دوراً ليجدهم يقومون بدور آخر.
ربما ليس من قبيل أن يمثل أحدهم شخصيتين مختلفتين بالخير والشر، فذلك أسهل بكثير من أن يكون أمراً يتخيله المرء وينتشي بتصوره في خياله. هذا التعارض أقرب ما يكون إلى انفصام الشخصية أو ازدواجها وهو مرض قل اليوم أن يخلو أحدنا من نسبة منه، وربما حتى في الأمس والغد.
ما يتخيله هذا المخرج أن يلتقي يوماً بشخص يعرفه تمام المعرفة وقد كان يعرفه معلماً للأجيال أو خبيراً اقتصاديا معروفا أو شاعرا بليغاً أو خطيباً مفوها، ليجده باسم آخر ويحمل دوراً مغايراً في المجتمع. وبالطبع سيصر عليه أنه يعرفه فيما ينكر ذلك الممثل معرفته به ويخبره أنه يخلق من الشبه أربعين، ويظل كل منهما متمسكا برأيه محملقا بالآخر بينما أفكاره تتسارع وهي تعيد شريط ذكريات يؤكد بلا جدوى سابق المعرفة.
أما حين نبتعد عن البعد التصويري إلى البعد الفكري، وإلى التحولات الفكرية التي تطرأ على الإنسان، وكيف ينتقل من معاداة فكرة إلى تقمصها ومن الهجوم على عقيدة إلى اليقين بها ومن الاستهزاء بموقف إلى الإغراق في الوقوع فيه. كل هذا يؤكد نقلة في الدور الذي يمثله المرء إلى دور آخر دون أن يتغير الاسم ولا الوظيفة الظاهرية في الحياة، إلا أنك ولا شك تكون أمام إنسان مختلف ليس الذي تعرفه فكراً.
وبغض النظر عن مشروعية التحول في التفكير عند المرء، فلا شك أن الإنسان يستطيع أن يتبنى أي فكرة ثم ينتقل إلى نقيضها، والعيب الوحيد هو أن يعتقد فكرة ونقيضها في آن واحد، فهو حين ذاك يكون قد تخلى عن جزء كبير من قدراته العقلية.
كما لم يتخيل مخرجنا أبداً دورا لعادل أدهم يكون فيه رجلاً خيراً، فهو لا يتخيل لرجل القانون أن يعمل لانتهاك القانون أو رجل الدين وهو يحارب الدين أو مدرب الكرة وهو يعامل الكرة بقلة احترام وأنها لهو مجرد. لم يتخيل أن يكون المدافع عن حرية الرأي داعيا لقمع أي رأي مختلف، ولم يتخيل أن يجد أمامه جنبلاطيين أكثر من جنبلاط.
يبقى أن المخرج حين يخرج علينا بمفارقة فهو يدخر لنهاية الفيلم مفارقة أخرى تحل اللبس القائم وتجعل الدور الآخر منطقيا، ترى هل هناك من منطق يقنعنا بما نراه كل يوم من العجائب والتقلبات التي تشبه جو البحرين في شدتها. لننتظر ونرى، فللزمان دورته الدائرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق