مدائن صالح (الحجر)
الأحد 24 مارس 2013
في النظرة إلى آثار الأمم السابقة، و ما تركوه من عمارة و ما يدل على حضاراتهم التي سادت ثم بادت اختلفت الآراء و المواقف. فهناك من يقف موقف ضرورة إزالتها لأسباب أو أخرى، فالبعض يعتبرها شركيات، و البعض يعتبرها بدعا فيما يراها آخرون تراثاً إنسانياً عظيماً يجب المحافظة عليه، و بين هذه النظرة و تلك مسافة شاسعة من الموقف يمكن التأمل فيه والبحث للوقوف على الموقف الصحيح.
فهل هناك حكمة إلهية من بقاء هذه الآثار و ضرورة للحفاظ عليها، أم أنها اختبار للمؤمنين ليبلوهم ماذا يصنعون بها و هل يتمون إزالتها ليقضوا على الشرك أم يبقونها فيواصلون مسيرة عبادة الأوثان، أسئلة تحيط بهذا الموضوع و تتيه فيها العقول منتجة نتائج قد لا تتسق مع الدين ولا تتفق مع مبادئه إلا بحسب فرضيات لا يمكنها أن تصمد أمام أبسط المناقشات.
وقد لا يتمكن هذا المقال من إيجاد إجابة شافية، لعدم الإختصاص في الموضوع، إلا أنه على الأقل سيطرق طريق التأمل و التساؤل و للمتخصصين أن يخرجوا لنا بإجابات نستفيد منها، في نظرة الشريعة لهذا الموضوع، و الذي صرنا في جدل لا ينتهي فيه بسبب عدم المعالجة الشرعية الشافية لها.
أحيانا يتم إزالة آثار على اعتبار أنها وثنيات أو شركيات، والحال أن الديانات المرتبطة بها بائدة و لا يوجد مخلوق عاكف على عبادتها، فهل تعتبر هذه الآثار مما يجب إزالته؟
الآيات التي أكدت على مضمون “أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم”، و بعضها تكمل “كانوا أشد منهم قوة و أثاروا الأرض و عمروها أكثر مما عمروها”. ألا تنطبق هذه الآيات على آثار كثير من الحضارات و منها حضارة مصر القديمة التي مازال العلماء متحيرين من صنعة أهراماتها و يحملون الكثير من الأسئلة حول هندستها و بنائها و كيف تم نقل أحجارها و العديد من الأسئلة التي لم يجد العلماء لها جوابا.
بل أن آثارا كقرى قوم لوط و مدائن صالح و غيرها تؤكد لنا حقائق ذكرها القرآن تتأكد دقتها مع البحث يوما بعد يوم، كما تحمل معها العبرة و العظة. و في آية تخاطب فرعون “ فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية و إن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون”. فهذه الآية التي تؤكد بقاء جسم فرعون و التساؤل هل هو بقاؤه بعد الغرق حينها أو أنه باق إلى اليوم، و هل الموجود اليوم في المتحف هو بالفعل فرعون المعروف بفرعون موسى و الذي أعلن عن نفسه أنه الرب الأعلى و سخر المؤمنين حتى نزلت به آيات البلاء من الدم و القمل و الضفادع و غيرها حتى أغرقه الله بعد شق اليم بعصا موسى؟
ثم أليست الآثار الإسلامية التي تبين لنا تاريخ الإسلام أحق بالتخليد و الإهتمام و المحافظة عليها في مشارق الأرض و مغاربها و بالخصوص في جزيرة العرب و الحجاز مهد الإسلام. التساؤل الذي يدور بذهني، هل هناك متحف إسلامي في أول عاصمة له و هي المدينة المنورة أم أننا نكتفي فقط بالحفاظ على الأماكن المرتبطة بالمناسك فيما تسافر آثارنا إلى متاحف أوربا و أمريكا و نحن أولى بها من سوانا؟
أسئلة كثيرة منشؤها واقعنا الذي نعيشه و نرى كيف تختفي آثارنا الإسلامية و العربية فيما يتواصل و يتعمق الإهتمام بآثار الآخرين و نصر على تاريخنا و تراثنا دفناً دفنا. والله من وراء القصد.
آخر الوحي:
فأرى مغانم لو أشاء حويتها
فيصدني عنها الحيا و تكرمي
و مدجج كره الكماة نزاله
لا ممعن هربا ولا مستسلم
جادت له كفي بعاجل طعنة
بمثقف صدق الكعوب مقوم
عنترة بن شداد