الأحد، 21 أبريل 2013

غرشة الشامبو




الأحد 21 أبريل 2013


وبينما أنا أتصفح جريدة “البلاد”، رأيت كاريكاتيرا بعنوان الحل الأخير، يشير فيه رجل لآخر على عدد من القبور التي تحمل أرقام عناوين سكنية وهو يقول له “هذا الموجود، واحتسب الأجر، ولك الجنة إن شاء الله”، فقلت حينها لله در البحريني من إنسان.
فربما لا يكون البحريني هو الأول في هذا المجال، ولكنه حتما له شرف كونه من الرواد فيه. له شرف الاحتيال على غرشة - قارورة باللهجة الدارجة- الشامبو ليجبرها على استخراج ما فيها من بقايا البقايا عن طريق اضافة الماء إلى محتواها فيزيد من سيولته ويحصل منها على حمامه الأخير قبل أن يستفيد من القارورة نفسها بفائدة ما لا يعدمها وحتما لن تلاقي مصيرها إلى سلة المهملات إلا وقد ضمن أنها عديمة شبح الفائدة فضلاً عن الفائدة نفسها.
وهو البحريني من أقصى البلاد إلى أقصاها الذي قام بتوحيد مكيال الأرز في علبة الأناناس الفارغة فصارت هي وحدة القياس لمكاييل الطبخ عند كل بيت وكل أسرة، وأمست لهذه العلبة فائدتها وقيمتها بعد فراغها من قدوع – ما يقدم للضيف باللهجة الدارجة- تم تقديمه في ذلك اليوم للضيوف.
هو البحريني الذي يأكل رطب النخلة ويشرب نواها مطحونا في دلال القهوة ويبني من جذوعها وجريدها ويفرش من أوراقها ويكنس بيته بعذوقها ويصنع حلواه من دبسها ويستفيد حتى من جدبها حين تذوي وتنعدم فائدتها.
وهو نفسه البحريني الذي أخذ يجمع علب المشروبات الغازية ليبيعها ويستفيد من تدويرها بما يمكن أن يفيده منها. وهو نفسه الذي حين جاء عصر الإنترنت وصار التواصل ضرورة مكلفة قام بصنع الشبكات لتوزيع الخدمة ونشرها حتى كادت تبز شركات اتصالات وتوزيع في زمان لم يكن مجال الاتصالات مفتوحا للمنافسة، فصارت كل قرية مترامية الأطراف في شبكة واحدة من أقصاها لأقصاها.
وهو نفسه الذي صار في هذا الزمان إن تمنى الحصول على سيارة أحلامه بحث في مزادات الفضاء الإلكتروني عن سيارة من طرازها أصابها فيضان أو كارثة طبيعية ليشتريها بعيبها ويتولى هو إصلاحها فكانت العبارة المشهورة “تبيعه بخرابه؟”، أي هل تبيع الغرض بعلته، تسري دون أي حرج يذكر.
نعم، البحريني يدبر نفسه، وربنا هو الرزاق، إلا أن هذا لا يعني أن نصوغ الخدمات المقدمة له على هذا الأساس، فهو يبقى إنسانا عاديا يكدح ليعيش ولكنه لا يصنع المعجزات ولا يغير نظام الكون. ولنأخذ مثلاً بالخدمات الإسكانية وهي أم العلل، الكلام فيها مكرور والعيب فيها مشهور.
لقد صار البحريني مولوداً وفي فمه ملعقة من ذهب حين يكون والده قد بنى له فوق بيته غرفة أو شقة يتزوج فيها حتى يحين الفرج، ولكنه من المنتظرين إن شاء الله. ودون الإطالة في الكلام على خيار الانتظار الطويل بسبب وعود الوزارة بتقصير المدة إلى خمس سنوات بعد خمس سنوات من الآن. هذا بعد أن صار نصف الأسر البحرينية واقفاً في طابور الطلبات وكأن الطلبات قد تراكمت فجأة.
وفي حين تكون أسعار الأراضي بالأحجام المعقولة في أدنى ما تكون بخمسين ألفاً وتتفاوت بعد ذلك بين المناطق، يكون سقف القروض لشراء بيت وأكرر بيت هو في أفضل حالاته ستين ألفاً، وهو غير متوفر بالمناسبة للجميع إلا إلى مداخيل معينة، وكأن المبلغ أساساً كاف ليلبي حاجة المواطن. بل إن الأدهى والأمر أن تملك الأراضي في بعض المشاريع الإسكانية الحكومية يكلف للوحدة الواحدة ما يفوق هذا المبلغ بكثير كالفرق بين الخمسين والمائة. ونفس هذه الخدمات تجعل المرء بين خيارات أحلاها مر.
هذا هو الحال اليوم، وعلى البحريني أن يفكر في حل لمشاكله وأن يتذكر دوماً أن قارورة الشامبو يمكن عصرها أكثر، فإذا جفت فإن في ورق السدر وقشور البطيخ وبقايا الليمون مصادر للإلهام.

آخر الوحي:

إن الذي سمك السماء بنى لنا   بيتاً دعائمه أعز وأطول
بيتا بناه لنا المليك وما بنى    حكم السماء فإنه لا ينقل
الفرزدق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق