الأحد، 28 أبريل 2013

المصطلح و بنو داروين






الأحد 28 أبريل 2013


رحلة الإنسان والمصطلحات رحلة لا تنتهي، ولا يمكن لنا أن ننهيها بمقال ولا حتى بمجلدات متكاملة في المنطق والفلسفة لو كنا من أهلها. إنما لحاجة كل منا في حياته اليومية وما يمر بعقله من أفكار وما تلاقيه مسيرة حياته من مشكلات، فإنه ولا شك، لا يستغني عن المصطلحات واستخدامها والاتفاق عليها أو الإختلاف فيها.
المصطلح بما هو كلمة أو مفتاح من مفاتيح أحد العلوم أو بعضها، ليس مشكلة في حد ذاته طالما ضبط استخدامه واتفق العقلاء على معناه ومؤداه، ولكنه قد يكون مشكلة كبرى حين يستخدم بلا ضبط، فيتحول الكلام إلى مجموعة من الألغاز أو التعميمات التي يخدع المتكلم بها الآخرين. وهذه الخدعة قد تكون في ادعاء العلم واستخدام المصطلحات في غير محلها فقط لتطعيم الكلام بالعلم ليكون لياً للسان بالعلم ليكون منه وما هو منه. وتارة أخرى تكون الخدعة في تمرير مغالطات مقصودة رغم علم المتكلم بمعنى كل مصطلح منها. قد يصح أن نقول بأن المصطلح داخل نظرية ما يعتبر كائنا مميزا بخواص محددة يعيش في سياق محدد ويقوى في سياق محدد وله تبعاته وله علاقاته من الارتباط والانفكاك والتقارب والتباعد مع المصطلحات الأخرى أو المفردات المكونة للنظرية. وقد يصح أن نقول إنه – أي المصطلح- يمكن تشبيهه بحيوان ما داخل فصيلة من الفصائل الحيوانية في مملكة الحيوان، قد يحمل صفات تتشابه مع بعض الحيوانات الأخرى من فصائل أخرى، إلا أنه مختلف تماما معها في باقي الصفات.
وكما إن الحيوان داخل فصيلته يملك صفات عامة يمكن الاستدلال عامة من الفصيلة عليه، ويمكن التنبؤ بكثير من الفرضيات التي تصدق في أغلب الحالات على سلوكياته وعاداته من خلال دراسة فصيلته. فكذلك المصطلح أو المفردة من نظرية ما، تطرح إجابات ما عن نفسها وتساؤلات عن متعلقاتها من المفردات داخل نفس النظرية.
ضبط المصطلح من عدمه هو ما يدخلنا في جدل موضوعنا المتعلق بالمصطلح والنظرية، وذلك على عدة مستويات. ففي أحد هذه المستويات ندخل في جدل مع من يستخدمون مصطلحات خاصة بنظريات معينة على أنها بدائل لمفاهيم عامة، فيما لا تعدو هذه المصطلحات تسميات لآليات أو نظم أو أدوات في تلك النظريات يرى أصحاب النظريات أنها تمثل الحلول لمشكلات معينة. ومن الأمثلة على ذلك استخدام كلمة الاشتراكية - وهي مصطلح ضمن نظرية متكاملة- كبديل لكلمة العدالة. وبلا شك فإن صاحب النظرية إذا اعتقد أن هذا النمط يمثل حلا لمشكلة توزيع الثروة مثلا، فهذا لا يعني أبدا أن تحل هذه الكلمة محل مفهوم العدالة عند سواه بل ولا عنده هو. إذن فحلول هذا المصطلح مكان المفهوم أو القيمة المسماة بالعدالة لا محل له إلا داخل النظرية، التي قد لا يمكنها تحقيق الهدف المدعى لها. وهنا يقودنا الأمر إلى تطبيق النظرية بأكبر قدر ممكن. ذلك أن كل جزء أو كائن داخل هذه النظرية يقسرنا على إيجاد الكائنات الأخرى التي تعيش داخل نفس المجموعة.
المستوى الآخر وهو الأقرب إلى نظرية داروين، وهو الإدعاء بأن نظريات معينة تنتمي في جذورها إلى تراث أو فكر أو عقيدة المجتمع، كجعل الديمقراطية ذات جذور تنتمي إلى شورى المسلمين، أو جعل الاشتراكية نمطاً إسلاميا كان رواده بعض الصحابة أو الخلفاء، إلى كثير من سوى ذلك من العبث المقصود الذي يشبه في شأنه من يستغل التشابه المزعوم بين صفات القرد والإنسان في وجود اليدين والرجلين، غافلا عن الربط بين الإنسان وسواه ممن يتشابه معه في صفات أخرى كالطيور التي يمكنها تقليد الأصوات أو الحيوانات ذات الذكاء الحاد أو السباع التي تشترك معه في تناول اللحوم أو الحيوانات الاجتماعية التي تعيش في قطعان.
بعد التوضيح للفكرة، فالخطورة في موضوع عدم ضبط المصطلح يكمن فيما يستتبعه الاستخدام للمصطلحات في تزوير الوعي وقسر المجتمع على تبني نظريات غير مقبولة منه، ناسين أو متناسين أن هذه المصطلحات والنظريات تستتبع معها كثير وكثير مما لا يمكن تطبيقه إلا بإعادة تشكيل لمجمل قيم المجتمع وأفكاره ونمط حياته.
نقطة أود التأكيد عليها، هو أن المقال هو تفكير بصوت مسموع ومحاولة لاقتناص المغالطة وتوصيفها بشكل قريب للأذهان، ورغم كونه متعلقا بضبط المصطلحات، فلا ينبغي أن يؤخذ عليه عدم ضبطه لبعض المصطلحات، وإلا دخلنا في جدل عقيم لا يبحث عنه المؤمن الذي يبحث عن ضالته، والله من وراء القصد.
آخر الوحي:
ليس الحظوظ من الجسوم وشكلها    السر كل السر في الأرواح
والصوت من نعم السماء ولم تكن    ترضى السما إلا عن الصداح
حكم القضاء فإن نقمت على القضا    فاضرب بعنقك مدية الجراح


إيليا أبو ماضي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق