الأربعاء 24 أبريل 2013
في إحدى لقطات مسلسل “عودة غوار” ، يقوم الأبطال الأخيار للمسلسل و هم غوار و أبو عنتر بتدبير مؤامرة ضد صديقهم الفاسد تحسين، و في إطار كوميدي يقومون بنصب نقطة تفتيش مفتعلة في طريقه إلى المطار يستخدمون فيه كومبارسات من المسرح الذي يعمل فيه غوار كومبارسا. الدور الوحيد لغوار في هذا المسرح هو البروز قرب نهاية العرض على الخشبة و قول عبارة يتيمة ذات معنى درامي أسود مرتبط بحال غوار في المسلسل و هي عبارة “أمرك، مولاي”. يقول هذه العبارة بعد أن يضرب على خشبة المسرح بالحربة الطويلة التي يحملها في دور الحارس.
في نقطة التفتيش الوهمية، يوقف الكومبارسات تحسين لتعطيله عن الذهاب للمطار بغرض تفويت الرحلة عليه، فيكون رد فعل تحسين إبراز عدد من الطرابيش “أوراق فئة خمسمائة ليرة” للعنصر الأمني المزعوم، و الذي يهتف بكل إستنكار و نخوة “شوو، عم ترشيني ؟؟” ، فيرد عليه تحسين بك بإستنكار مقابل “ شوو، إنته مو من هالبلد؟؟”.
يمضي هذا الموقف بكل بساطة في إطار السيناريو، إلا أن مثل هذه العبارة تستوقف المشاهد مرات و مرات، و تدور في ذهنه، و ربما وجب أن تستوقفنا عند كل ممارسة خاطئة أسست لعرف خاطئ، صار عنده المنكر معروفا و المعروف منكرا. نبدأ بعدها في تلمس ذواتنا و فحص واقعنا باحثين فيه عما هو مقبول و ما الذي جعله مقبولاً بلا مواربة رغم عدم توافقه مع أدنى ضروريات الصواب و المنطق و الحق.
نؤمن بأحقية أي شيء كونه أمراً واقعاً يمكننا الدفاع عنه و التبرير له، و لو شاءت أهواؤنا أو تفتحت بصائرنا ربما كان بإمكاننا أيضا مهاجمته دون أي تردد، فنكون فيه بين موقفي الحارس الكومبارس، أو الشرطي الكومبارس.
ماذا ترانا نرى حولنا من أخطاء كرسها التجاهل و عززها حتى صارت عندنا أمرا معتادا لا يثير حفيظة أحد و لا يستحي فاعله من فعله، لأنه باختصار من هذا البلد، و يعرف أن في هذا البلد لا يعتبر تصرف ما مشيناً. بل ربما كان الأدهى و الأمر من هذا هو أن بعض الصحف و وسائل الإعلام حين يشيع خبر حول خطأ ما، فبدلا من أن تنبري للإستنكار عليه، نجدها تنشر أخبار كل الأخطاء المشابهة في كل بقاع الأرض، فقط لتثبت أن ما يقال عنه أنه خطأ هو في الحقيقة يحصل في كل مكان في الدنيا، و ينسى من يستعير هذا الأسلوب و الإتجاه أن هذه الحجة تعمل في الإتجاهين نفياً و إثباتا، تقوية و تضعيفاً.
عند تلمس الذات و تلمس الخطأ باعتباره خطأ بغض النظر عن العرف الجاري و المنتشر عند الناس، يجد الإنسان شيئاً من الراحة كونه خرج من عباءة التنويم المغناطيسي التي تجعله من أهل هذا البلد و التي تجعله إمعة يهتف لكل ما يسود و ينتشر “أمرك، مولاي”. حين يدخل في عباءة الغربة و التساؤل و التلمس و هذا عادة هو المدخل لطريق يحتمل الصحة و لكنه يضمن شيئاً من الإستقلالية و راحة الضمير. هل تكون هذه الغربة شبيهة بزنزانة “أبوعنتر”؟ ربما و لكنها أكثر أمنا على العقل من فساد تحسين أو الغبن الواقع على غوار. و للحديث صلة.
آخر الوحي:
جسَّ الطبيبُ خافقـي وقـالَ لي : هلْ ها هُنـا الألَـمْ ؟
قُلتُ له: نعَـمْ
فَشـقَّ بالمِشـرَطِ جيبَ معطَفـي
وأخـرَجَ القَلَــمْ!
أحمد مطر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق