الأحد 30 يونيو 2013
كان من جميل أشعار العرب في الحب قول الشاعر قيس بن الملوح:
أمر على الديار ديار ليلى
أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديارا
ولعمري، فإن الإنسان إذا أحب امرئا أحب كل متعلقاته من بيوت وبنين وأخبار وكل شيء يتصل به أو يذكره به. فهل ترى كان تقبيل قيس للجدار جنونا منه؟ أم كان إظهارا لما لا يخفى من حبه؟ هل اعترض عليه أحد؟ هل استنكر أحد شأنه؟ أم قيل إن قوله قول شاعر لا يقاس عليه والشعراء شأنهم المبالغة؟.
وقال آخر:
أحب الأرض تسكنها سليمى
وإن كانت توارثها الجدوب
وما دهري بحب تراب أرض
ولكن من يحل بها حبيب
والغريب أن الإنسان لا يحب الأرض ما لم تكن ذات ماء وخضرة، حتى قيل إن الجمال في ثلاثة، الماء والخضرة والوجه الحسن، إلا أن صاحبنا آثر وجه سليمى فتعشق أرضها الجدباء، لحبه إياها، فهام حبا بتلك الديار القاحلة لا لشيء إلا لأنها تقل على ظهرها سليمى.
وربما كان الأغرب منه تحذيرهم لجميل بن معمر حين رأوا أخا بثينة مقبلا كما يبدو من بيت الشاعر، إلا أن الرجل كان رابط الجأش كما يبدو من رده في أبياته:
وقالوا: يا جميل أتى أخوها
فقلت أتى الحبيب أخو الحبيب
وكان الأدعى أن يعتبر جميل هذا الأخ عذولا، رقيبا، شديد الأذى عليه، لتلازم الأخ والأب مع الغيرة، والحمية، كيف لا وهو يتنفس الشعر في حب بثينة صباحا ومساء، إلا أن ما يفيض به قلبه من محبة لم يترك مجالاً لخوف أو بغض تجاه هذا الأخ.
ومما يشابه ذلك من حب المتعلقات من الأهل والأقارب قول الشاعر:
ومن بينات الحب أن كان أهلها
أحب إلى قلبي وعيني من أهلي
ويبدو أن صاحبنا هذا قد أفاق من حب الأرض الجدباء، فهو قد مالت نفسه إلى أهل من يحب فصاروا عنده أعز من أهله وأحب، ليس أحب لعينه فقط بل أحب لقلبه أيضا.
بل تجاوز غيره ذلك إلى تعلق متعلقات المحبين ببعضها البعض فقال:
وأحبها، وتحبني
ويحب ناقتها بعيري
ورغم أني قد بدأت السطور بالعجب، فلا أدري إن كان تظافر كل هذه الأبيات في تعشق جدران وديار المحبوب، علامة على كونه معنى فطريا حقيقيا، أم أن له لذة في مبالغة الشاعر فحسب؟ أنا أميل للرأي الأول من فطرية المعنى، ومستعد لتقبيل الجدران والاحتفاظ بكل ما هو “من ريحة” من نحب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق