الأحد، 1 سبتمبر 2013

حرب الطماطم




الأحد 1 سبتمبر 2013

تعود العالم أجمع أن يرى كل عام صورا لمهرجان «حرب الطماطم» أو «توماتينا» الذي يقام سنويا في الأربعاء الأخير من شهر أغسطس في إحدى القرى الإسبانية. هذا المهرجان قد بدأ الاحتفال منذ قرابة السبعين عاما، وبدأ في أول الأمر بتحول إحدى المشاجرات بين بعض الشبان إلى تقاذف بالبرتقال والطماطم بعد تبعثره من إحدى العربات. هذا الأمر الذي أخذ السكان يحيونه كل عام، رغم معارضة السلطات المحلية له ومحاربتها لاستمراره. إلا أن محاولات الدولة قد ذهبت عبثا لأكثر من عقد من الزمان، ثم تحول هذا البروتوكول إلى مهرجان قانوني يقام كل عام، وتجلب الشاحنات الطماطم إلى القرية ويهرس لكي لا يكون مؤذيا ثم تبدأ هذه الحرب التي صارت اليوم تجتذب آلاف السياح كل عام وتعتبر حدثا تنقله البرامج التلفزيونية وتعلق عليه باعتباره حدثا فريدا.
رأينا لقطات من هذا الحدث مرارا وتكرارا، وكنا كغيرنا نمتعض في حينها ونحن نرى هذا الخرق والتبذير المرفوض، وربما زاد امتعاضنا في هذه الأيام ونحن نرى أسعار الطماطم المتصاعدة، وكنا دائما نعزو هذه الاحتفالات ونلحقها بعمليات إعدام فوائض الإنتاج الزراعي والساعية للحفاظ على مستويات معينة من الأسعار قد يحطمها وجود الفائض في السوق.
وحقيقة لا أدري أين ذهبت نفوسنا المثالية وحميتنا المستثارة اليوم، والتي كانت تثور من أجل «النعمة» المضاعة والتي تثور وهي ترى هذا السلوك الجاهل في تقاذف ثمرة البندورة اليانعة، حتى يصبغ بها الإسفلت فضلا عن ثياب المشاركين وأجسامهم. أين تذهب الحمية المستثارة التي تغضبها البقع الحمراء الناجمة من تقاذف الطماطم؟ أين تذهب وهي ترانا نصبغ الإسفلت في حروب حقيقة تسيل فيها أنهار دماء حقيقية، تجرف معها الترمل واليتم والثكل ودمار الأوطان. حروب، كان ضحاياها في العراق وحده يفوقون الملايين.
غاضبون من أجل الطماطم، ولكن تنكس الفطرة عندنا لنفرح بمنظر رجل يقضم قلب رجل، وبمنظر رجل ينحر طفلا، وبالدفاع عن طاغية يقتل شعبه وبكل من يفجر نفسه ليتغدى في الجنة أو يفجر الأبرياء ليعجل بهم إلى النار بزعمه. ففي يوم الخميس الفائت وحده، وفي أقل من نصف ساعة تم تفجير قرابة خمس عشرة سيارة مفخخة في مناطق بغداد المختلفة.
عندنا اليوم من السفهاء والمجرمين من لا يساوي عنده دم رجل آخر حتى عصير حبة واحدة من الطماطم، فتسفك الدماء عندنا كل يوم في أقطار العرب والمسلمين بأيديهم وبأيدي غيرهم وباتت خبرا عاديا غير جديد ولا مهم ولا مستنكر وأقل أهمية من أخبار الطرافة والغرابة وبلا شك أقل أهمية من أخبار الرياضة.
وهاهي الحرب تطل برأسها من جديد بشكل مضحك مبك، فخلال العامين الماضيين قتل في سوريا ما لا يقل عن مئة ألف بحسب التقديرات الأممية، فكان كل ما فعلته دول العالم الداعمة للمعارضة والنظام سوى دفع المزيد من السلاح ليشتعل أوار المعارك الطاحنة هناك وتسفك المزيد من الدماء، يوما بعد يوم. أما اليوم فهم يتحركون لضرب سوريا حين قتل أقل من هذا العدد بكثير بسبب نوعية السلاح المستخدم، باعتباره محرما دوليا وبحجج مختلفة. ألهذا الحد رخصت دماؤنا حين تواصل القتال بين السوريين وغيرهم من الأجانب ثلاثة أعوام من أجل الحكم والغلبة فدفع الأبرياء الثمن؟ ألم تتحارب الدول العظمى والأكثر ثروة بالوكالة على ميدان أرض سوريا، لماذا؟ هل دماء المسلمين هي الأرخص؟ هل صار الدم بلا قيمة؟.
ما يثير الحزن أكثر ليس أن تختفي الرحمة من قلوب القتلة وتجار السلاح الذين يلعبون بمصائر الشعوب، ولكن ألا تدرك الشعوب أنفسها أنه يُلعب بها وبدمائها وبمصائرها، فيصير الحقد والكراهية واسترخاص الدم أي دم ينتمي لحزب آخر بعد أن صارت الشعوب أحزابا بمسميات عديدة لا يستنكف أحدها ان يسيل دم الآخر!.
يا من لم تسمحوا للإسبان أن يتقاذفوا حبات الطماطم إلا بعد أن تهرس كي لا يتأذوا، أعيروا هؤلاء القتلة الذين يلعبون بدماء الشعوب، وأعيرونا شيئا من قلوبكم التي لم تنس الرحمة.

آخر الوحي:
إني عرفت من الإنسان ما كانا
 فلست أحمد بعد اليوم إنسانا
بلوته وهو مشتد القوى أسدا
صعب المراس وعند الضعف ثعبانا
تعود الشر حتى لو نبت يده
 عنه إلى الخير سهوا بات حسرانا
خفه قديرا وخفه لا اقتدار له
 فالظلم والغدر إما عز أو هانا
القتل ذنب شنيع غير مغتفر
 والقتل يغفره الإنسان أحيانا
إيليا أبوماضي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق