الأربعاء 29 ديسمبر 2010
في مقال رائع وصادم للغاية تتكلم الدكتورة سحر الموجي عن حالة قد تكون أصابت الجميع. وبنفس عنوان مقالي هذا، قرأته بذهول وأحسست بكل كلمة منه تلامس عمق الروح وتصيب ما قد يكون كبد الحقيقة، إن كان لأحد في علم النفس أن يصيب هذه الكبد.
من منا لم يشعر يوماً أن بهجة الحياة تخفت وتبهت وتتحول ألوانها إلى الرمادي، هذه الحالة التي سنعرف مع التجربة أنها تصيب الكثير من الناس، ولكن هل صحيح أنها تصيبهم عند بدايات حياتهم بالذات؟ تقول الموجي “معظمنا نصحوا ذات يوم وأدركنا أن روحنا ضاعت، يحدث هذا في بدايات حياتنا، في سنوات الصبا والشباب. كلنا نبدأ من النقطة نفسها، رغبتنا في الحصول على الرضا والقبول”. تقول الدكتورة اننا في هذا الخضم ننسى أنفسنا وما نريد وانتماءاتنا الحقيقية وما يرضينا نحن وما يشبع أرواحنا ونتعلم أن المجتمع وما يتوقعه أهم بكثير مما نريده. ثم تسهب الدكتورة في الكلام عن أشكال سرقة الروح وتركز على دور العلاقات السيئة في سرقة الروح وخفوت حيويتها. هذه العلاقات غير المتكافئة التي تمنحنا النقد والانتقاص والتجاهل، فيما تفرض العطاء من طرف واحد. وتجزم الموجي أن الوضع في علاقات الحب والصداقة أسهل من علاقات الدم، إذ يمكن فيها قطع الأواصر التي يصعب إصلاحها واعتبارها ماضياً ننساه. ثم تختم هذا المقال الصادم بقولها “المهم هوالسؤال: هل أرواحنا في حوزتنا، أم انها سرقت في غفلة منا؟ ولماذا سرقت؟ وكيف يمكننا استرجاعها؟ إن العلامة الأكيدة على حضور الروح هي (الحضور) في كل ما نفعل. أن نحب وأن نبكي ونتألم. أن ننفعل ونحلم، ونسعى وراء الحلم... كلها امارات لحضور الروح”. في نفس الخصوص فإن إحدى نظريات علم الأخلاق تقسم مراحل تكوين الوعي الأخلاقي عند الإنسان إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى تتمثل في النظر إلى الثواب والعقاب كحوافز تجعل الإنسان يسعى ليقوم بالتصرف الصحيح طمعاً في الجائزة أو خوفاً من العصا. أما المرحلة الثانية فتتمثل في تصرف الإنسان وفقاً للعرف المجتمعي ولتعريف المجتمع للأخلاق القويمة. المرحلة الثالثة قد لا يبلغها الجميع بنفس المقدار، بل قد لا يبلغها البعض أبداً، وتتمثل في تكوين الإنسان لقيمه الأخلاقية الخاصة به عن طريقة قناعاته المكتسبة وخبراته وما ينطبع في نفسه من المرحلتين الأوليين. ومن حيث التوقيت، فإن المرحلة الثانية قد تكون هي نفسها التي يتكلم عنها المقال المذكور، حين ننظر لذواتنا من منظور المجتمع قبل أن نبدأ بتلمسها تلمساً جديداً يتيح لنا الاستمتاع بحياتنا والشعور بالشغف في كل الأوقات. أما من حيث مسببات خطف الروح كما أحببت أن أسميه، فربما كان ما ذكر في مجال العلاقات كافياً، إلا انني أحب أن أذكر مسببين آخرين، الأول هو تعرض الإنسان للظلم ممن حوله. هذا الشعور بالرفض من الأقربين يفرض على الإنسان أن يسعى بكل ما أوتي من قوة ليثبت نفسه، هذا الشعور بالتهام الذات يفرض على الإنسان استخدام آلياته الدفاعية فيبدأ بالنظر لنفسه من منظور المجتمع مكرهاً على ذلك، فتخطف روحه منه بأبشع ما يكون من خطف. وقد يسلمه ذلك لليأس الأكثر توحشاً، وقديماً قيل أن الدنيا إذا أقبلت على شخص أعطته محاسن غيره، وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه. وأما المسبب الآخر، فقد يكون تعرض الإنسان لصدمة يشعر معها بقفدان الحياة رونقها، فيحس بكونه جسداً هامداً بين الأحياء، قد يكون ذلك عند فقد أحد أهم مقومات الحياة، فقد عزيز على الإنسان قد يكون من المصاديق المهمة لذلك، بالذات مع كبر المساحة التي يشغلها هذا المفقود من فكر الإنسان وعاطفته وكبريائه وثقته بنفسه. ومع هذا الإحساس، لا بد من المبادرة إلى قفل باب الهجرة نحو الداخل، إلغاء حالة الكمون، تقطيع خيوط الشرنقة التي قد بدأت بالتكون، إرجاع الروح المكبلة عبر النظر إلى الأمام حيث المحبة المتوهجة في قلوب المحيطين، والتذكر أن العيب ليس دوماً في الفلاح الذي يزرع المحبة بل كثيراً ما يكون في أرض جدباء تحتاج الكثير من قطرات ماء السماء لتنتعش من جديد. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق