الأربعاء، 7 سبتمبر 2011

فليرمها بحجر






٧ سبتمبر ٢٠١١


جاءوا بها إلى عيسى عليه السلام، يا نبي الله، هذه المرأة جاءت أمراً فرياً، الخطيئة، أدركنا يا نبي الله. وكأن بعض القوم كانت عيونهم تلمع بجذل. وهنا وكما هو متوقع كان الحكم برجمها. ولكن روح الله طلب منهم طلباً غريباً. قال لهم من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر.
طبعاً لا يستطيعون الكذب قبالة رسول عالم الغيب والشهادة، ومن ينبئهم بما يأكلون وما يخزنون لأيام شتائهم ومن رأوا منه المعجزات. ويبدو أن المرأة أطلق سراحها، فإن كان مجتمعها كله خطايا فربما استحقت ما استحقوه من الرحمة والستر.
هل نحمل هذا المنطق الرائع من إصلاح عيوبنا قبل أن نفكر برجم الآخرين على خطاياهم؟ هل نملك هذه الروح الشجاعة النبيلة؟
حين نعدد عيوبهم نقول، أجهضوا الحوار، وخذلوا القيادة ولكن لنكن واقعيين، هل المعارضة وحدها أجهضت هذا الحوار؟ أم أن هناك من أراد امتطاء صهوة الحوار وحاول أخذه في اتجاه ما، قد يعلمه أو لا يعلمه، وهذه طبيعة بشرية، فكل يجر النار إلى قرصه.
مازلت أذكر كلمة أطلقها أحدهم في جريدة أخبار الخليج بتاريخ 15 مارس 2011، وهي - والله على ما أقول شهيد - مازالت تطن في أذني؟ كيف يمكن لمنصف أو عالم أو أي إنسان يحترم منطقه أن يقول مثل هذه العبارة، بل كيف لمنصف أن يسمعها فلا يرد عليه إلا لأمر من أمرين. إما أن يكون الجمهور سعيداً بالعبارة، أو أن يكون حاله “في فمي ماء وهل ينطق من في فيه ماء؟”.
أرجو أن تركزوا معي في الفقرة التالية: “ان الاجتماع الذي جمعه مع عدد من ممثلي الجمعيات السياسية السبع تم الاتفاق من خلاله على طرح بعض القضايا على طاولة الحوار التي دعا إليها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، فيما تم الاختلاف على دعوة تشكيل مجلس تأسيسي وحل الحكومة ونظام الانتخاب لكل فرد صوت” انتهى الاقتباس.
كلام جميل، تلاقي ونقاش واتفاق واختلاف. والاختلاف متوقع، فتحليل القانونيين لإنشاء مجلس تأسيسي قد يفسر الأمر انه يعني قيام دولة جديدة، وهو قد يكون مبالغة في طلب الضمانات. وحل الحكومة فيمكن الاتفاق والاختلاف فيه بحسب معنى حل الحكومة ومؤداه على الأرض والتوقيت.
أما سقطة الاختلاف في حق أن يكون لكل فرد صوت فهي غير مقبولة بتاتاً. فما معنى الرفض؟ هل هو تكريس لاختلاف الحقوق والواجبات بين المواطنين، أم أن هناك درجات من المواطنين لكل منها حقوق مختلفة عن الأخرى؟
أما شرعاً فالحديث النبوي ينص “الناس سواسية كأسنان المشط” فهل أحتاج أن أخبر من تخصصه الشريعة بذلك؟!
وأما دستورياً فالدستور ينص في مادته رقم 18 على ما يلي “الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة”.
وأما كمنطق فلا أعتقد أن هذا الأمر يحتاج إلى شرح، إلا إذا كان المنطق فوقياً استعلائياً طبقياً فعندها لا يمكنه استيعاب هذا الأمر المنطقي الذي هو لب عملية التصويت الانتخابي والعمود الفقري للتمثيل النيابي. ولولاه كمبدأ لا داعي لإنشاء مؤسسات تمثيلية بالانتخاب.
فلتمثل الجمعيات السياسية الوليدة والقديمة من تشاء إلا انها لا تمثل وحدة الوطن بأجمعه ولا تمثلني إن كانت هذه أول مخرجاتها قبل حتى أن تكون مؤسسة مرخصة قانونية. كما لا تمثلني جمعيات المعارضة ولا الكيانات الأخرى غير المرخصة. ليست جمعية طائفية باسمها وربما شمل جمهورها أطياف مختلفة من إسلاميين وليبراليين وبعثيين ويساريين، إلا أن هذا المنطق الاستعلائي يثير كثيراً من الاستفهام حول أن الطائفية يجوز ممارستها ويحرم ذكرها.
وحقيقة لو كنت أنا على طاولة حوار ونقاش وأتاني من يتكلم بهذا المنطق فلن أستطيع أن أتفق معه، وربما اتهمني الآخرون أنني أجهضت وحدي ذلك الحوار وبرءوا الآخر ولكنني سأحترم رأيهم لأن الآخر كما يبدو لا ينطق عن الهوى، بل ليس له هوىً لينطق عنه.
أرجو ممن يحمل وجهة نظر مشابهة للتي نقلتها أن يوضح لي الموضوع لأنني في حيرة بالفعل وأتصور أن ما فهمته غير صحيح.

آخر الوحي:
إذا رمت أن تحيا سليماً مـن الأذى
ودينك موفـور وعِرْضُـكَ صَيِـنّ
لسانك لا تذكر به عـورة امـرئ
فكلـك عـورات وللنـاس ألسـن
وعينـاك إن أبـدت إليـك معايبـاً
فدعها وقل يا عين للنـاس أعيـن
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى
ودافع ولكن بالتـي هـي أحسـن

“الإمام الشافعي”

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق