الأربعاء، 14 سبتمبر 2011

المنصفون











14 سبتمبر 2011

عملة بلا شك نادرة في هذا الزمان وفي كل زمان أولئك الذين ينتصفون لك من أنفسهم أو حتى يقبلون ما يقال فيهم من مثالب قد تمحوها فضيلة الاعتراف والإقرار بها. من يستطيع أن يقف ويقول لك: نعم، أخطأت في كذا ولكنني أصبت في كذا وكذا؟ من يملك أن لا تغلبه شهوة الغلبة في الجدال، فيكون صادقاً مع نفسه قبل أن يكون صادقاً معك؟ من يملك أن يقوم لله وحده ثم يتفكر فيما اعتقده أو قاله أو فعله ليقيسه على مقياس الخطأ والصواب والعدل والظلم؟
حتماً سيكون هناك قلة لمسوا إنسانية الآخرين و يعلمون عدم زيفهم وأنهم صادقون في شكواهم مما يتألمون منه إذ عاشروهم في أفراحهم وأحزانهم وفي كل جزء من تفاصيل حياتهم. لكنه من الصعب أيضاً أن نضع أنفسنا في مكان الآخر ونحمله على أحسن المحامل رغم أن الجميع مسهم القرح والجميع يألمون، ولكن قل لي بربك من يملك في لحظات الغضب، والغضب بالذات أن يضع نفسه مكان الآخر ويحاول إحسان الظن به؟
من يملك أن يراجع نفسه ويضعها في ميزان الخطأ والصواب؟ أهو الأب الذي تجب عليه الشفقة نحو ابنه؟ أم الابن الذي يجب عليه التوقير والإصغاء. ومن أحرى بالنصح، من يستمع أو من لا يستمع؟ سيقول لك: هل ذنب كبريائي ليكسر في أنني أستمع القول؟ هل ذنب عزتي أنني الأرجح عقلاً؟ هل أجرمت إذ صبرت كثيراً؟
كل منهما لا يريد أن يستمع منك، أحدهما بأن يسد أذنه عنك ويشيح بوجهه والآخر بأن يخرسك ربما بلطمة على فاك. وعلى هذا وذاك فكلاهما يطالبك بموقف تجاه الآخر. هل تجرؤ أن تتهم أباك؟ أم ينقصك الحياء فترد على أمك؟ أنت لا ترى ندية ومنافسة بينهما، لكنهما يريانها، ويراك كل منهما ابنه، ويرى تخلفك عن رأيه عقوقاً وهجراناً، ما تراك فاعل؟
إنك بين خيارات أحلاها مر، إما أن تحاول الصلح بينهما، وإما أن تنصر أحدهما على الآخر وكلاهما ظالم لصاحبه ولك. وإما أن تهجرهما جميعاً. وأما الأولى فعسيرة جداً لعمق الخلاف وكثرة الوشاة والمفرقين. وإما تنصر أحدهما دون الآخر ولربما صرت عوناً في غير إنصاف. وأما العزلة فكما يقولون “العزلة دون عين العلم زلة”. وأما أن تهدي لكل منهما عيوبه دون أن تهدم علاقتك معه ولا مع الآخر وترجو طوال ذلك أن ترجع الأمور إلى نصابها.
البعض مع أنه ليس مع أبيه إلا أنه غير راض عن تعامل أمه. أيشهد مع أحدهما فيؤذي بذلك الآخر؟ وربما آذى نفسه مما سيلاقيه من العتب فيما بعد. وقد يكون عتباً ذاتياً أو ما يسمى بعذاب الضمير.
أسألك بالله، لو وجدت ابنك على خطأ ووجدت معه أصحابه، أتقسو عليهم جميعاً، أم تقسو على ابنك وتحذر الآخرين؟ أم لعلك تقسو على الآخرين وتقول لهم أنتم صحبة السوء لهذا الولد الطيب المهذب؟
ربما كان الجميل في ما تربينا عليه أن المحسن يحسن لنفسه والمسيء يسيء لها. وعلى نفس المنوال فإن الظالم يظلم نفسه قبل أي أحد والكاذب يكذب على عقله دون سواه.
كلمة أخيرة، رفقاً بأنفسكم وبإخوانكم وإن كانت الضغائن تعمقت في النفوس فإن ساعة تفكر وتأمل تعيد الإنسان إلى رشده فلا يتمنى خسارة أخيه أو تعرضه للأذى المعنوي أو المادي. لأنه لو حصل لأخيه مكروه فسيخسر نفسه.
كيف ذلك؟ إما أن يصحو بعد فوات الأوان فلا يسامح نفسه أبداً وإما أن يجهز على بقايا ضميره فيخنقه، عندها سيرتاح من أذى الضمير ولكنه لن يعود نفس الإنسان أبداً.

آخر الوحي:
السبت عندي والإثنين كالأحد
 وأمس واليوم في أحزانه كغدِ
وذكرياتي وآلامي وتجربتي
كأنها جمرةٌ لامستها بيدي
إذا نظرت لأمسٍ لا أرى أحداً
 كذلك اليوم ما في الربع من أحد
دعني أنوح على الماضي ولوعته
 فقد حملت به ما فت من عضدي
محمد هادي الحلواجي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق