الأربعاء، 30 مارس 2011

صدى الصوت











الأربعاء 30 مارس 2011

يقال ان التاريخ يعيد نفسه، ويبقى أن الحكمة والموعظة الحسنة هي خير السبل والرفق زينة لكل مجال يدخل فيه.
بعد أن كتبت عدة مقالات أدعم فيها الدخول للحوار وأدعم انتهاج الأساليب الحضارية، فإن لي الحق أن أستعير ما قاله أحد حكماء البحرين في ظروف مشابهة كنا نتمنى أن لا تعيش لها البحرين مثيلاً.
إليكم مجمل الكلمة التي ألقاها العالم الرباني الراحل الشيخ سليمان المدني رحمه الله في 13 سبتمبر 1995.

تساؤلات (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

«الحمد لله كما هو أهله وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله، والسلام عليكم أيها الإخوة جميعا ورحمة الله وبركاته.
كم يسرني أن ألتقي من جديد مع هذه الوجوه المؤمنة، كم يسرني أن ألتقي بكم من جديد في هذا المسجد وبعد غياب وإن كان في عمر الزمن قصيرا إلا أنني أحسبه دهرا طويلا.
ألتقي بكم ولمستم بأنفسكم ورأيتم بأم أعينكم كيف أن ما طرحناه من مبدأ التهدئة وحل الأمور عن طريق التفاهم والتحاور هو الطريق الصحيح الموصل الذي لا بد أن ينتهي الأمر بانتهاجه. كم حوربنا لأننا طرحنا مبدأ الحوار ونبذ العنف والشدة من أي جهة كانت، كم شوه علينا ونحن نقول للناس جميعا سواء كانوا حكاما أو محكومين إن الشدة لن تولد إلا الشدة وإن العنف لن يولّد إلا عنفا، وإن الله سبحانه ما جعل في يوم من الأيام التناحر والتشاجر والتهاتر طريقا طبيعيا للتعامل بين عباده، كم أوذينا وكم افتري علينا ونحن ندعو إلى منهج القرآن ومنهج السنة النبوية في التزام الكلمة الحسنة وفي التعامل باللين والرفق ونبذ الشدة والتفرقة. ولكن يقول سبحانه وتعالى: «فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْض» [1].
ان لم يكن منبرا يدعو إلى الحوار غير هذا المنبر ومنابر أخرى قليلة كلها حوربت وكلها افتري عليها وشوهت، أصبحت كل المنابر وكل الألسنة تصب في مجرى واحد ذلك هو جدول التهدئة والتحاور. بإمكانكم أن ترجعوا إلى كل الخطب التي ألقيت ابتداء من اليوم السادس عشر من شهر ديسمبر في السنة الماضية وانتهاء بآخر جمعة صليت، ارجعوا إليها، اقرءوها، واسمعوا ما يقال اليوم من محاضرات ومن ندوات ومن كلمات لا أقول إنها تتفق معها في المعنى بل هي تردد نفس عباراتها وتحتج بنفس رواياتها وآياتها.
إذا إن هذا المبدأ القرآني هو الذي أثبت نفسه وهو الذي أيده الله بتأييده ونصره بنصره، وهو الذي رأى الناس بعد كل ما حدث أنهم لا بد أن يرجعوا إليه وأن ينتهجوه لعلهم يحققون خيرا لأنفسهم.
كم كنا نرغب، وكم كنا نود أن يلتزم هذا المنهج من البداية، وأن يسار على هذا الدرب من أول الطريق، لكنا تفادينا ذهاب أرواح أبرياء أزهقت، ولَكُنا تفادينا طاقات في المعتقلات والتوقيفات عطلت، ولكنا تفادينا أموالا عامة وخاصة أتلفت، ولكنا تفادينا أن نعود شراذم صغيرة، وفئات لا تزال غير ملتئمة، ولا تزال غير متفقة، ولا تزال القلوب تحقد على بعضها البعض. لو أن صوت العقل وصوت التفكير غلب منذ البداية على صوت المزاجية والعواطف، لكنا استرحنا من كثير مما أصابنا.
وعلى أي حال فنحن نحمد الله سبحانه على هذه العودة وعلى هذا الرجوع إلى منهج القرآن والسنة من كل الناس.
ولا أريد أن أطيل في الكلمة فليس عندي موضوع جاهز أطرحه هذه الليلة ولذلك أترك الباب مفتوحا للأسئلة حتى أوضح ما قد يدور في أذهان كثير من الناس ولا يجدون له جوابا».
أقول ان منهج الرفق والتسامح والكلمة الطيبة هو منهج قرآني، نتعامل وفقه كشريعة ومنهاج وليس على أساس جدواه في التطبيق من عدمها. على ان ذلك لا يمنع أنه الأسلوب الأمثل والأجدى لمعالجة أي مشكلة. رحم الله علماءنا الماضين ورزقنا الاستفادة مما تركوه لنا من تراث عظيم.

آخر الوحي:
«قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ» سورة يوسف -108.

الأربعاء، 23 مارس 2011

إخوة الدم






الأربعاء 23 مارس 2011

كنت أتعجب من القصص المأثورة عن نزغ الشيطان بين الإخوان حتى يتحولوا إلى أعداء متحاربين. فقصة قابيل وهابيل وغيرها من القصص التي تثير مشاعر مختلطة ما بين تعجب من فعل قابيل وبين رحمة لأخيه المغدور دون ذنب. وأكثر من ذلك، كلمة هابيل لأخيه بأنه لا يمكن أن يبسط يده بالأذى لأخيه وإن تهدده هو بالأذى.
تعجبت من قصة إخوة يوسف وكيف نزغ الشيطان بينهم وبين أخيهم، فسعوا إلى التخلص منه وإبعاده؛ ليستأثروا بحب أبيهم، فكانوا دوماً بين خياري قتله وإبعاده. فتارة يخرجونه معهم، وأخرى يرمونه في الجب، وثالثة حين يبيعونه إلى أهل مصر.
وتعجبت بعد ذلك من القصة التي يرويها صديقنا (بوجاسم) والمأثورة في التراث العراقي عن أربعة إخوة عشقوا ابنة خال لهم حتى دعاهم أن يتباروا في الشعر ويبينوا مدى حبهم لها وما يفعلونه من أجل الظفر بها. فقال أولهم:
الحادي فنه يفوت الحادي فنه   دم للركاب يسيل وآخذها منه
فأجابه الثاني: دم للركاب يسيل متعجب إبهاي  بالدم سرى المذبوح متعني لهواي
فقال الثالث: بالدم سرى المذبوح منها وتكفيت  أنا أفتح التابوت وآكل لحم ميت
وهنا صاح الرابع: تأكل لحم ميتين وعيونك تنام؟ أنا أفرز اللحمات وأقرض بالعظام
طبعاً كانت الفتاة من نصيب الرابع الذي هدد إخوته بأكل لحومهم والتشفي بعظامهم.
ويظل تعجبي، لا من قدرة الشيطان على التفريق بين الإخوة، ولكن من غايته من ذلك، لماذا يسعد الشيطان بالفرقة بين الإخوة، فليس الشيطان مخلوقاً عاطفياً ساذجاً بقدر كونه صاحب هدف في حياته المديدة، يكمن في إغراء الخلق من بني آدم باللذات ودفعهم للشرور والآثام.
أعتقد أن هذه الأحقاد والعداوات والفجوات المتكونة من تدمير جسور الثقة تصنع طرقاً ومحاور وأدوات يعمل بها الشيطان ويمر من خلالها أكثر من مروره بين فجوات المصلين وقت صلاة الجماعة، وهذا هو سر سعادة الشيطان بهذه العداوات والخلافات والمشاعر السلبية.
ما أعرفه أن الشيطان وإن حاول، فهو لم يفرق بعد بين الأخوين عبدالهادي وعبدالرحمن، وربما كان هذا مضمون أحد الأصدقاء الخليجيين حين قال لي يوماً مبتدئاً “تأكد يا أخي أننا لا ننظر إلى المذهب سببا للخلاف، فزملاء دراستنا وأصدقاؤنا كثير منهم مثلك” أجبته حينها “أعلم هذا، فالإنسان السوي لا يفعل، وإنما يفرق في الدين من يتكسب من الفرقة، كتاجر السلاح الذي لا يعيش إلا في زمن العداء والحرب، وكتاجر الدين الذي يبيع صكوك الغفران لأتباعه ويحرمها على باقي البشر، وكتاجر السياسة الذي يصنع من الفرقة أصواتاً انتخابية وجماعات من المريدين الذين يهتفون باسمه، كل هؤلاء لا يعيشون إلا ببيع آيات الله بثمن قليل، فهي مصدر قوتهم الفعلي”.
أقول أن الدم الذي يجري في عروق الإخوة واحد، فإذا سمحوا للشيطان بالدخول بينهم أراقوه ليريقوا للشيطان هذه الأخوة، فاتقوا الله في دمائكم، اتقوا الله في دمائكم، اتقوا الله في دمائكم.
آخر الوحي:
وإن الذي بيني وبين بنـي أبـي
وبين بني عمي لمختلـف جـدا
 فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهـم
وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
 وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم
وإن هم هووا غيي هويت لهم رشـدا
 ولا أحمل الحقـد القديـم عليهـم
وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا

“ المقنع الكندي”

الأحد، 20 مارس 2011

الصحافة متنفساً








الأحد 20 مارس 2011

في 25 يوليو 2010 نشرت مقالاً بنفس العنوان، و كان بالمناسبة مقالي الأول في صحيفة البلاد. قلت يومها أن وظيفة الكاتب الصحفي تنصب في قالب كشف مواطن الخلل للمساعدة في إصلاحها. و قلت يومها أن وظيفة الأديب –لا الصحفي- تتجه في بعض مهامها إلى صناعة الأمل. إيجاد هذا الأمل تكون عبر إعادة صياغة مشاعر الأمة و نقلها من الإنهزامية و تعبئتها بشحنات مستمرة من القوة التي قد تكون نابعة من إرثها الحضاري أو من المخزون الإنساني بشكل عام.
و أشرت وقتها إلى خوفي من تحول الصحافة إلى صحافة “بريد قراء” لا يعبأ بإنتاجها المسئولون و لا يهتمون بأكثر من قراءتها دون أن يتعبوا أنفسهم بمراجعة الذات و محاولة الإستفادة من المجهود المبذول في النقد و التوجيه.
من خلال تجربتي لمست أن مخاوفي كانت في محلها بدرجة كبيرة و أن من يكتب في صحافتنا كثيراً ما يكون مثل من يؤذن في مالطا. طرحت في خلال تلك الفترة الكثير حول مشاكل الإسكان و الإعلام و الصحة. و لم أجد أي تجاوب يذكر من تلك الجهات الرسمية، ربما لأن ما طرحته من مشاكل ليس جديداً. فكل باب قد طرقته طرقه قبلي الكثير من الكتاب و المدققون و تقارير ديوان الرقابة و لجان التحقيق البرلمانية.
و ركزت في أكثر كتاباتي على الدفع لتكريس لغة التسامح و محاربة لغة التخوين و التي لمستها تتصاعد في بعض صحفنا منذ منتصف الربع الثالث من عام 2010 و في بعض المنتديات الإلكترونية التي لمست تعاملاً بموازين مزدوجة معها من قبل هيئة الإعلام في ذلك الوقت.
و يبدو أن مخاوفي حول لغة التخوين وقتها كانت أيضاً في محلها فقد رأينا مؤخراً كيف وصلت هذه اللغة إلى ذروتها، و بدلاً من أن يكون مصدرها صحيفة أو منتدى إلكتروني كان مصدرها جهاز هيئة الإعلام نفسه الذي يفترض أن يكون هو الجهاز الرقابي على أداء الصحف و المنتديات و المدونات.
إذا كان هذا هو نمط التعامل في تلك الفترة و التي كانت تشهد هدوءاً نسبياً، نمط لا يستثني من تجاهله الكتابات ولا التقارير و لا اللجان، فكيف سيكون التعاطي مع كتابات الفترة الحالية فيما تمر البلاد بحالة من الطوارئ و ترتفع فيها مستويات الإستقطاب و تتقاذف الأوضاع كثير من وسائل الإعلام الدولية.

أعتقد أننا ككتاب نحتاج على الأقل إلى استراحة محارب في هذه المرحلة، لالتقاط الأنفاس و التأمل، و ربما لاستقبال مراحل أخرى قد تكون أكثر أهمية. و لعل عنوان المقال  ورمزيته في تشابهه مع عنوان المقال الأول الذي أنشره في صحيفة البلاد قد توحي بأن هذا المقال هو الأخير.


آخر الوحي:
وفيت وفي بعض الوفاء مذلة لإنسانة في الحي شيمتها الغدر

وقور، وريعان الصبا يستفزها فتأرن أحيانا كما أرن المهر

تسائلني : من أنت ؟ وهي عليمة وهل بفتى مثلي على حاله نكر

فقلت لها: لو شئت لم تتعنتي ولم تسألي عني، وعندك بي خبر

فقالت: لقد أزرى بك الدهر بعدنا فقلت: معاذ الله بل أنت لا الدهر
“أبو فراس الحمداني”

السبت، 19 مارس 2011

النعمة المجهولة









الخميس 19 مارس 2011



قديماً قيل أن للمرء نعمتين مجهولتين هما الصحة و الأمان، إذ لا يشعر المرء بقيمتهما إلا عند فقدانهما. ربما كان ذلك ينسحب على باقي النعم، إلا أن لهاتين النعمتين أكثر من سبب يجعلهما مختلفين. أول هذه الأسباب أن الإنسان لا يستطيع الإستغناء عنهما في حياته بتاتاً. و ثمة سبب آخر هو أنهما لا يمثلان شيئاً ملموساً و إنما يمثلان انعداماً لمؤثرين سلبيين هما الخوف و المرض.

يبقى أن الأمن مسألة ضرورية للغاية ليتمكن الإنسان من ممارسة حياته، بل ليتمكن من التفكير بشكل متزن فضلاً عن الإتزان في التصرف.

في هذه الأيام نفتقد الأمن في أنحاء البلاد كافة لعدة أسباب، منها الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد و ما مورس خلالها من شحن للنفوس من الفرقاء السياسيين. و هذا شئ متوقع في هذه الأزمات إلا أنه يبقى شيئاً مرفوضاً.

أما الجديد فهو انعدام الأمن لأسباب لا علاقة مباشرة لها بالسياسة،و إنما للقصور الأمني و لغياب دور المؤسسة الأمنية و لانتشار الميليشيات التي تارة تختطف رجال الأمن و تارة تختطف الأهالي.

و ها نحن نتلقى في كل دقيقة من تلفزيون البحرين أو على وسائل الإعلام و التواصل الإجتماعي الأخرى أخباراً من هذا القبيل. هناك أخبار عن خطف رجال أمن، خطف مواطنين، إطلاق رصاص حي على أشخاص في مختلف مناطق البحرين. يا ترى ما دور وزارة الداخلية في كبح و كشف  و محاسبة أي شخص يتصرف في هذا الإتجاه.

نعم، نثمن كلمة عضو مجلس الشورى الأستاذعلي العصفور بأن الأزمات السياسية تحتاج لمعالجة من مختصين، و نعتقد بصوابيتها و أنها تصب في اتجاه جهود التهدئة و التهيئة للحوار الوطني الذي لا بد منه.

إلا أنه لا ربط بين هذا و بين تهديد الدكاكين في أنحاء البحرين لتقفل أبوابها، و لا ربط بدخول مسلحين إلى الحرم الجامعي، و لا ربط بتجول اللوفر بأسلحتهم بين حواري و فرقان البحرين سواء كانت بيضاء أو نارية. ثم إذا صحت أخبار إصابة بعض المواطنين بإصابات طلق ناري، فهل صارت الأسلحة النارية متوفرة في البحرين؟

أقولها من على هذا المنبر الإعلامي و بكل صراحة أن الإشاعات التي تسري الآن مفادها أن وزارة الداخلية تغض الطرف عما يجري من أحداث أمنية، و لن ألوم من يروج لمثل هذا الكلام إذا ثبت وجود إصابات بطلقات نارية و لم تتعامل الدولة مع مثل هذا الحدث بالجدية اللازمة.

منذ يومين أرسلت رسالة على التويتر لكل من وزير خارجيتنا و وزير العدل و وزارة الداخلية تفيد بمطالبتي كمواطن لكشف النقاب عما يجري في هذا الإتجاه و ماهي الجهود الموجودة لعلاج هذا المشكل؟ و محاسبة من وراءه.

يبقى أن الأهالي يعملون في كل المناطق لحماية أنفسهم، إلا أننا نتمنى لو يكون هناك دور أكبر لأجهزة الأمن في هذا الإتجاه.

نعم ضرب الأهالي مثالاً جميلاً للمواطنة بحماية مناطقهم، إلا أننا لا نتمنى أن يحتاج المواطن ليعيش هذا الدور، صحيح أن وزارة الداخلية تحتاج 20 ألف موظف إضافي، إلا أن الموجودين حالياً يمكنهم منع الإعتداء على الأهالي في حال تعاونهم جميعاً و ربما بالتنسيق مع الأهالي و فتح خطوط ساخنة للتبليغ.

حفظ الله بحريننا الغالية و كل أبناءها من كل مكروه، إنه سميع مجيب.


الأربعاء، 9 مارس 2011

ضحك الثكالى








الأربعاء 9 مارس 2011


استجواب الوزير:
خرجت في أواخر الشهر الماضي تعديلات وزارية محدودة طالت أربعة وزراء سابقين، وصفتهم بعض وسائل الإعلام بكونهم وزراء تأزيم أو بأنهم من ذوي الأداء الضعيف. يبقى أن نشهد أن معظم ردود الأفعال على التغيير كانت تبدأ دوماً بالتساؤل عن سبب إقالة الوزير فهمي الجودر الذي شهد له الكثيرون بالكفاءة وامتعضوا من إقالته.
وبدور نوابنا الأفاضل كان لا بد لهم من ردة فعل في هذا الاتجاه، فبينما اعتبر نواب الوفاق المستقيلون التعديل الوزاري دون المطلوب من الدولة، اعترض بعض الآخرين على التعديل لكونه بحسب الأصالة إرضاء لفئة على حساب فئة أخرى.
واصلت الأصالة بعد ذلك غضبها لله، وقرر بعض نوابها بالتعاون مع بعض المستقلين أن يقوموا باستجواب أحد الوزراء، و يبدو أن السيد نزار البحارنة كان يعتبر بالنسبة لهم هدفاً جيداً. فالرجل قضى حوالي عشرة أيام كاملة في الوزارة. وللقارئ أن يتصور كم الأخطاء الجسيمة والمخالفات العظيمة والتسيب الإداري الذي يمكن رصده لوزير لم يفارق مقعده لعشرة أيام كاملة. بالنسبة لي لا أستبعد أن تسحب الثقة من الرجل، فعشرة أيام تكفي لفعل الكثير حتى لو تواضع الرجل في أول يوم وأكد أنه ليس سوبرمان، وحتى لو كان في مرحلة (الهاندوفر) مع الوزير السابق.
عشرة أيام؟ ألا تكفيك هذه الأيام العشرة يا رجل لإنشاء مستشفيين إضافيين في باقي المحافظات، وحل مشكلة الطوارئ، وإنشاء وحدة للسكلر، وتوسعة مركز جدحفص وترميم مركز النعيم، وحل طوابير عيادة الأسنان؟
أساساً، الوزير في أول أيامه يجب محاسبته وليس من قضى بضع سنوات. فالآخر يكون قد اكتسب خبرة فلا فائدة من استجوابه.
لا بد أن يعرف الوزراء كل الوزراء أن نواب الشعب لا يتهاونون في استخدام الأدوات الرقابية لحماية مصالح الشعب الصحية والإسكانية والتعليمية وجميع خدمات المواطن، وحتى في سحب الثقة إن اقتضى الأمر.
يبقى أن عندنا مثلا يقول “يتعلم التحسون في رؤوس القرعان”، وأنا أقول أدواتكم الرقابية صدأت يا سادة فلا بأس من تجربتها في أي حال.
وعود الوزير:
بينما بدا وزير الصحة متواضعاً، أكد وزير الإسكان أنه سيحقق ما عجز عنه أسلافه من وزراء الإسكان. وأنه سينشئ خمسين ألف وحدة سكنية في خمس سنوات على رواية وفي ثلاث سنوات على رواية أخرى بحسب اختلاف أرباب الصحف.
كنت قد وعدت الوزير السابق أن أرفع له القبعة إن تمكن من ذلك، ومازال وعدي سارياً لخلفه، خصوصاً وهو تمكن إنصافاً من حلحلة ملف البطالة بشكل جيد جداً. إلا أن ملف الإسكان صار عند الناس أمثولة للوعود التي لا تتحقق، كيف لا وهناك الكثيرون ممن تربوا في بيوت أجدادهم في انتظار طلبات آبائهم الإسكانية، ولم يعد غريباً لو سمعت أن الأب وابنه ينتظران طلباتهما الإسكانية معاً.
المدينة الشمالية الموعودة أحد الشهود على ذلك وهي تقف جرداء وكان وعد إنشائها مضى عليه عشر سنوات دون أن تتحرك قيد أنملة.
لا أريد أن أحبط أحداً، إلا أنني قلت من قبل أن ما سمعه الناس من الوعود جعلهم يفقدون الثقة في الجميع ويختبرون نوعاً جديداً من الضحك مع كل وعد جديد. هذا النوع من الضحك يسمى “ضحك الثكالى”.
وهنا أستذكر كلمة سمعناها من سمو ولي العهد منذ أيام شاهدة على ذلك “الكل يعلم أن الوعود كانت كثيرة، ويمكن أكثر من قدرة الجميع أن يوفرها، لكن إذا قدرنا ان نقول لا نريد وعوداً فارغة، نريد قولاً وفعلاً، دعونا نعتمد هذا المبدأ، مبدأ المصارحة”.
مع تمنياتي في هذا الهامش للبحرين وأهلها كل الخير والازدهار بأيدي أبنائها البررة، وللوزراء الجدد التوفيق والسداد... والله من وراء القصد...

السبت، 5 مارس 2011

PATHETIC!






السبت 5 مارس 2011

مفردة إنجليزية تستخدم كامتعاض ساخر من شخص ما أو تصرف ما، إلا أن معناها الحرفي هو وصف شيء ما بأنه محزن أو مثير للشفقة.
ولا أخفي عليكم أن هذه الكلمة تنطبق أكثر ما تنطبق هذه الأيام على إعلامنا المحلي الذي جعله عورة أضحوكة يتحدث بها الركبان. منذ أشهر وأنا أراقب عن بُعد حال إعلامنا المكتوب والمسموع والمرئي، فلا أجد فيه ما يسر. وأحيل القراء إلى مقالات سابقة لي بعنوان “لغة التخوين والكراهية في الصحف”، وعنوان “تكريس التسامح كمبدأ إنساني”، وعنوان “هذا الموقع محظور”، وعنوان “حفلة الأقلام”، وعنوان “هل انقشعت الغبرة”.
كل هذه المقالات كتبت للتوجيه نحو وأد فتنة في مهدها، فتنة حاول صنعها إعلاميون، لهم حضورهم في جريدة معينة، وربما في منتدى إلكتروني معين بالإضافة إلى حضورهم أو استحضارهم في برامج التحليل السياسي على التلفزيون والمذياع وكأنما خلت الأجواء من سوى هذه الصقور.
وحين هبت علينا رياح الأزمة الحالية، أعيد استحضار الوجوه نفسها وبطريقة لافتة مرة أخرى على شاشة التلفاز. شكا الكل حينها مما يحصل في إعلامنا، فجرى تطعيم بعض اللقاءات بوجوه وسطية أو توافقية بين الحين والآخر، إلا أن السياسة العامة لم تتغير رغم الانتقاد من الجميع حتى من كثير من ضيوف التلفزيون. فما بين كلمة الاقتصادي عادل المسقطي وهو يصف ما يبثه التلفزيون بالإسطوانة المشروخة، وبين شكوى الكاتب عقيل سوار من أن المذيعين يضعون الكلام قسراً في أفواه الضيوف، إلى انتقادات الآخرين صراحة على شاشة التلفاز.
ثم فوجئنا بعد ذلك بأكثر الأمور إثارة للشفقة، حين قام الإعلام بتمثيل دور باهت يتباكى فيه على حال الوحدة بين مكونات الشعب من سنة وشيعة وما يجري من الفرقة والطائفية، ويصير الإعلام عراباً لتوحيد الطائفتين ويتحول لمؤتمر لتقريب المذاهب.
ما أود أن أعرفه، من أول من أطلق هذه الشائعة؟ من تخرص أن بين الشيعة والسنة خطاباً يحتاج لإصلاحه؟ وزير خارجيتنا يتكلم دوماً عن قصة النجاح البحريني في التعايش، وولي عهدنا قال في أكثر من محفل منها لقاؤه مع العربية والذي أشرنا له من قبل في مقال “تكريس التسامح كمبدأ إنساني” ونقلنا بالحرف الواحد قوله “علينا ألا نربط فكرا سياسيا بمذهب معين وأقول هذا خطأ وخطأ كبير.. نحن نحترم المذاهب كافة؛ لأن السياسة آنية، والدين ومذاهبه دائمون، وبهذه المناسبة أتوجه إلى كل المسؤولين في منطقتنا - والإعلاميين بصورة خاصة - برجاء الابتعاد عن هذه التهم وتصنيف الناس بمواقف مسبقة، والدين دوما فوق رؤوسنا جميعا، والسياسة نختلف فيها، والدين ثابت، والسياسة زائلة”. إذا كان هذا تحذير سمو ولي العهد للإعلاميين بشكل عام، فكيف لم ينجح إعلامنا في تلقيه منذ حينه في مطلع 2010؟
نعم، كلام سليم للغاية، لا ربط بين توجه سياسي معين وبين مذهب صاحبه، فلماذا يصر تلفزيون البحرين على وجود شرخ بين طائفتين يجب رأبه؟
دعنا ننظر لهذه الجهود من الإعلام: فهو يستضيف كاتباً عرف عنه تحامله على فئة ما، كاتب يحذر من بحرنة التعليم لأسباب طائفية، كاتب يتهم فئة بالتوالد السياسي، كاتب يربط فئة كبرى بالعمالة لدول أخرى، كاتبة تتكلم عن المخططات الصفوية والمجوسية إلى غيرها من المفردات البعثية، إعلامنا أقفل منتديات طائفية، وغض الطرف عن أخرى أشد منها طائفية. ويمكنكم الرجوع إلى مقال “هل انقشعت الغبرة”، ومثال “هذا الموقع محظور”، وقد اتصلت بي هيئة الإعلام على إثره ووعدني الرجل خيراً، ثم بقي الحال على ما هو عليه.
ما أعرفه أن من يرأب صدعاً يسعى لاستضافة وجوه توافقية ووجوه مقبولة، أما ما فعله إعلامنا فإن كانت النية حسنة فالعمل كان متخبطاً وكأن للإعلام أكثر من إدارة تغلب إحداها على الأخريات.
وحتى يعود لنا تلفزيوننا كما نتمناه، سيظل وضعه مثيراً للشفقة إلى أن يتم إنقاذه من توجه معين تم اختطافه إليه.

والله من وراء القصد...

الثلاثاء، 1 مارس 2011

رسائل إلى مائدة الحوار 3






الثلاثاء 1 مارس 2011


أتصور أن أدبيات هذه المرحلة التي تمر بها البحرين يجب أن توثق وتتم أرشفتها بعناية لما سيكون لها من تأثير في البحرين والمنطقة لفترة طويلة على المستويين السياسي والاجتماعي. وربما يكون هذا أحد الأسباب المهمة لمحاولة توثيق ونقل الآراء الموجهة لمائدة الحوار.
بعد المقالين السابقين تلقيت بعض الردود الأخرى في نفس الخصوص، فالأخ عبدالهادي (أبوحسن)، يؤكد أن الهم المعيشي هو مشكلة المشاكل، إلا أنه لا يتعامل معه ببساطته، بل يبحث في أسبابه واضعاً اللائمة على التجنيس السياسي. وبحسب أبي حسن فإن التجنيس السياسي كما خلق المشكل المعيشي خلق كذلك انعداماً للثقة بين المواطنين والدولة. ثم يسهب أبوحسن فيتكلم عما اسميه بحرنة الموظفين بدلاً من بحرنة الوظائف، وذلك في الوزارات التي تعتمد بشكل أساسي على أجانب. ويبقى أن أقول ان ما أذكره في المقالات يكون بخصوص الأمثلة القريبة في ذهني لا حصراً لكل المشاكل. أما النائب السابق محمد حسين الخياط، فقد كانت جرعة الصراحة عنده صادمة، فيقول إن “النوايا الحسنة والاعتراف بالأخطاء وتصحيحها دون ترقيع أو تمييع للمطالب هو الكفيل بنجاح عملية الحوار، وإلا ستكون مثل عملية السلام في الشرق الأوسط التي ضاعت فيها الحقوق والمطالبات وكثرت فيها الدماء الحرام المراقة دون رأفة في كل بقعة من بقاع فلسطين وحتى سال الدم الفلسطيني في دبي ومعظم الدول العربية”. وفي زاوية أخرى يقول الخياط ان نظام المعدل التراكمي المعمول به في الجامعات يمكن أن يستخدم كمؤشر للملفات السياسية والأزمات. وذلك عبر استخدام مؤشر لمدى التراكم السلبي لكل ملف، ومن ثم ترتيب الأولويات في معالجة المشكلات، وذلك ما عبر عنه بالمعدل التراكمي السلبي للمشكلة. هنا يربط نائبنا العزيز بين كلامه وما ورد في كلام سمو ولي العهد حول أسباب الأزمة الحالية التي باختصار كانت تراكماً لمشاكل غير محلولة. أعود هنا لنقاش فكرة أن المشكل هو معيشي بالأساس أم سياسي بامتياز. وأقول ان القرار السياسي، ووجود الآليات المناسبة للرقابة والمحاسبة كفيل بالوقاية من حصول الأزمات الكبرى ومنع الفساد الإداري فضلاً عن الفساد المالي. أضرب مثلاً بدولة وهمية ليست بحريننا الحبيبة. في تلك الدولة كان الوزير بين خيارين إما الإنجاز أو الاستقالة. ما يجبره على هذين الخيارين هو وجود الآلية الرقابية التي تسحب الثقة منه قبل أن تتراكم طلبات الإسكان بصورة فاقعة وقبل أن تتفاقم أزمة قسم الطوارئ وأعداد الأسرة في المستشفيات.
ففي حالة وجود أي مانع من حل المشكلات، أو عدم توفير الدولة ميزانية كافية لحل المشكلة، يستقيل الوزير هرباً من محاسبة البرلمان له على مشكلة ليس هو السبب في عدم معالجتها.
والحديث هنا عن سلطة البرلمان والاستجوابات وسحب الثقة يجرنا للكلام عن برلمان البحرين منذ بدايته في عهده الجديد حتى اليوم، وعن الاستجوابات التي حصلت، كيف لم تسفر عن سحب ثقة أي وزير، رغم المشاكل الواضحة للعيان؟
وبدون أن يزايد أحد، فالتعديل الوزاري الأخير يكشف القصور الذي ظلت الصحف تتكلم عنه لسنوات والبرلمان لسنوات مثلها، دون أن نرى خطوة رقابية حازمة من البرلمان. ما السبب يا ترى؟
هذا يجرنا للكلام عن تركيبة البرلمان وسلوك البرلمانيين. هل يذكر أحد الصور المصاحبة لأي استجواب في البرلمان؟ هل يتذكر أحد أن البرلمان كان صورة للاصطفاف الطائفي البغيض في كل استجواب، على الأقل في برلمان 2006؟
وهنا أنبه أن الطائفية ليست صنيعة هذه الأزمة الحالية. ولكن الاصطفاف داخل البرلمان الذي ربما سببته الدوائر الانتخابية، صار شعبياً بعدما كان نخبوياً، والسبب أن هذه الفترة هي فترة تحرك شعبي وليس نخبوي.
لم يكن الشارع طائفياً في أساسه ولكن للأسف، هل هناك دائرة انتخابية لا تشكل أرقام مجمعاتها حروفاً نارية لكلمة “الطائفية”.
آخر الوحي:
حين عجز النائب في مصر أن يقول للوزير ارحل، فإن المواطن البسيط، رجل الشارع، هتف بوجه رئيسه بنفس العبارة.