بعد المقالين السابقين تلقيت بعض الردود الأخرى في نفس الخصوص، فالأخ عبدالهادي (أبوحسن)، يؤكد أن الهم المعيشي هو مشكلة المشاكل، إلا أنه لا يتعامل معه ببساطته، بل يبحث في أسبابه واضعاً اللائمة على التجنيس السياسي. وبحسب أبي حسن فإن التجنيس السياسي كما خلق المشكل المعيشي خلق كذلك انعداماً للثقة بين المواطنين والدولة. ثم يسهب أبوحسن فيتكلم عما اسميه بحرنة الموظفين بدلاً من بحرنة الوظائف، وذلك في الوزارات التي تعتمد بشكل أساسي على أجانب. ويبقى أن أقول ان ما أذكره في المقالات يكون بخصوص الأمثلة القريبة في ذهني لا حصراً لكل المشاكل. أما النائب السابق محمد حسين الخياط، فقد كانت جرعة الصراحة عنده صادمة، فيقول إن “النوايا الحسنة والاعتراف بالأخطاء وتصحيحها دون ترقيع أو تمييع للمطالب هو الكفيل بنجاح عملية الحوار، وإلا ستكون مثل عملية السلام في الشرق الأوسط التي ضاعت فيها الحقوق والمطالبات وكثرت فيها الدماء الحرام المراقة دون رأفة في كل بقعة من بقاع فلسطين وحتى سال الدم الفلسطيني في دبي ومعظم الدول العربية”. وفي زاوية أخرى يقول الخياط ان نظام المعدل التراكمي المعمول به في الجامعات يمكن أن يستخدم كمؤشر للملفات السياسية والأزمات. وذلك عبر استخدام مؤشر لمدى التراكم السلبي لكل ملف، ومن ثم ترتيب الأولويات في معالجة المشكلات، وذلك ما عبر عنه بالمعدل التراكمي السلبي للمشكلة. هنا يربط نائبنا العزيز بين كلامه وما ورد في كلام سمو ولي العهد حول أسباب الأزمة الحالية التي باختصار كانت تراكماً لمشاكل غير محلولة. أعود هنا لنقاش فكرة أن المشكل هو معيشي بالأساس أم سياسي بامتياز. وأقول ان القرار السياسي، ووجود الآليات المناسبة للرقابة والمحاسبة كفيل بالوقاية من حصول الأزمات الكبرى ومنع الفساد الإداري فضلاً عن الفساد المالي. أضرب مثلاً بدولة وهمية ليست بحريننا الحبيبة. في تلك الدولة كان الوزير بين خيارين إما الإنجاز أو الاستقالة. ما يجبره على هذين الخيارين هو وجود الآلية الرقابية التي تسحب الثقة منه قبل أن تتراكم طلبات الإسكان بصورة فاقعة وقبل أن تتفاقم أزمة قسم الطوارئ وأعداد الأسرة في المستشفيات.
ففي حالة وجود أي مانع من حل المشكلات، أو عدم توفير الدولة ميزانية كافية لحل المشكلة، يستقيل الوزير هرباً من محاسبة البرلمان له على مشكلة ليس هو السبب في عدم معالجتها.
والحديث هنا عن سلطة البرلمان والاستجوابات وسحب الثقة يجرنا للكلام عن برلمان البحرين منذ بدايته في عهده الجديد حتى اليوم، وعن الاستجوابات التي حصلت، كيف لم تسفر عن سحب ثقة أي وزير، رغم المشاكل الواضحة للعيان؟
وبدون أن يزايد أحد، فالتعديل الوزاري الأخير يكشف القصور الذي ظلت الصحف تتكلم عنه لسنوات والبرلمان لسنوات مثلها، دون أن نرى خطوة رقابية حازمة من البرلمان. ما السبب يا ترى؟
هذا يجرنا للكلام عن تركيبة البرلمان وسلوك البرلمانيين. هل يذكر أحد الصور المصاحبة لأي استجواب في البرلمان؟ هل يتذكر أحد أن البرلمان كان صورة للاصطفاف الطائفي البغيض في كل استجواب، على الأقل في برلمان 2006؟
وهنا أنبه أن الطائفية ليست صنيعة هذه الأزمة الحالية. ولكن الاصطفاف داخل البرلمان الذي ربما سببته الدوائر الانتخابية، صار شعبياً بعدما كان نخبوياً، والسبب أن هذه الفترة هي فترة تحرك شعبي وليس نخبوي.
لم يكن الشارع طائفياً في أساسه ولكن للأسف، هل هناك دائرة انتخابية لا تشكل أرقام مجمعاتها حروفاً نارية لكلمة “الطائفية”.
آخر الوحي:
حين عجز النائب في مصر أن يقول للوزير ارحل، فإن المواطن البسيط، رجل الشارع، هتف بوجه رئيسه بنفس العبارة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق