الأربعاء 23 مارس 2011
كنت أتعجب من القصص المأثورة عن نزغ الشيطان بين الإخوان حتى يتحولوا إلى أعداء متحاربين. فقصة قابيل وهابيل وغيرها من القصص التي تثير مشاعر مختلطة ما بين تعجب من فعل قابيل وبين رحمة لأخيه المغدور دون ذنب. وأكثر من ذلك، كلمة هابيل لأخيه بأنه لا يمكن أن يبسط يده بالأذى لأخيه وإن تهدده هو بالأذى.
تعجبت من قصة إخوة يوسف وكيف نزغ الشيطان بينهم وبين أخيهم، فسعوا إلى التخلص منه وإبعاده؛ ليستأثروا بحب أبيهم، فكانوا دوماً بين خياري قتله وإبعاده. فتارة يخرجونه معهم، وأخرى يرمونه في الجب، وثالثة حين يبيعونه إلى أهل مصر.
وتعجبت بعد ذلك من القصة التي يرويها صديقنا (بوجاسم) والمأثورة في التراث العراقي عن أربعة إخوة عشقوا ابنة خال لهم حتى دعاهم أن يتباروا في الشعر ويبينوا مدى حبهم لها وما يفعلونه من أجل الظفر بها. فقال أولهم:
الحادي فنه يفوت الحادي فنه دم للركاب يسيل وآخذها منه
فأجابه الثاني: دم للركاب يسيل متعجب إبهاي بالدم سرى المذبوح متعني لهواي
فقال الثالث: بالدم سرى المذبوح منها وتكفيت أنا أفتح التابوت وآكل لحم ميت
وهنا صاح الرابع: تأكل لحم ميتين وعيونك تنام؟ أنا أفرز اللحمات وأقرض بالعظام
طبعاً كانت الفتاة من نصيب الرابع الذي هدد إخوته بأكل لحومهم والتشفي بعظامهم.
ويظل تعجبي، لا من قدرة الشيطان على التفريق بين الإخوة، ولكن من غايته من ذلك، لماذا يسعد الشيطان بالفرقة بين الإخوة، فليس الشيطان مخلوقاً عاطفياً ساذجاً بقدر كونه صاحب هدف في حياته المديدة، يكمن في إغراء الخلق من بني آدم باللذات ودفعهم للشرور والآثام.
أعتقد أن هذه الأحقاد والعداوات والفجوات المتكونة من تدمير جسور الثقة تصنع طرقاً ومحاور وأدوات يعمل بها الشيطان ويمر من خلالها أكثر من مروره بين فجوات المصلين وقت صلاة الجماعة، وهذا هو سر سعادة الشيطان بهذه العداوات والخلافات والمشاعر السلبية.
ما أعرفه أن الشيطان وإن حاول، فهو لم يفرق بعد بين الأخوين عبدالهادي وعبدالرحمن، وربما كان هذا مضمون أحد الأصدقاء الخليجيين حين قال لي يوماً مبتدئاً “تأكد يا أخي أننا لا ننظر إلى المذهب سببا للخلاف، فزملاء دراستنا وأصدقاؤنا كثير منهم مثلك” أجبته حينها “أعلم هذا، فالإنسان السوي لا يفعل، وإنما يفرق في الدين من يتكسب من الفرقة، كتاجر السلاح الذي لا يعيش إلا في زمن العداء والحرب، وكتاجر الدين الذي يبيع صكوك الغفران لأتباعه ويحرمها على باقي البشر، وكتاجر السياسة الذي يصنع من الفرقة أصواتاً انتخابية وجماعات من المريدين الذين يهتفون باسمه، كل هؤلاء لا يعيشون إلا ببيع آيات الله بثمن قليل، فهي مصدر قوتهم الفعلي”.
أقول أن الدم الذي يجري في عروق الإخوة واحد، فإذا سمحوا للشيطان بالدخول بينهم أراقوه ليريقوا للشيطان هذه الأخوة، فاتقوا الله في دمائكم، اتقوا الله في دمائكم، اتقوا الله في دمائكم.
آخر الوحي:
وإن الذي بيني وبين بنـي أبـي
وبين بني عمي لمختلـف جـدا
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهـم
وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم
وإن هم هووا غيي هويت لهم رشـدا
ولا أحمل الحقـد القديـم عليهـم
وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
“ المقنع الكندي”
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق