٢٩ مايو ٢٠١١
يقال إن امرأتين احتكمتا إلى قاضٍ ليحكم بينهما في صبي كل منهما تدعي أمومته. وبعد أن أعيت السبل القاضي في حل النزاع اقترح عليهما أن يجلبا منشاراً. فلما سألاه عن السبب، أجاب أن عليه شق الصبي ليعطي كلاً منهما شطره ويحل الإشكال. هنا صاحت إحداهما متألمة وواهبة نصيبها للأخرى.
كانت تتنازل عن حقها لأجل أن يسلم الطفل، وهذا وحده ما عبر عن أمومتها لهذا الطفل. إن خوفها عليه بينما تتمطى الأخرى فرحة بهذا الحكم كان الدليل الوحيد أنها أم هذا الطفل.
وجدت هذه القصة مروية عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ووجدتها في مصادر أخرى عن نبي الله سليمان بن داود عليه السلام، إلا أن المضمون واحد، وهو أن أم الصبي خافت عليه وتنازلت عنه ليظل حياً.
هذا الصدق في الحب غير المشروط، ونكران الذات، والقبول بالمكاره لأجل المحبوب، صعب أن يوجد في غير الأم، ويستحيل إن وجد أن يكون بنفس المستوى كما هو عند الأم.
هذه القصة نموذج من عدة نماذج وأمثلة في التراث العربي والإسلامي على قيمة عليا صار الناس يتناسونها في خضم صراعاتهم، هذه الصراعات التي ينسون فيها قيمة العنب ويتوجهون بكل وسيلة لاستعراض عضلات مع الناطور. من من سياسيينا مستعد ليضحي بمآربه وأهدافه الآنية في سبيل حفظ السلم الأهلي؟ وكم من سياسيينا من لا يعبأ أن يشق الطفل نصفين ليحصل على حد أدنى من المكاسب متمثلاً بالمثل «راعي النصيفة سالم»؟
من يهمه أن لا تقسم البلد نصفين أو أثلاثاً وأرباعاً، فيتجاوز بذلك قيوده الإثنية والطائفية والقومية والقبلية؟ من هو أم الصبي إذا كان الصبي هو البحرين التي تجري في عروق الجميع؟ من لا يهمه ما يناله من شتائم بعض قومه إذا كان هدفه توحيدهم مع البعض الآخر.
إنهم كثيرون، لكنهم كما وصفهم أحد الكتاب قلة في كل منطقة وجهة ودائرة إلا أن مجموعهم كثير ولا يستهان به.
فمنهم الوزير ومنهم الشيخ ومنهم النائب ومنهم قبل الجميع رجل الشارع، ذلك المواطن البسيط الذي مازالت ابتسامته توزع رسائل المحبة للجميع بلا استثناء.
تحية مني إلى وزير العدل البحريني الشيخ خالد بن علي آل خليفة على مسجاته الأخوية للجميع على التويتر. يقول في أحد مسجاته «إذا لم نحترم التعدد والاختلاف في الرأي والأصل والجنس والعقيدة والمذهب فقد فقدنا احترامنا لديننا ووطننا، بل قد نفقد انسانيتنا».
وتحية إلى النائب السابق الشيخ ابراهيم بوصندل على مقاله «حرية أولى من غيرها» الذي من ضمنه «البحرين
تجتاحها كغيرها موجة التغيير، وتمر بمرحلة حساسة لا يحلها العنف، ولا إثارة النعرات ونخوة الثارات، ولا التحشيد، ولا التوجيه الطائفي، ولا السب ولا الشتم، وسوف نتخطاها بإذن الله تعالى بالإيمان والعمل الصالح وبالصبر والحق والإصلاح الحقيقي، وما هو أنفع للوطن والمواطنين».
وتحية أخرى إلى الكاتب الأستاذ غسان الشهابي على مقاله الرائع «عن الخيانة والخونة: فتح وشاف الديك» الذي انتقد فيه ظاهرة التخوين البغيضة.
والتحايا تمتد إلى جميع من وصمتهم المنتديات ومواقع التواصل بالمطبلين حين دعموا مشروع سمو ولي العهد للحوار، وتمتد لكل من حاول إصلاح ذات البين فرجمه جهال قومه بالحجارة كدأب الشجرة المثمرة.
آخــــــر الوحــــي:
رأيت بني غبراء لا ينكرونني
ولا أهل هذاك الطراف الممدد
فإن كنت لا تسطيع دفع منيتي
فدعني أبادرها بما ملكت يدي
ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى
وجدك لم أحفل متى قام عودي
فمنهن سبق العاذلات بشربة
كميت متى ما تعل بالماء تزبد
وكري إذا نادى المضاف محنبا
كسيد الغضا نبهته المتورد
وتقصير يوم الدجن والدجن معجب
ببهكنةٍ تحت الطراف المعمد
طرفة بن العبد