١٨ مايو ٢٠١١
أضع أصابعي اليوم على وتر يحمل من الحساسية شيئاً لا يقل أبداً عن حساسية الكلام في السياسة. إلا أنني درجت على محاولة مقاربة قناعاتي وتصحيحها وتهذيبها، وعدم الاكتفاء بالتشدق بها مفرغة من محاولة فهمي الكامل لها وتشرب نفسي بها. قد يكون ذلك بحثاً عن الرضا ممزوجاً بالبحث عن تطبيق متوازن للشريعة يتحمل تأدية الواجبات مع مطالبته بحقوقه.
عبارة نرددها نظرياً بشكل متكرر أن الإسلام رفع مكانة المرأة وحفظ لها إنسانيتها وجعل لها ما جعل من الحقوق كابنة وزوجة وأم ما لم يجعله أي قانون أوشريعة. إلا أننا على المستوى العملي نجد أي خلاف بين زوجين لا يتفق على أبجديات القوامة ولا أساسيات الولاية ويعود الكلام عن ما يحق لك وما يحق لها.
لا أتحرج من أن أقول إن هذا ليس مرده فقط ما خرجت به حركات التحرر النسائي في الغرب، والتي بدأت بشعارات عنيفة وتصرفات رمزية من ضمنها إلقاء المشدات في النار؛ للتعبير عن الرفض للظلم الذكوري الناجم عن التمييز بين الرجل والمرأة في مختلف الميادين. نعم، كانت هناك نظرة ضاربة في القدم وموغلة في التاريخ تتكلم عن حالات مشابهة، منها في صدر الإسلام القضية التي أذكرها كما تروى أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله، فسألته عن حق الزوج على المرأة، فأخبرها، ثم قالت فما حقها عليه؟ قال: يكسوها من العرى، ويطعمها من الجوع، وإن أذنبت غفر لها، فقالت: فليس لها عليه شيء غير هذا؟ قال: لا، قالت: لا والله لا تزوجت أبدا، ثم ولت، فقال النبي صلى الله عليه وآله: ارجعي فرجعت، فقال: إن الله عز وجل يقول: «وأن يستعففن خيرا لهن».
آثرت هذه المرأة في الرواية أن تبقى بلا زواج على أن تكون في عصمة رجل له عليها من الحق كما ترى أكثر مما له عليها، رغم ما جعله الإسلام للمرأة من حقوق بخلاف حالها في الجاهلية. أما عند الكلام على منطق المساواة المطلقة والذي يفترضه دعاة الحقوق، فعند تحليله يوجب تساوي الرجل والمرأة في جميع الحقوق والواجبات بلا استثناء، فهل هذا هوالحل؟!
واقعاً، فإن الكلام على عواهنه لن يوصلنا للمطلب إلا أن توضيح الصورة يقتضي التبسيط بالأمثلة التي قد تقرب وتبعد. خصوصاً والحال أننا لا نستطيع أن نمثل علاقة المودة والرحمة بعلاقات أخرى إلا للتوضيح، حيث تحمل خصوصية بالغة. ولكننا نفترض جدلاً طلب التساوي في الحقوق والواجبات في كل علاقة ونمثل لذلك بحقوق الوالدين.
في القوانين الغربية للطفل حقوق الرعاية والأمان والتعليم والصحة على الوالدين وحقوق أخرى كثيرة طالما كان الطفل دون سن البلوغ الذي قد يكون سن الثامنة عشرة، فماذا للوالدين من حقوق مماثلة من الطفل؟ لا يوجد. إذن، فما للوالدين على الابن من حقوق بعد بلوغه؟ لا يوجد، إنه غداء مجاني يحصل عليه الطفل من المجتمع ليعيده لأطفاله فيما بعد دون أن يكون للوالدين أي حق.
طبعاً في الإسلام حقوق الوالدين أعظم بكثير من حقوق أي إنسان آخر ويمتد حق البر طوال حياة طرفي العلاقة دون انقطاع مطلقاً، بل يستمر حق البر للوالدين حتى بعد وفاتهما. ترى هل سيهب أطفالنا يوماً ما هاتفين بأن للابن على أبيه الحقوق نفسها؟ غير منطقي بحسب منطق المسلمين، بينما هرب الغربيون من ذلك كما يبدو بعدم تقنين هذه العلاقة بعد بلوغ الطفل.
وهل نفترض أن أي علاقة بين طرفين يجب أن تكون متماثلة الحقوق والواجبات على الطرفين؟ ذلك غير ممكن عقلاً؛ لأن المشتري يبحث عن بائع وليس عن بائع مثله، ورب العمل يبحث عن أجير، والطبيب يبحث عن مريض، وهكذا.
وعودة إلى مساواة المرأة والرجل في إطار الزوجية في الحقوق والواجبات، فخروج الزوجة للعمل هو ما بدأ بطرح هذه الإشكالية التي لا يواجهها المسلم حين يأخذ بمبدأ أن المرأة «ريحانة وليست قهرمانة». وبالفعل، فإن الإسلام كذلك لم يوجب على الزوجة شؤون البيت وإن ندبها لذلك واشترط لها أجرة حتى على رعاية الطفل إن تراضت مع والد الطفل على ذلك. وحتى عند الالتزام بالتقسيم التام لكل الوظائف المنزلية والخارجية المالية منها والأسرية، فهل هذه هي حقيقة المشكلة؟
حقيقة المشكلة تكمن كما أفترض في تقبل القوامة أياً كان تعريفها، فالإنسان بطبعه لا يقبل بوجود رأي أكثر أولوية من رأيه في تحديد شؤونه أو بعضها. نجد هذا الموقف موجوداً في علاقات العمل والأبوة والزواج. رغم أن مسألة وجود راع ورعية هي من أبجديات الحياة التي أقرها الإسلام موافقة لفطرة إنسانية كما في الحديث (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والولد راع في مال أبيه ومسؤول عن رعيته، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
وللحديث صلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق