٤ مايو ٢٠١١
لعلني أشرت في المقال السابق إلى دوافع الحركات الجماهيرية ما بين رغبة في تغيير الواقع المعاش وما بين رغبة في إيجاد تحول في شخصية ونفسية الإنسان الحركي أو المؤمن الصادق أو كما عبر الكتاب بالرغبة في إيجاد البدائل. كما قلت ان إثارة النزعات الإثنية على مختلف انواعها كفيلة بإعطاء الشرارة والمحرك لأي حركة جماهيرية والشواهد التاريخية أكثر من أن تحصى.
وكما أكدت في مقال سابق فإن طبيعة الشخص المنتمي لحركة جماهيرية هي الفيصل وليس أفكار الحركة. فالمؤمن الصادق يبحث دوماً عن حركة تحتضنه وقد ينتمي إلى النقائض الواحد تلو الآخر فينتقل من النازية إلى الشيوعية حسب أمثلة الكتاب، أو ما بين العلمانية والتدين أو أي اتجاهين قد يبدوان نقيضين.
يشير الكتاب إلى نقلة يستغربها بين اتجاهين، وهي حين يقرر إنسان ما الهجرة من بلد إلى آخر هرباً من واقعٍ يعيشه. نعم، الهجرة تمثل إحدى الحركات التي ينضم لها الإنسان، فهي تزوده بالأمل في التغيير والبداية الجديدة. ولعل من المثير للاهتمام الإشارة إلى أحد عناوين الصحف في أحد تصريحات القيادة بأنه ليس من المقبول أن يشعر مواطن أو فئة أن لا مكان له في بلده. بل انني عند رجوعي لبعض خطب الجمعة في التسعينات، وجدت أكثر من خطبة تنهى عن ما يسمى بالتعرب بعد الهجرة وهو مصطلح إسلامي يعني الانتقال إلى البلد الكافر للإقامة والإستيطان. يقول المتنبي:
إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا أن لا تفارقهم فالراحلون هم.
مما سبق أذهب إلى مذهب الكاتب أن الهجرة هي إحدى بدائل التغيير ولكنه بديل انهزامي سلبي ربما أفضل من التصادم ولكن لا يرقى إلى مستوى المشاركة الإيجابية الحضارية التي نؤمن بها التي تكون من الداخل مع بناء جسور الثقة والسعي لتأليف القلوب وتقريب وجهات النظر.
الأتباع المتوقعون لأي حركة جماهيرية لا يكونون بالضرورة سياسيين مخضرمين، فمجمل الحركة الجماهيرية تحتاج وقوداً مخلصاً لمبادئها وقياداتها لا أكثر، لأن هذا يسهل مهمة القيادة، ولذلك نذكر الأنواع الأكثر إنجذاباً للحركات الجماهيرية وهم: المنبوذون، الفقراء، العاجزون عن التأقلم، الأقليات، المراهقون، شديدو الطموح، العاجزون، المفرطون في الأنانية وأنواع أخرى.
ربما من الصادم أن يفرد الكتاب فصولاً لمناقشة الطبيعة النفسية لكل نوع من المذكور أعلاه وأسباب انجذاب هذه الفئات للحركات الجماهيرية، ولعل ما يزيد وقع الصدمة أن الكتاب بحث فئات تعيش حالات سلبية إن لم تكن مرضية، على توقعنا أن يقول الشرفاء، الأحرار، الغيورون...الخ.
مطلقاً!! فالكتاب حين يتكلم عن المؤمن الصادق يتكلم عن من يؤمن بالحركة بشكل عاطفي ويندمج معها ويعيشها كقضية مقدسة، وقليلاً ما تكون قضية جماهيرية كذلك!!
ويسهب الكتاب في الكلام عن مزايا المؤمن الصادق فيذكر أنه مستعد للتضحية من أجل قضية بكل شيء حتى بالنفس. ثم يذكر العوامل التي تشجع على التضحية بالنفس من التماهي في المجموع، الخيال، احتقار الحاضر، والعقيدة. كل ما سبق من عوامل تشجع على التضحية قد نتعرض لها بتفصيل أكثر لاحقاً.
كثير من العوامل التي تشجع العمل الجماعي وتزيد وتيرته تتراوح بين الكراهية والتقليد والقمع مع ما للقيادة القوية الجاذبة من دور لا يمكن إغفاله. حول الكراهية أنقل هذا المقطع:
“أكثر الطرق فاعلية لخنق تأنيب الضمير إقناع أنفسنا والآخرين أن الذين أخطأنا بحقهم هم، بالعقل، مخلوقات شريرة تستحق أقصى العقوبات بما فيها الإبادة، ليس بوسعنا أن نشفق على الذين ظلمناهم، ولا أن نتصرف إزاءهم بحياء. لابد أن نكرههم ونضطهدهم وإلا أبقينا الباب مفتوحاً أمام احتقار النفس”.
بعين هذا المنطق أعلاه تتصرف غالبية الحركات المتطرفة وربما كان من نافلة القول أن نشير هنا إلى منظمة القاعدة التي كان يرأسها أسامة بن لادن حتى مصرعه مؤخراً بحسب ما أعلن. إن إذكاء الحقد تجاه الآخر سواء كان مخالفاً في العقيدة أو في التوجه أو في العرق بالصورة المذكورة وتذكير النفس دوماً أن الآخر كائن شرير لا يجب التعاطف معه بذرة من الشفقة أو الود هو السبيل الوحيد لمحافظة المتطرف على احترامه لنفسه.
أستذكر هنا بيت نزار قباني إذ يقول:
وأنا أسير وراء نعشي ضاحكاً
يرضى القتيل وليس يرضى القاتل
وللحديث صلة...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق