١ مايو ٢٠١١
كتاب المؤمن الصادق هو من تأليف المؤلف اريك هوفر الذي ألفه في أربعينات القرن العشرين ولم يصل إلينا إلا في هذا القرن بعد أن قام بترجمته الأديب الراحل الدكتور غازي القصيبي. هذا الكتاب يتكلم عن الحركات الجماهيرية وأسباب وعوامل نشأتها ومواصفات أتباعها، ويركز على الأتباع المخلصين لها ووقودها والذين يطلق على كل منهم لفظ المؤمن الصادق.
الدكتور القصيبي كان يبحث عن إجابة تشغل باله عن سبب كون الإرهابي إرهابياً، فوجد ضالته في هذا الكتاب الذي يركز بشدة على التطرف وأسبابه.
وقد سمعت الكثير عن الكتاب من الأصدقاء منذ أشهر، إلا أنني لم أبدأ في قراءته إلا منذ أيام على إثر بعض النقاشات حوله وحول موضوعه الأساس.
ومعالجة التطرف وأسبابه في نقاش موضوعي، ستجعلنا قادرين على الأقل على فهم منطق التطرف ووضع اليد على سبل علاج الوضع الذي يفرزه.
في القسم الأول من هذا الكتاب الممتع، يتكلم الكاتب عن الرغبة في التغيير، والرغبة في البدائل كأسباب للدخول في حركة جماهيرية، ومن ثم يتكلم عن تبادلية الحركات الجماهيرية وقابلية انتقال الأفراد من حركة لأخرى ومن فكر لآخر.
أسباب الدخول في الحركة الجماهيرية لا تبدو ترجمتها واضحة لتبيان الفرق بين الرغبة في التغيير والرغبة في بدائل، ففي العربية لن يكون هناك فرق واضح بين التغيير والتبديل، ولذا نوضح هنا، فنقول:
الكلام عن الرغبة في التغيير هو بحث في التوجه لتغيير الواقع المعاش، فالمنظمون للحركات الجماهيرية والثورية يرغبون في تحقيق تحول في أوضاعهم المعيشية. الانفعال والحماسة ضروريان لصنع حركة تقوم بإحداث تغيير سريع وكبير، إنهما الشرارة والدينامو المحرك لأي حركة، ولذلك فلا بد من إبقاء هذه الحماسة مشتعلة باستمرار.
إن كثيراً من الحركات السياسية التي قامت احتاجت هذا المحرك، فقامت بإيجاد معامل تخرج بهذين المنتجين (الحماسة والانفعال) واعتمدت في ذلك على النزعات القومية والدينية كما حدث في الثورة الفرنسية والروسية واليابانية. يتم زرع هذه الرغبة بخلق التذمر وتأكيد القدرة على التغيير وصنع صورة جميلة للمستقبل في حال نجحت الحركة.
في الكلام عن البدائل، يقول الكاتب أن المحبطين يجدون في الحركات الجماهيرية بدائل إما لأنفسهم بأكملها أو بعض مكوناتها. إذن التغيير كان يشير إلى تغيير الواقع. أما البدائل، فالكلام عما تحققه الحركة من تغيير نفسي لكل ثائر أو متطرف، واستعرض هنا بعض المزايا التي تحققها الحركة كبدائل:
1 “إن الإيمان بقضية مقدسة هو محاولة للتعويض عن الإيمان الذي فقدناه بأنفسنا” نعم، أقول إن الثورات هي نهر غانج كبير يتطهر فيه الثوار من خطاياهم، ويرون أنفسهم تتسامى وتتخلص من أدرانها، إن التضحية التي سيقدمها اليوم، هي كما يرى بلا شك ستخلصه من إحساسه الدائم بعدم النقاء.
2 “كلما استحال على الإنسان أن يدعي التفوق لنفسه، كلما سهل عليه أن يدعي التفوق لأمته أو لدينه أو لعرقه أو لقضيته المقدسة” هنا، يرى الكاتب لجوء الأفراد لاستثمار الأنا الكبيرة والتي تتوفر لكل فرد من المجموعة، فتكمل نقصه وتعطيه قيمة لنفسه.
طبعاً قراءتي لهذا الكتاب معكم لا تعني أكثر من دراسة أسباب التطرف بشكل عام دون أي إسقاط على أي أحداث تقع في بلادنا العربية أو بلاد العالم حالياً، خاصة وأن الكتاب قد كتب في عصر سابق، فلم يدرك المتغيرات الحاصلة.
يضاف إلى ذلك أن لكل حركة أسبابها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، تدخل فيها وسائل الإعلام وأجهزة الاستخبارات، وكل فيها يغني على ليلاه.
وما يهمني حقاً في هذه السلسلة هو توصيل نبذة للناشئة عما تستغله الأحزاب والحركات لنيل مقاصدها، فنتجنب بذلك أن يدخل شبابنا كحطب للمحارق ووقود لألعاب إستراتيجية دولية.
وللحديث تتمة..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق