١١ مايو ٢٠١١
السياسي اللبناني السيد وليد جنبلاط ظاهرة مثيرة للجدل، فقد تحول في مشواره السياسي بين اليسار واليمين أكثر من مرة ربما بسرعة تفوق سرعة الصاروخ وبتحولات غير متوقعة لا من أشد الخصوم ولا من أقرب الحلفاء. تحوله يقلب المعادلات ويجعل من الأقلية اللاعب المحوري. إلا أنه كما يقرأ المرحلة ويحسب تأثيرها عليه، يحسب أيضاً تأثيره عليها ومتى يكون موقفه ذات قيمة سياسية له وللفريق الذي سينتسب إليه.
من ينسى كيف وصل في خصامه لسوريا وباقي خصومه السياسيين إلى نقطة حسبها الجميع نقطة اللاعودة. حينها قال فيه بعض قيادات المعارضة اللبنانية: “بأنه الرئيس الفعلي للحكومة اللبنانية ورأسها المدبر، وأنه لص وكذاب وقاتل” ومن ينسى حينها ردة فعله بما اعتبر هجوماً نارياً على خطاب المعارضة؟
من ينسى هجومه المتكرر على سوريا آنذاك ووصفها بالشر الأسود وبأوصاف أخرى واتهامات كثيرة؟
لا أعتقد أن ذلك طوي من صفحة الذاكرة، ولكن في عالم السياسة تكتشف أن الثوابت لا محل لها، وأن صفقة سياسية ما أو تحولاً معيناً من الممكن أن يغير كل المواقف ويحيل الجميع إلى ما يسميه البعض بالواقعية السياسية وما يسميه المتشددون بالانبطاحية والركون والتذلل.
والمربك في موضوع الواقعية السياسية، أن المتشددين الذين يصفونها بأبشع الأوصاف هم أنفسهم من يضطرون إليها وبصورة تخالف كل خطاباتهم الحماسية. ومن ذلك فإن عملية إعادة الحسابات ما هي إلا اعتراف بصدمة بمعطيات جديدة تفرض على الجميع التعاطي معها بصورة تتناسب والمرحلة.
بالطبع إن الحسابات الآنية يجب أن لا تصطدم بالمبادئ والثوابت وإلا أضاع المرء مشيته فلا هو في مشية الحمامة ولا مشية الغراب. ولكن قديماً قيل “أحبب حبيبك هوناً ما فربما صار بغيضك يوماً ما. وابغض بغيضك هوناً ما فربما صار حبيبك يوما ما”.
من الكتاب من يشطح به القلم عن الواقعية بل وعن الأدب والذوق والأخلاق، فتراه يخاطب الكبير مخاطبة السفهاء، ويتهم الحكيم بالجهل والسفاهة، ويصادر الحق والحقيقة، فهو المحنك الذي يحتك بالناس، وهو العالم بما تكنه الصدور وتخفيه السرائر. أما الآخرون فعند هذا الكتاب مهما علوا فهم متساهلون متغافلون لا يرون أبعد من أكفهم. بل ويهدد الجميع بالويل والثبور وعظائم الأمور وكأنه صار الكاتب والمصلح والسياسي وعالم الدين وربما رب الأرباب.
إن النصيحة الصادقة والكلمة الطيبة إن لم يكونا محوراً لكلام الكاتب ومنطقه وأسلوبه فهو مهما علت شهرته ظاهرة صوتية تنتهي بانتهاء مرحلة واحتراق ورقة، لأن الله قال في محكم كتابه العزيز:
“فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَال”.
يبقى أن الأصابع ليست متساوية، وأنه كما توجد وجوه جنبلاطية متطرفة فهناك اصوات العقل والحكمة والترفع عن الصغائر وهم كثيرون.
عوداً على بدء فقد تحول جنبلاط مرة أخرى بعد انتخابات 2009 وقام بزيارة إلى سوريا وانسحب من فريق 14 آذار. وهكذا تدور الأيام مداولة بين الناس في سنة كونية يبقى فيه الخير ويذهب منها الزبد ويضطر المتشددون لتغيير خطاباتهم وثيابهم كما يتبدل خطاب نديم الباذنجان في قصيدة أحمد شوقي المشهورة بعد أن زايدوا على غيرهم في أبسط الأشياء وصادروا منهم حتى الإنسانية. والله من وراء القصد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق