٣١ يوليو ٢٠١١
في كلمة جلالته أمام مجلس الوزراء في جلسته الاستثنائية، وضع اليد على الجرح ووصف واقعاً بصراحة أؤكد أني لم أره من قبل من أي حاكم دولة عربية بالذات بشكل غير مسبوق. كلمة دقيقة لا مواربة فيها من ضمن ذلك الخطاب “تأتي الدعوة لهذا الاجتماع الاستثنائي لمجلسكم الموقر اليوم لنؤكد لكم فيه عزمنا الجاد على استعادة الثقة وتوحيد الرؤى بغية أن نستمر في مسيرتنا لمزيد من الإصلاح” ومن ثم في موضع آخر “وهناك اتهامات واتهامات مضادة حول أسباب ونوعية وكيفية حدوث ذلك العنف، وأصبحت حالة عدم الثقة هي السائدة، واختلفت الرؤى بمزيج من الإشاعات حولها”، أقولها صادقاً بلا تملق وبما شهد به الجميع أن تشكيل لجنة تقصي للحقائق هو خطوة إيجابية غير مسبوقة، ولكن ما أردت أن أؤكد عليه هو ليس فقط الإشادة بالعلاج المتمثل في اللجنة، وإنما حتى في تشخيص الوضع بحالة أزمة ثقة بين أطراف مختلفة في البلاد كالدولة والمعارضة، وبالصراحة المتناهية في هذا التوصيف دون مواربة أو مجاملة، وهو أمر يستحق كل الاحترام والتقدير.
إنني وكثيرين غيري منذ بداية الأزمة كنا ندعو الآخرين لعدم التسرع في إصدار الأحكام على أحد، و ضد أن يمارس الإعلام دور القاضي والشاهد والجلاد. وضد أن يخرج أي إعلام يخلق حالة من الشعور بالاستهداف، ويزيد الطين بلة ويرش الملح على الجراح. هذا الإعلام كان مما لعب دوراً كبيراً في خلق أزمة الثقة.
ومما خلق أزمة الثقة، تلكؤ بعض المسؤولين في النظر في احتياجات المواطنين والاجتهاد في تفسير أوامر القيادة تفسيراً غير صحيح أو غير ما فهم منها في حينها، أو التلكؤ في تنفيذ أمثال هذه الأوامر التي تصب في الأمور المعيشية والحياتية للمواطنين.
مما خلق أزمة الثقة أيضاً تسرع بعض الجهات الأهلية والرسمية في الرد دون التثبت والدخول برأي مسبق شديد الهجومية، في تخبط ودفاع من أجل الدفاع وهجوم من أجل الهجوم، دون اطلاع على الوقائع، مما يضعف مصداقية هذا الطرف أو ذاك.
لا شك أن إغراق الساحة بالإشاعات كان له دور مهم في هدم أجزاء كبيرة من جسور الثقة، وجعل البحريني غير قادر على تصديق ما يسمعه من هذه الجهة أو تلك الجمعية أو ذلك الحزب فيقع في حيص بيص لا ينتهي لكثرة الإشاعات المتضاربة والأقوال المتناقضة.
ليس سهلاً بالتأكيد علينا ونحن متعودون على إعلام “كل شي تمام” ومعارضة “كل شي دمار” أن نسمع من عاهل البلاد الكلام عن أزمة ثقة تعوق طريق الإصلاح والإيعاز بضرورة سرعة معالجتها. ذلك أن السياسة عودتنا أن بعض الأمور بالإمكان علاجها دون الكلام عنها بشكل علني، لكن مسألة الثقة أمر مختلف، فهي تعتمد المصارحة والمكاشفة وطمأنة الآخرين وتنقية الأجواء، وكما ينطبق هذا الأمر على الخلاف داخل البيت الصغير فهو ينطبق كذلك على الوطن الأكبر، فلابد من الوقوف أمام حقيقة وجود هذه الأزمة قبل بدء محاولة علاجها.
لقد تفاءلنا يومها وتفاءلنا أكثر بعيد تصريحات السيد بسيوني المتكررة بما طلبه من عاهل البلاد من إرجاع للمفصولين، و ما نقله مبدئياً عن استجابة جلالته لهذا الأمر، و التوجيهات التي رأيناها في هذا الصدد في صحف الأيام التالية. فلا شك أن نقل هذا الكلام على لسان رئيس لجنة تقصي الحقائق يضع مصداقية اللجنة وجدية تعامل الدولة معها على المحك مبكراً، ويدفع باتجاه سرعة تنفيذ هذه التوجيهات وتبيين ضرورتها خاصة والجميع يترقب ما ستسفر عنه هذه اللجنة من نتائج نتمنى أن تسفر عن بداية علاج ناجع لحالة عدم الثقة كما سماها جلالة الملك.
ختاماً، أهنئكم جميعاً بقرب حلول شهر رمضان المبارك، الذي نتمنى أن يحمل معه بشائر كل الخير والصلاح لبلدنا العزيز وكل العزة والكرامة والرفاه لشعبه الكريم، و يكون بحق شهراً للأخوة والمودة والتسامح، تمحق فيه كل الخلافات كما تمحق المعاصي مع صيامه وقيامه.
آخر الوحي:
عليكم وإن طال الرجاء المعول
وفي يدكم تحقيق ما يتأمل
وأنتم أخير في ادعاء ومطمع
وأنتم إذا عد الميامين أول
وماذا ترجي أنفس لا يسرها
سوى الشعب مسروراً وماذا تؤمل؟
“محمد مهدي الجواهري”