الأحد، 10 يوليو 2011

مرضى السياسة





١٠ يوليو ٢٠١١



رغم أني قد أكون أحدهم، إلا أنني صرت أتجنب الكتابة في السياسة وأميل أن أطرق منها بمقدار ما يمس شأننا العام وحياتنا اليومية، وإلا فإني أفضل الكلام بشأن الأدب والاجتماع والمفاهيم التي أرى الحاجة إلى تصحيحها، أصيب مرة وأخطئ مرات، إلا أنني أرجو لنفسي التوقي من الزلل الذي إن كثر فإنه يكثر من باب “من كثر كلامه كثر خطؤه”.
نعم أهرب من السياسة قدر المستطاع، وصرت منها أكثر هروباً، فهي باب مناكفة لا يسد، وفيها يصدق بحق قول الشاعر:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة *** ولكن عين السخط تبدي المساوئا.
كما أن مما زاد هروبي منها أننا وللأسف وهذه حقيقة لا مناص منها، أننا لا نرضى بحقيقة إمكانية وجود رأي آخر، وكأننا نعيش في كوكب منعزل منفردين عن الآخر، ولا فرق في ذلك بين العالم والجاهل والمثقفين والعوام بل حتى الكبراء وعلية القوم. كل يعبر عن عدم قناعته وعدم رضاه بالآخر فضلاً عن رأيه، وتصل بعد ذلك إلى شخصنة الأمور والشتم والسباب المقذع وتسليط السفهاء.
ومما زاد نفوري من السياسة تغلغلها في كل شيء حتى أفسدت كل جميل، وصار تبغيض أجمل الأشياء فناً يتداوله الجميع. صارت السياسة هم الكبير والصغير، كل دخل إليها من باب مختلف، بعض من باب الطموح إلى المنصب، وآخر طلباً لما يرى أنه حق له، وآخر يغتسل في نهر السياسة من عقده وأمراضه.
ومما أمرضني في السياسة فرضها تأليه بعض الرجال وجعلهم في مصاف الأنبياء وتسقيط آخرين ووضعهم في مصاف الشياطين.
ولعل من أكثر ما ساءني في السياسة تسييس بسطاء الناس من كل اتجاه واستخدامهم وقوداً لمعارك سياسية طاحنة، تعصف بأخلاق المرء قبل أعصابه ونفسه، وتجنده في قبالة أخيه الإنسان، فتجد المعركة حقيقة اختلافاً بين اتجاهين إلا أن هذا الاختلاف يتحول إلى خلاف يعصف بالآلاف فتسود القطيعة في كل المجتمع.
من منا لا يتوق للاستمتاع بحياته بسلام، يحس بمتعة كل شيء صغير فيها، ويحمد الله على كل نعمة أنعمها عليه؟
من منا لم تؤلمه السياسة وتزرع في صدره سكاكين الحقد والعداوة والبغضاء؟ من منا لم يفقد أعزاء على قلبه يوماً بعد يوم كما يحسب بسبب اختلاف الرؤى السياسية، وصراع الأنا المتغلغل في هذا المجال؟
هل نحن مخلوقون لهذا الشقاء والعناء، أم مخلوقون للسلام والإخاء؟ لكم أتخيل أننا سنحمل قريباً قروناً ومخالب وأنياباً بسبب مانعيشه من المشاحنة و العداوة وقلة المداراة.
ومما أثار اشمئزازي من عالم السياسة، إدخالها العصبية الطائفية والعنصرية اللذين هما السلاح الأساسي في الصراعات البشرية وتجميع الأنصار التي يقول عنها نبينا صلى الله عليه وآله وسلم “ذروها فإنها مذمومة”.
لقد أمرضتنا السياسة يا سادة، ولا مناص وهي تحاصرك في البيت والشارع والمدرسة والعمل.
ولا أخفيكم أن مما يبعدني عن الخوض في السياسة هو خوفي، فمن سلم مقاله من مقص الرقيب قد لا يسلم من أن يثير غيظ آخر لا يؤمن بالرأي والرأي الآخر وما أكثرهم. فلم نعد نعرف المساحة المتاحة للأصابع الخمس، وهي مساحة تضيق وتتسع وما أضيق الصدور في أوقات الأزمات.

آخر الوحي:
وأعدّ أضلاعي فيهرب من يدي بردى
وتتركني ضفاف النيل مبتعدا
وأبحث عن حدود أصابعي
فأرى العواصم كلها زبدا...
“محمود درويش”

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق