الأربعاء، 6 يوليو 2011

هي فوضى!!







٦ يوليو ٢٠١١


مهما قالها وكررها المخرج المصري خالد يوسف، فلن أصدقه. فهو يقول انه لم يتنبأ بالثورة المصرية، فكيف بي وأنا شاهدتها منذ عام 2010 وربما قبل ذلك في فيلمه “هي فوضى”. هذا الفيلم الذي أخرجه مع أستاذه يوسف شاهين فكان من أفضل ما قدمه ولعله الأفضل على الإطلاق.
قصة الفيلم تدور في إحدى مناطق مصر، التي يحكمها أمين شرطة يدعى حاتم. وحاتم هذا يملك من السلطة على السكان الشيء الكثير رغم كونه فعلياً أكبر مجرم في المنطقة. فهو رغم ما يفترض بوظيفته من النزاهة والشرف إلا أنه متورط حتى أذنيه في الفساد والرشوة والمحسوبية. فهو يتناول وجباته في المطاعم مجاناً ويتنقل بسيارة الشرطة أو بالدراجة النارية اللتين تزيدانه امتيازاً على امتياز في إخضاع الرقاب وإذلال الناس.
الفيلم يريك في كل مشهد ما تتمتع به البزة الرسمية من قوة ونفوذ، وما تبسطه من انضباط على عامة الشعب وكل فئاته المطحونة في هذا الفيلم وفي واقع الأحياء المصرية. وكعادة خالد يوسف فسوف يريك مشاهد الأحياء الفقيرة أو العشوائيات، في تركيز شديد ومحرض لرفض هذا الواقع الأليم.
وأنت تشاهد بدايات الفيلم تحسب أن كل شيء في الدنيا مسخر لحاتم، وأنه لا أقوى من حاتم ولا أبطش منه ولا أدهى منه. إلا أن قلب هذا الفتى مشغوف بابنة الجيران المعلمة نور التي تبادله مشاعره الودودة المولعة بمشاعر احتقار وكره واستصغار.
حاول معها كل الوسائل لإقناعها بالزواج منه، فبين الأعمال السحرية تارة وبين حلقات الذكر الصوفية والصلاة في الكنيسة، لم يجد أي شيء يقربه منها. بل انه وضع باروكة مبتذلة لإخفاء صلعته الملساء.
ما يلبث الرجل أن يقتنع أن طريقا مسدودا مع هذه الفتاة فيلجأ لخطفها بمساعدة أحد (مسجونيه)، حيث تتمكن من الفرار منه لاحقاً وتلجأ لوكيل النيابة ابن مديرة مدرستها. في هذه الأثناء ومع انتشار قصة الاختطاف في الحي تخرج نساء الحي من بيوتهن مشكلين حلقة حول أم الفتاة ويقدن مظاهرة نحو قسم شرطة المنطقة.
ولكون حاتم لم يسلم من شره أحد، تخرج المنطقة عن بكرة أبيها نحو المخفر، صائحين بالويل والثبور وبالشعارات المناهضة للظلم. فلقد استفزتهم صرخات النساء وأشعلت حميةً يتمناها مخرجنا أن تستيقظ بعد طول سبات. حتى يتم اقتحام المركز وتفتيشه وتثبت التهمة بل التهم على حاتم فينتحر في آخر الفيلم ويمضي غير مأسوف عليه.
مشاهد قسم الشرطة تظهر المعذبين والمنسيين داخل الأقسام، وتريك الاستغلال البغيض داخل هذا العالم المنسي الذي تختفي فيه إنسانية الإنسان سواء كان نزيلاً أو رجل سلطة. فبين مشاهد التعذيب وبيئة السجن القاتلة والخالية من أي مقومات الحياة، إلى استغلال النزلاء في شتى أنواع الجرائم.
في الجانب الآخر يظهر الأمل عبر الرجل الآخر وكيل النيابة وغريم حاتم في كل شيء، في ود تلك الفتاة وفي بغضه للظلم وتصديه لما يخفيه قسم الشرطة من مصائب ما خفي منها كان أعظم.
أحياناً أفكر في الفيلم، وأحسب أنه يسيء لصورة رجل الأمن، إلا أنني أرجع وأقول ان الفيلم يركز على معالجة الجانب المظلم مع تركيز على الجانب المضيء لا يخفى على المشاهد. فلجنة التحقيق التي بدأها وكيل النيابة استطاعت أن تقضي على حاتم وأن تنصر المظلوم وتغيث الملهوف.
إن لكل سلطة أو نفوذ كوة قد يدخل منها سوء الاستخدام والظلم والتعسف وانتهاك حقوق الآخرين. إلا أنه حين تتوافر الرغبة في إحقاق الحق على أعلى المستويات فإن صنع الشفافية عبر الرقابة المستمرة أو اللجان المؤقتة وتكريس مفهوم أن أصحاب السلطات في خدمة الشعب سيكون من سبل ترشيد هذه السلطة وجعلها قوية في الحق فقط.
اليوم نجد بلادنا أمام فرصة ذهبية لمسح هذه الصورة المظلمة عن عموم أجهزة الأمن في العالم العربي، بإظهار أجزاء مهمة من الصورة الحقيقية، والكشف عن أي تجاوزات أو انتهاكات حصلت في الفترة الماضية.
تتمثل هذه الفرصة في اللجنة التي يترأسها السيد محمود بسيوني التي جاءت بإرادة ملكية شجاعة وغير مسبوقة وتكونت من شخصيات يشهد لها بالكفاءة والخبرة على أعلى المستويات العالمية. نتمنى من جميع ذوي الشأن التعاون مع هذه اللجنة ومساعدتها في رسم الصورة الحقيقية للحاصل في البحرين في الفترة الماضية، مما سيسهم مباشرة في صناعة صورة مستقبلية أفضل في جميع الأحوال. والله من وراء القصد.

آخر الوحي:
إذا قلتُ: ما بي يا بثينـة قـاتـلـي
من الوجـد، قالت: ثابت ويزيد

وإن قلتُ: ردّي بعض عقلي أعش به
مع الناس، قالت: ذاك منك بعيد

فمـا ذُكـر الخـلان إلا ذكـرتـهـا
ولا البخل إلا قلتُ: سوف تجود

إذا فكرَتْ قـالـت : قد أدركـت ودّه
وما ضرّني بخـلٌ ففيم أجـود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق