٢٤ يوليو ٢٠١١
مثل يضرب لبيان خطورة الهادئ وخطورة المندفع وهويقول «ما أردى من المربوط إلا المنفلت». وللعرب حول موضوع المربوط والمنفلت الكثير من الأمثال لارتباط حضارتهم كبدو وحضر باستخدام الدواب لتسيير أمور حياتهم. ولذلك، ولأن الأمثال لا تعارض فإن استخدام مثل هذه الأمثال من تراثنا لا يجب أن يعتبر أمراً معيباً أو مهينا.
وربما أمكننا تفسير المثل بتوضيح سوء طرفي النقيض كسوء البخيل وسوء المبذر، أو سوء الجاف وسوء كثير الثرثرة، وسوء المتكبر وسوء السفيه المهين. كل هؤلاء أطراف نقيض وفي الطرفين يكون السوء وفي التوسط والاعتدال تكمن الحكمة والضبط والمراعاة.
ومن مثل هذه الأمثال المثل الذي يقول «لا تخاف الا من الساكت»، أو»سكت دهراً ونطق كفراً»، وقديماً قيل «إني أهاب الرجل حتى يتكلم»، وقيل أن»الرجل يخاف كلام المرأة والمرأة تخاف صمت الرجل»، ومابين اطراف النقائض ضعنا وضاع الاعتدال.
فبين من يريد أن يؤسس دولة جديدة بأي اسم سماها وبين من يريد أن يلغيها بدمجها قسراً مع الدول الأخرى، ناسين جميعاً أن للبلد وضعاً وأحكاماً واستقلالاً لا يجوز تجاوزها من أحد. إن ما يراه مفكرون حول الصورة التي يتمنونها للدولة وشكلها السياسي وهيكلها التنظيمي شيء والكلام من نخب أو عوام حول سيادتها واستقلالها أمر آخر.
وما دام الكلام قد كثر حول لبننة وعرقنة الوضع البحريني، فسأستعير ما قيل حول لبنان وأقول أن البحرين أكبر من أن تلتهم وأصغر من أن تقسم.
فأما الالتهام والاختطاف فهو الخطر الداهم على السيادة والهوية، لذا وجب أن تكون توافقاتنا وقراراتنا من الداخل لأن الحلول الخارجية تتبعها أثمان واجبة الدفع، ولا يجوز أن يزايد أحد لإدخالنا كرة في مباريات ونزاعات إقليمية ودولية ثم يكون ذلك على حساب سيادة البحرين واستقلالها.
وأما عن التقسيم فإن هناك من المتطرفين من يريد تقسيمنا إلى شمالية وجنوبية أو شرقية وغربية ويلبس ذلك التقسيم بلبوس وطني. وكم يستحيل على الفرقة والانقسام أن تلبس ثوبا وطنياً كما أشرت في مقال سابق بعنوان «أم الصبي».
أن تكون جزءاً من منظومة متعاونة ومتكاملة فهو بلا شك أمرٌ طيب، خاصة إذا تم هذا التكامل في السياق الطبيعي من توحيد عملة وإلغاء جمارك وفتح المجال أمام التجارة البينية ومنع تكرار المشاريع الحيوية بين الدول الأعضاء والسماح بالتعاون وليس التنافس الاستراتيجي. إن حدوث ذلك بتدرج طبيعي في سياق منطقي حتى يصير كل مواطن في هذه المنظومة يشعر بكونه جزءاً منها ويعتز بها، وليس بين عشية وضحاها ولا بتلكؤٍ فيصير بين قرن وآخر والأهم أن لا يكون حباً من طرف واحد، لأن الحب من طرف واحد مذل دوماً. حال هذا الحب ليس خيراً من قول الشاعر:
أمر على الأبواب من غير حاجة
لعلي أراهم أو أرى من يراهم
ولا هو خير من قول الشاعر:
أمر على الديار ديار ليلى
أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
فحين نسمح بتملك الأشقاء في ديارنا يجب أن يشمل هذا القرار تملكنا في ديارهم وإلا صار عقارنا حكراً على المستثمر بينما يضيع المواطن بحثاً عن سقف يظله أو أرض تقله.
هذا مثال طرحته في هذا الخصوص لتبيين ضرورة السياق المنطقي والتدرج الطبيعي، وأما مسألة السيادة والكونفيدرالية وكل ما يمس تشكيل وطن جديد فهو أمر لا يجوز الدعاية والتسويق فيه بل أرى أنه شأن حساس يجب التروي فيه ونقاشه على مستوى أهل الاختصاص والنظر في التاريخ وقراءة المستقبل. والله من وراء القصد.
آخر الوحي:
كانت وكنت وكان الحب ثالثنا
متى التقينا تشب النار في الحطب
سرت بكل عروقي لهفة وهوىً
شيئاً فشيئاً كمشي السقم في الركبِ
وأغرقتني ببحرٍ لا قرار له
هو الجحيم بلا نارٍ ولا لهبِ
حتى إذا استحكمت مني بفتنتها
وآيس القلب من عتقٍ ومن هربِ
ألقت به في مهاوي الحزن عامدةً
كأنها عشقت عمداً لتوقع بي
«محمد هادي الحلواجي»
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق