٢٠ يوليو ٢٠١١
في فيلمه الممتع “السفارة في العمارة” يعود المهندس العربيد من الخليج ليستقر في مصر، فيجد شقته جاورت الشقة التي تحوي السفارة الإسرائيلية في مصر. الرجل لم يكن سياسياً، لكنه تأذى بسبب حاجته لتصريحات أمنية لدخول زواره وزائراته وكل ذلك بسبب سكناه بجوار سفارة الدولة اليهودية.
هنا حاول الرجل بطبيعته المسالمة أن يتخلص من الشقة ببيعها لسمسار، إلا أن الأخير ما إن علم بموقعها، رفض وقال له بالحرف الواحد “دي ما تساويش جنيه”. لجأ بطلنا شريف خيري لصديقي المحامي الذي أخبره أن حق الاتفاق مع الجار الذي يقره القانون مسلوب منه، ويكفي لطرد السفارة من العمارة أن يثبت تعرضه للضرر من جراء هذا الجوار المشؤوم.
بعد رفع القضية تحول المغامر الخمسيني إلى بطل قومي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فقد بدا كأنه المنقذ للشعب من فخ التطبيع مع الأجنبي ومع العدو ومع قتلة الأطفال كما يسميهم الفيلم. تحول إلى “شريف خيري رمز الصمود” بعد أن كان صفراً في أي معادلة سياسية أو وطنية.
لقد وصل به الحال أن يعيش الدور فعلاً وأن يقف متقدماً المظاهرة هاتفاً “يانا يا السفارة في قلب العمارة”، وبدا الأمر للجمهور وكأن الرجل بقي عليه يومان ليسحب السفارة من مصر كلها. طبعاً الرجل كان مزايداً فقط لأن فتاة تعجبه كانت من الاتجاه الثوري في أحد الأحزاب اليسارية الديناصورية.
وانتهى الصراع بسحبه للقضية من المحكمة إثر تهديدات لا يستطيع مجابهتها. طبعاً لو كان هذا الحال عندنا في البحرين، وادعى مدعٍ أو مثل ممثل بأنه سيتصارع مع سفارة العم سام أو مع سفارة صاحبة الجلالة، وأنه سيطرد السفير فإن الرد عليه سيكون بالضحك أولاً ثم بعبارة “من صدقك؟” وعلى رواية أخرى “من صجك؟” بحسب اختلاف اللهجة. ذلك لأن البحرينيين أكثر واقعية من أن يشتروا مثل هذه اللغة السمجة من الضحك على ذقون العامة وارتداء ثوب البطل لمن يختلف عن البطل في القياسات.
يذكرني موقف عادل إمام في هذا الفيلم بالنحلة حين حطت على الجبل، ثم قالت للجبل، تنبه فإني سأطير الآن، فأجابها الجبل أنه لم يشعر بها حين حطت لينتبه لها وهي تطير.
الواقعية السياسية، مطلوبة إن لم يكن هناك مآرب أخرى للمواقف، لأن المواقف المشابهة تدخل أكثر ما تدخل في وارد الفكاهة الساذجة التي تستغفل الناس. الفيلم جميل ويرينا الكثير من واقع وعي الشعوب العربية وانجرارها خلف أي نصاب يجيد الرقص على الكلمات. مشاهدة ممتعة.
آخر الوحي:
وهذي القدس تشكركم،
ففي تنديدكم حينا،
وفي تهديدكم حينا،
سحبتم أنف أمريكا،
فلم تنقل سفارتها،
ولو نقلت ــ معاذ الله لو نقلت ــ لضيعنا فلسطينا
“أحمد مطر”
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق