الأحد، 17 يوليو 2011

ورثة الأنبياء





١٧ يوليو ٢٠١١


في الأثر أن مداد العلماء خير من دماء الشهداء، وأن لحومهم مسمومة، وأن ركعتين من عالم خير من سبعين من جاهل، وأن الملائكة تضع أجنحتها لهم وأنهم على منابر لهم من نور يغبطهم عليها الأنبياء والشهداء، إلى غير ذلك مما ورد في فضل العلم والعلماء من المآثر والمقامات.
لكن هناك خللا ما عدنا ننظر لدور العالم، فعالم الدين من المفترض أن دوره يقع في تبليغ الأحكام الشرعية وإرشاد الناس إليها والإفتاء، والنذارة، والقضاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى غير ذلك من الأدوار.
إلا أن عالم الدين عندنا صار تخصصه الوحيد السياسة، وأما باقي الأدوار فتأتي في المرتبة الثانية أو الثالثة. نعم فما عاد الناس يذكرون عالماً بعلمه وفضله إنما بمشاركته الفعالة في السياسة ومطالبته بحقوق الخلق الدنيوية.
أقول انني لا أرى عيباً في أن يتصدى العالم للسياسة أو الدخول في العملية التشريعية والرقابية، إلا أن ثغرات كبيرة تصير مفتوحة لو تخلى عن دوره في حفظ العقيدة وتوعية الناس وحثهم على الالتزام بدينهم وتبيين المنافع من ذلك والتحذير من مغبة المخالفات الشرعية.
بل ربما كان الأمر اليوم معكوساً، فشخص ما كما يبدو، أقنع عموم علماء المسلمين أن دورهم الأهم هو السياسة، ربما عملاً بـ “إذا صلح الراعي صلحت الرعية” ولكن هل يعقل أن يذكروا هذه المقولة وينسوا حديث “كيفما تكونوا يولى عليكم”؟! أم أن العلماء صاروا كلهم متخصصون في وعظ الكبراء فقط ونسوا أننا جميعاً نحتاج لمن يعظنا ويرشدنا؟
حين أتصفح حياة العلماء الماضين، أجد عمومهم زاهدين في السياسة لأسباب قد تكون غير مفهومة اليوم بعد تغير نظرة الناس لدور العالم والمطلوب منه وما هو المقام الذي له وما هو الواجب عليه وما يتوقعونه منه.
العالم صار مطلوباً منه أن يعمل على طريقة “ما يطلبه المشاهدون” أو طريقة “الجمهور عاوز كده” وليت شعري هل عكست الآية وصار المتبوعون أتباعاً من حيث لا يدرون؟
لم يعد للعلماء دور في التصدي لتنزيه المواكب من الحضور النسائي، و لم يعد لهم دور في محاربة المد اليساري، و لم يعد لهم دور في تنزيه المدائح والمراثي من الألحان الطربية، ولم يعد لهم دور في تبيين الأحكام، ولا في محاربة الظواهر الاجتماعية الخاطئة. ربما قيل لك لا داعي لذلك، فالناس تعرف أحكامها، فإن كان كذلك فذكر إنما أنت مذكر، أو فاجلس في بيتك إن زعمت أن الناس صاروا جميعاً بحمد الله فقهاء.
الدليل على ذلك أنك تسمع الناس تتناقل ما قاله العالم الفلاني في السياسة، إلا أن لا أحد منهم ينقل فتواه في مسألة معينة، ولعل ذلك العيب من الناس بأن الدين صار آخر همهم، إلا أن العلماء يجب أن يخلعوا عنهم بدلة السياسي التي ألصقت بهم زوراً وبهتاناً.
نعم، نحن نحتاج لهذا النموذج الذي يطلق عليه العلماء العاملين، ولكن لن ينفعونا إن كانوا جميعاً يتخصصون ويحصرون أنفسهم في العمل السياسي، الذي ربما ليس شرطاً أن يكون كل معمم أقدر من غيره في التصدي له.
أعتذر لكل آبائنا من العلماء الذين نتشرف بهم، ولكن هي كلمة موجهة لطلبة العلوم الدينية، نستجدي فيها منهم أن يعم نفعهم على المجتمع وعلى حياة الناس بكل مناحيها، فلا يقصروها على سلعة قد تكون كاسدة، قد تكون آخر ما ينظر إليه في أعمال الإنسان.
آخر الوحي:
الحق مهتضم والدين مخترم
وفيئ آل رسول الله مقتسم
والناس عندك لا ناس فيحفظهم
سوم الرعاة ولا شاء ولا نعم
إني أبيت قليل النوم أرقني
قلب تصارع فيه الهم والهمم
وعزمة لا ينام الليل صاحبها
إلا على ظفر في طيه كرم
“أبوفراس الحمداني”

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق