السبت، 16 يوليو 2011

موازنات غائبة







١٦ يوليو ٢٠١١


لما نظرت إلى واقعنا المعاش وموجات التطرف التي تكتنف الأمة من شرقيها إلى غربيها، وسألت نفسي عن الأسباب التي تؤجج لفكر التطرف وتشحن به القلوب والضمائر، لم أجد شيئاً غير مفاهيم معوجة وانحرافات قائمة، لوتم التصالح معها لوجدت ثقافتنا مفاتيح بعض الرتج المغلقة عليها، لتسير في مسارها الصحيح. هذه الإنحرافات في المفاهيم خلفت لنا تطرفاً في تبني الأفكار ينبغي علاجه وإلا صارت عقولنا مبرمجة على السير في غير فطرتها فقط لتتلافى الإصطدام بمعتقد قد يحمل من الغلوشيئاً لا يحمد.
لا فرق ذلك بين مذهب وآخر ودين وآخر، كلنا نغيب التوازن ونحمل الشيء ونقيضه دون أي حرج في ذلك والسبب في ذلك الحاجة لإيجاد مخارج شرعية لما نريد القيام به أوفعله.
ولأني لا أحب من ينظر لعيوب الآخر قبل أن يصلح نفسه، فإنني أرى توازناً مهماً مفقوداً عند كثير من معتنقي مذهب التشيع، يكاد يجنح بهم إلى الفكر الزيدي عوض الفكر الجعفري، وإن عد ذلك عجيباً فأعجب منه التوازن المفقود والمرتبط بهذا الجنوح والميل.
التوازن بين كفتي ميزان مهمتين في المذهب الجعفري خاصة بسبب كونه يقر بالإمامة الإلهية كأصل من أصول العقيدة، وهاتان الكفتان هما الإمامان الحسن والحسين عليهما السلام. وهذان الإمامان بالذات يعنيان الكثير والكثير جداً لعموم المسلمين، فهما سبطا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وسيدا شباب أهل الجنة، كما أن من أهل السنة من يعد الحسن عليه السلام الخليفة الخامس للمسلمين.
يقول عنهما الحديث الشريف “الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا” فيلزم الأمة باتباعهما، كما يشير وصفهما بسيادة شباب الجنة إلى مرتبتهما العالية التي لم تقتصر على تبشيرهما بالجنة وحسب بل بسيادتهما فيها على عموم شباب أهل الجنة، وليس في الجنة إلا الشباب.
الحاصل أن الحركات الثورية القديمة منها والحديثة أرادت استغلال قضية الإمام الحسين ومقتله في كربلاء للتنظير لمشروعية عملها وهومما يؤسف له. فإن المتاجرة بالموروث بغرض الوصول إلى المنصب الدنيوي مهما كانت الذرائع تخرج مقترفها من خانة الأولياء إلى خانة عشاق الدنيا الذين يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً.
ولعل الحديث يطول في هذا المقام لتوضيح المطلب، الذي تطرق له الشيخ حسين البلغة في مقال قيم، يوضح فيه بجلاء أن قضية الإمام الحسين تمثل انتهاكاً سافراً لحرمة أهل البيت وسفكاً لدمائهم، ولا تمثل بأي حال من الأحوال ثورة أوحركة هادفة لبلوغ الحكم، والشواهد على ذلك من حياة الإمام الحسين أو من خلال الموازنة مع قضية الإمام الحسن هي أكثر من أن تحصى.
ومن ذلك تشدق كثير من ثوريي هذا الزمان بمقولة بائسة هي قولهم “نحن حسينيون ولسنا حسنيين” ولا أدل من ذلك القول على أنهم لم يحاولوا فهم ما جرى من الإمام الحسين وعليه وإنما أرادوا استحضار ما جرى عليه ليلبسوا قميص الحرب المقدسة في الدفاع عن الدين بينما هي في واقع الأمر رغباتهم السياسية ومطالبهم الدنيوية وأمانيهم السلطوية.
كيف يفسر هؤلاء الثوريون موقف الإمام الحسن، وهل يضطرون للدفاع عنه والتبرير له وهوغني عن ذلك، أم يضطرون للبراءة من موقفه؟
هل تراهم يضطرون للتبرير بالمرحليات، وأن لكل مرحلة تكليفاً، فكيف يقيمون تكليفهم الذي هم قاصرون عن الوصول إليه؟ ثم أن مواقف الإمام الحسين المتعددة في الإشارة لمصرعه وفي طلبه من أعداءه الفرصة للرجوع إلى المدينة أوالذهاب لأحد ثغور المسلمين أوغير ذلك هودليل على أنه لم يكن يريد المواجهة بأي حال من الأحوال.
بل لعل نظرة بسيطة إلى سير عموم أئمة أهل البيت (ع) توضح أن الإمام لا يسعى للوصول للحكم، وأنه من تكليف الناس أن يجعلوه دليلاً لهم وقائداً وليس من تكليفه هو، ما خلا المهدي المنتظر والذي لا تنفرد الشيعة برواياته والإخبار عنه. والله من وراء القصد.

آخر الوحي:
وجع الرؤيا ونزف المعرفة
حرم فيه ابتهالات تطوف
كل نصر في المرايا المنصفة
هو عمر آخر بعد الحتوف
يقتل الأحلام صحو الأرغفة
ونسمي مارد الخوف ظروف
أمة تقتات قشر الفلسفة
وهي تخشى بوح صمت الفيلسوف
أدمنت كل فنون الزخرفة
بعدما اغتالت أحاسيس الحروف
“حسين علي خلف”

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق