الأربعاء، 31 أغسطس 2011

قسمة الدجاج







٣١ أغسطس ٢٠١١


في مقال بعنوان (صفين 2011)، شبهت إحدى الكاتبات المطالبة بصوت لكل مواطن بخدعة رفع المصاحف التي اعتبرها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب خلطاً للأوراق. وأنا أقول لها ان خلط الأوراق حاضر لدينا في الساحة ولكن ربما كان في اختيار المثال الذي ساقته وفي صناعة السياق الذي أوردته. وسأبين ذلك في عدة ملاحظات تالية.
وملاحظاتي على المقال هي حول فهم العدالة والتمثيل النيابي ودوره، فهي تحصر العدالة في ما يحقق التوازن الطائفي دون أي عامل آخر، علماً أن التوازن الطائفي مسألة لها بعدها التاريخي والجغرافي لكل بلد، فلا يصح أن نصنع بأنفسنا نظاماً نقسره على تحقيق هذا التوازن لو افترضنا أنه غير موجود. تقول نصاً “بل سأرتكز فقط على معيار واحد فقط وهو تحقيق التوازن الطائفي كغاية من تلك القسمة، في النهاية سواء كانت هذه هي الدوائر أو ستتحرك حدودها أو سيزيد أو ينقص عددها فإن العدالة التي أنشدها اليوم هي التوازن الطائفي الذي يمنحنا بيئة مستقرة سياسية”
لسنا مثل مصر في التوزيع الطائفي ولكن لو افترضنا جدلاً والمثال يقرب ويبعد أن مرقس أو جورج طالب بالتوازن الطائفي لضحك المسلمون منهما. رغم أن أي خطاب عن مصر يشتمل دوماً على لازمة “مصر بمسلميها وأقباطها”، فلو عملوا على معادلة سياسية تحقق هذا التوازن الغائب وإيجاده قسراً فإن محرقة ستنتج من ذلك وستأكل أخضر البلاد ويابسها.
وربما كان ما ذكرته الكاتبة حول مدحها للنظام الانتخابي الذي توافق المتحاورون على تعديله، في قولها أنه كرس 18 دائرة للشيعة و18 دائرة للسنة و4 دوائر مفتوحة مضحكاً للثكالى، فمعيار التوازن الطائفي الذي مازالت تحتكم له لا يجوز فرضه قسراً على الواقع، وإلا صار حاله كحال قصة قسمة الإعرابي التي تقول:
قدم أعرابي من أهل البادية على رجل من أهل الحضر، وكان عنده دجاج كثير وله امرأة وابنان وابنتان،
يقول الحضري: قلت لزوجتي: اشوي لي دجاجة وقدميها لنا نتغدى بها.
فلما حضر الغداء جلسنا جميعا، أنا وامرأتي وابناي وابنتاي والأعرابي، فدفعنا إليه الدجاجة، فقلنا له: اقسمها بيننا، نريد بذلك أن نضحك منه.
قال: لا أحسن القسمة، فإن رضيتم بقسمتي قسمت بينكم.
قلنا: فإنا نرضى بقسمتك.
فأخذ الدجاجة وقطع رأسها ثم ناولنيه، وقال الرأس للرئيس، ثم قطع الجناحين وقال: والجناحان للابنين، ثم قطع الساقين فقال: الساقان للابنتين، ثم قطع المؤخرة وقال: العجز للعجوز، ثم قال: الزور للزائر، فأخذ الدجاجة بأسرها!
فلما كان من الغد قلت لامرأتي اشوي لنا خمس دجاجات. فلما حضر الغداء قلنا: اقسم بيننا.
قال أضنكم غضبتم من قسمتي أمس.
قلنا: لا، لم نغضب، فاقسم بيننا.
فقال: شفعا أووترا ؟
قلنا: وترا.
قال: نعم. أنت وامرأتك ودجاجة ثلاثة، ورمى بدجاجة،
ثم قال: وابناك ودجاجة ثلاثة، ورمى الثانية.
ثم قال: وابنتاك ودجاجة ثلاثة، ورمى الثالثة.
ثم قال وأنا ودجاجتان ثلاثة. فأخذ الدجاجتين، فرآنا ونحن ننظر إلى دجاجتيه، فقال: ما تنظرون، لعلكم كرهتم قسمتي؟ الوتر ما تجيء إلا هكذا.
قلنا: فاقسمها شفعا.
فقبض الخمس الدجاجات إليه ثم قال: أنت وابناك ودجاجة أربعة، ورمى إلينا دجاجة.
والعجوز وابنتاها ودجاجة أربعة، ورمى إليهن بدجاجة.
ثم قال: وأنا وثلاث دجاجات أربعة، وضم إليه ثلاث دجاجات.
ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: الحمد لله، أنت فهمتها لي! – انتهى الاقتباس.
أقول انه لا التقسيم بحسب الكيلومترات ولا التقسيم بحسب الطوائف ولا أي تقسيم آخر يجب أن يفرض لمواطن صوتاً أعلى من الآخر. وأما المخاوف الموجودة فيجب سد ثغراتها من خلال المجلس المعين الذي سيتحول دوره إلى استشاري كلما ترسخت التجربة النيابية.
والله من وراء القصد...
آخر الوحي:
من أَعجَبِ الأَخبارِ أنّ الأَرنبا    لمَّا رأَى الدِّيكَ يَسُبُّ الثعْلبا
وهوَ على الجدارِ في أمانِ يغلبُ بالمكانِ، لا الإمكانِ
داخَلهُ الظنُّ بأَنّ الماكرا أمسى من الضّعفِ يطيقُ الساخرا
فجاءَهُ يَلْعَنُ مثل الأَوَّلِ عدادَ ما في الأرضِ من مغفَّلِ
فعصفَ الثعلبُ بالضعيفِ    عصفَ أخيهِ الذِّيبِ بالخروف
وقال: لي في دمكَ المسفوكِ تسلية ٌ عن خيْبتي في الديكِ!
فالتفتَ الديكُ إلى الذبيح وقال قولَ عارِفٍ فصيح
ما كلَّنا يَنفعُهُ لسانُهْ في الناسِ مَن يُنطقُه مَكانُهْ!
أحمد شوقي

الأحد، 28 أغسطس 2011

العيد المبارك









٢٨ أغسطس ٢٠١١


وإن كان عمنا السيد سعيد يصر على التهنئة بالعيد بقوله “عيد سعيد” لينسب العيد إليه، إلا أنني سأظل أهنئ بالعيد باعتباره مباركاً بغض النظر عن كونه سعيداً. فالسعادة في هذا السياق تشير إلى فرحة دنيوية بينما البركة تدل على خيرات سماوية، وأوامر إلهية تمثل السبب الأهم في الاحتفال بالعيد وإظهار السرور فيه.
إذا فالسعادة هنا نتيجة، والبركة سبب للسعادة في هذا اليوم المجيد. وفي الأثر انه “للصائم فرحتان، فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه”. لذا كان الاحتفال بهذا اليوم، وإحياء شعائره من الأحكام الشرعية التي لابد من احترامها وتوقيرها وعدم تعطيلها بأي حال من الأحوال.
إن الاحتفال بالعيد والتزين فيه والتنقل بين المجالس وإفشاء السلام وإطعام الطعام كلها قربات وأمور أخروية وتعظيم لشعائر الله، وواهم من يظن أن كل هذه تعتبر زينة دنيوية وترهات استهلاكية، وإن لم يكن واهماً فربما يكون مغرضاً.
بل ينقل أن الدولة الإسلامية لم يتعطل فيها العيد حتى سنة مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. ذلك رغم أن المدة ما بين هذا المصاب والعيد لا تزيد على تسعة أيام. ولم يعطله الإمام الحسن الذي كان الخليفة بعد أبيه.
إن العيد رغم بركته المرتبطة بالصلاة وزكاة الفطرة وانقضاء فرض الصيام إلا أن العيد يجب أن يكون سعيداً، ولولا ذاك لما سمي عيداً. ويكفيناً شرفاً في الاحتفال به أنه يوم “ذخر وشرف وكرامة ومزيد” لسيد الخلق عليه وآله أفضل الصلاة والتسليم.

يقول الشاعر:

عيدٌ بأية حالٍ عدت يا عيد *** بما مضى أم لأمرٍ فيك تجديدُ

والعيد في هذا العام يطل علينا بعد أزمة قد تكون الأعنف في تاريخ البحرين الحديث، نتمنى وندعو الله أن يجعل هذا العيد فاتحة خير على بلادنا وعلى الأمة الإسلامية جمعاء. نرجو أن تجتمع القلوب وأن تتحد النفوس وتتقارب المشاعر. نأمل أن تلجم ألسن الفتنة والتخوين والتكفير وتقر بين أقفالها لعل المآل يكون إلى خير.
كل عام وأنتم بخير وأعاد الله علينا وعليكم العيد بالسرور واليمن والحبور.

آخر الوحي:
أي شيء في العيد أهدي إليك.. يا ملاكي وكل شيء لديك
أسواراً أم دملج من نضار.. لا أحب القيود في معصميك
أم وروداً والورد أجمله عندي.. الذي نشقت من خديك
أم عقيقا كمهجتي يتلظى.. والعقيق الثمين في شفتيك
ليس عندي شيء أعز من الروح.. وروحي مرهونة في يديك

إيليا أبوماضي

الأربعاء، 24 أغسطس 2011

زواج باطل






٢٤ أغسطس ٢٠١١


تقدم سالم لخطبة مسعدة، كان عريساً كفئا خلقاً وديناً واقتداراً مادياً. إلا أن هذا لا يكفي، فلا بد من موافقة أهل البنت، بما فيهم ابن عمها “عتريس”.
في مجتمع الصعيد المصري كما في عموم المجتمعات العشائرية، التي منها العراق أيضاً، تتركز عادات وتقاليد ضاربة في العمق ومتجذرة ليس في ممارسات الشعوب وحسب إنما كذلك في نفسياتها. فحتى لو تجاوز المجتمع هذه التقاليد تطبيقاً، إلا أن الأفراد يشعرون دوماً بالتقصير والانقياد تجاه هذه التقاليد.
ومن ضمن هذه العادات الراسخة والمتجذرة، العادات الكثيرة المرتبطة بالزواج ومنها أن البنت لابن عمها، إن شاء تزوجها، أو رضي بأن تتزوج غيره، فله الأمر في ذلك. لذا، حين يخطب الفتاة خاطب، فعلى أبيها أن يتأكد من خلو قلب ابن العم منها وعدم رغبته لخطبتها قبل أن ينظر في أمر هذا الخاطب.
مثال ذلك قبائل أولاد علي في صعيد مصر، فهؤلاء من المتعارف عندهم أن الفتاة يتقدم للزواج منها ابن عمها أو ابن خالها وإذا لم يتقدم لها الاثنان تحصل على البراءة من القبيلة ويحق لها الزواج من خارج القبيلة التي تنتمي إليها. طبعاً هذه عادات باطلة، ما أنزل الله بها من سلطان، ولا أعلم إن كان استمرارها قوياً كالسابق أم لا.
أما في العراق فيزيد الأمر في بعض العشائر على ذلك. إذ يحق لابن العم أن يوقف حال الفتاة إذا رفض طلبه للزواج منها. يتصدى ابن العم بالوعيد لعمه وللعريس القادم ويعتبر موقفه في ذلك سليماً بحسب العادات العشائرية عندهم، وتسمى عادة الوقف هذه “النهوة العشائرية”.
وفي نفس هذا السياق، لم يكن “عتريس” طامحاً بالزواج من مسعدة، ولكنه قرر استغلال موضوع النهوة لابتزاز الفتاة وأهلها بأي وسيلة. كلمه والدها في الأمر، وقال له، أنت أولى من الغريب، إن أردتها فهي لك. تعذر عتريس عن الزواج منها وقال لا رغبة لي فيها، ولكن لا يمكنها أن تتزوج أحداً غيري، خاصة إذا كان من نفس العشيرة، أما إذا كان من خارج العشيرة فممكن أن أوافق.
توافق؟ ولكن على نفس القياس أبناء عشيرتها أحق من غيرهم كما أنت أحق من غيرك، هنا صاح عتريس أنه ليس لها كفؤ في العشيرة غيره، ولن يسمح بأي زيجة أخرى إلا من خارج العشيرة.
رغم أن القانون لا يسمح له بذلك، إلا أنه في المجتمع العشائري هناك قانون خاص، محكوم بالقوة والغلبة والترهيب، وهو ذاته قانون الغاب.
لا أعتقد أنه يخفى عليكم أن هذا هو نفسه حال من يحجر لنفسه حق اتخاذ القرارات أو حمل الآراء ويمنع غيره منها. ولا يهم إن كان ذلك يتعارض مع مبادئه المعلنة في بحثه عن التعددية ودعمه لحرية الرأي والمعتقد. لأنه على طاولة المصالح الفئوية الضيقة، تكون كل هذه المبادئ من قبيل الاستهلاك الإعلامي. كابن العشائر المعروف بالشهامة والمتشدق بها إلا أنه يعجز أن يكون إلا نذلاً مع ابنة عمه.
ليس في قبيل الآراء المعلنة فقط، ولكن هناك المواقف التاريخية المسبقة التي تلزمه لا نقول أخلاقياً ولكن من باب المتعارف على الأقل، فلا يكون أمرهم كنسيء الشهور، يحلونه عاماً ويحرمونه آخر.
حين يسمح الحر الديمقراطي الشريف المنادي بالعدل والمساواة لنفسه بالانزلاق في تخوين الآخرين لمجرد اختلاف في الرأي، فاعرف أن دعواه باطلة، وأنه مجرد صاحب غرض، فلو كان صادقاً لاتسقت ممارساته الحالية مع ما يعلن من المبادئ وما يسبق من ممارساته.
من اللطيف أن سالما ومسعدة لم يتزوجا، ولم يحصل عتريس على مبتغاه من هذا الابتزاز، فقط لأن ابن العم الحر الشريف هتف “زواج سالم من مسعدة باطل”.
آخر الوحي:
فَمَا لِي أَرَانِي وَابْنَ عَمِّي مَالِكـاً
 مَتَـى أَدْنُ مِنْهُ يَنْـأَ عَنِّي ويَبْعُـدِ
يَلُـوْمُ وَمَا أَدْرِي عَلامَ يَلُوْمُنِـي
 كَمَا لامَنِي فِي الحَيِّ قُرْطُ بْنُ مَعْبَدِ
وأَيْأَ سَنِـي مِنْ كُـلِّ خَيْرٍ طَلَبْتُـهُ
 كَـأَنَّا وَضَعْنَاهُ إِلَى رَمْسِ مُلْحَـدِ
عَلَى غَيْـرِ شَيْءٍ قُلْتُهُ غَيْرَ أَنَّنِـي
 نَشَدْتُ فَلَمْ أَغْفِلْ حَمَوْلَةَ مَعْبَـدِ
طرفة بن العبد

الأحد، 21 أغسطس 2011

أخو المصطفى






٢١ أغسطس ٢٠١١


حياة حافلة تهيأت لهذا الرجل العظيم الذي شاء الله له أن تكون حياته صدر الإسلام وعمر النبوة والخلافة إلا بضعة أشهر هي خلافة ابنه الحسن الذي قال عنه كما في نهج البلاغة “ووجدتك بعضي بل وجدتك كلي، حتى كأن شيئاً لو أصابك أصابني، وكأن الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي”. فقد تربى في حجر أشرف الخلق، ونهل من عظيم خلقه، وعاش في كنف رأفته ورحمته، وتشرب صدقه وأمانته.
أدرك الإسلام صبياً فكان أول المسلمين، وكان الحامي عن رسول الله صلى الله عليه وآله مذ ذاك، وكان صبيان مكة يفرون منه صغاراً، وأحسبهم فروا من سيفه كباراً. كان قربه من خاتم الأنبياء بالدرجة التي يصفها بقوله: “وقد علمتم موضعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضَعَني في حجْره وأنا وليد، يضمُّني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويُمسُّني ‌جسده، ويُشمُّني عُرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه”.
وبعد أن حان وقت الهجرة كان الفادي للمصطفى صلى الله عليه و آله وسلم حيث بات في فراشه وقد علم بما تنتويه قريش من الغيلة في تلك الليلة. حتى روى ابن الأثير في أسد الغابة “فأوحى الله إلى جبريل وميكائيل عليهما السلام: إني آخيت بينكما، وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة، فأوحى الله عز وجل إليهما: أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب؟ آخيت بينه وبين نبيي محمد، فبات على فراشه يحرسه، يفديه، بنفسه ويؤثره بالحياة، إهبطا إلى الأرض واحفظاه من عدوه، فنزلا، فكان جبريل عند رأس علي، وميكائيل عند رجليه، وجبريل ينادي: بخ بخ، من مثلك يا ابن أبي طالب، يباهي الله عز وجل به الملائكة، فأنزل الله عز وجل على رسوله، وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله * والله رؤوف بالعباد)”.
ثم بعد أن كانت هجرته إلى المدينة، شاء الله أن يجندل عتاة قريش في بدر، وأبطال خيبر وصناديد العرب في باقي الغزوات حتى سمي “قتَال العرب”، فكان فتى الإسلام الأول وفارسه الأوحد، وقد روي عنه أنه قال مرة في سنين خلافته “حتى لقد قالت فريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا علم له بالحرب، لله أبوهم، وهل أحدٌ منهم أشدّ لها مراساً، وأقدم فيها مقاما مني؟ لقد نهضت بها وما بلغتُ العشرين، وهأنذا قد ذرّفت على الستين”.
من منا يتذكر فيلم الرسالة فلا يذكر منظر سيفه ذو الفقار وهو يجول بين هامات الكفر ورؤوس الطغيان، ومن منا يذكر البلاغة والبيان فلا يجول في نهج البلاغة، ومن يبحث عن الحكمة والموعظة فلا يجدها في أصداء صوته وقلمه.
حين نذكر علياً، فإننا نرى المثال الصادق على التربية القويمة والتنشئة السليمة لمن كان في مقام ابن الرسول، ثم في مقام أخيه وصهره وأبي أسباطه، إن معين المصطفى لا ينضب من الهداية والكمال، وكلما اقترب الإنسان منه كان له النصيب الأوفر والفرصة الأقرب لينهل منه فيسمو إلى خير مراتب الدنيا والآخرة.
السلام على شهيد المحراب يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.

آخر الوحي:

أَلاَ فَاصْبِرْ على الحَدَثِ الجَلِيْلِ
وَدَاوِ جِوَاكَ بالصَّبْرِ الجَميلِ
وَلاَ تَجْزَعْ وإِنْ أَعْسَرْتَ يوما
فقد أيسرت في الزمن الطويل

ولا تَيْأَسْ فإِنَّ اليَأْسَ كُفْرٌ
لَعَلَّ اللَه يُغنِي مِنْ قليلِ

ولا تَظْنُنْ بِرَبِّكَ غير خَيْرٍ
فَإِنَّ اللَه أُوْلَى بالجميل
 
وأن العسر يتبعه يسارٌ
وقول الله أصدق كل قيل
 
فَلَو أَنَّ العُقُولَ تجرُّ رزقا
لكان الرِّزْقُ عِنْدَ ذَوي العُقول

وكم مِنْ مُؤْمِنٍ قَدْ جَاعَ يَوْما
سيروي من رحيق سلسبيل
 
منسوب إلى أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب

الأربعاء، 17 أغسطس 2011

شبح مكارثي






١٧ أغسطس ٢٠١١


لو سألني أحد عن كلمة العام، أهم كلمة لعام 2011 في البحرين، الكلمة التي تصف واقعنا السياسي، فسأقول بكل أريحية كلمة “المكارثية”. ولأنني أخذت عهداً على نفسي أن يكون عمودي دوماً مفهوماً وبعيداً عن التعالي عبر استخدام المصطلحات التي لا يفهمها عامة الناس الذين أنتمي أنا إليهم. بسبب هذا العهد أدرج الشرح الموجود في موسوعة ويكيبيديا لهذه الكلمة الذي يقول:
“هي الممارسة التي تقوم على اتهام الناس بوجود صلة تربطهم بالمنظمات الشيوعية دون اثباتات كافية تدعم الادعاء. وقد دعيَت باسم جوزف مكارثي وهو سناتور جمهوري عن ولاية وِسْكونْسِن الأميركية.
ادّعى مكارثي عام 1950 في أوج الحرب الباردة أن 205 أشخاص من موظفي وزارة الخارجية الأميركية هم من المتعاطفين مع الشيوعية وأن 57 آخرين أعضاء في الحزب الشيوعي، تبعت هذا الإعلان حملة هدفها إضعاف الثقة في أعضاء بارزين في الحزب الديمقراطي ومنهم شخصيات محترمة جداً مثل دين اكسون وجورج مارشال. وعندما أصبح رئيساً للجنة الفرعية الدائمة للتحقيق (1953) تكثفت هجماته فوجّه اتهامات بحق وزير الحربية، روبرت ستيفنز، والعديد من المثقفين والرسميين، أدّت نشاطاته إلى خلق “لوائح سوداء” وتم القضاء على الحياة المهنية للعديد من الناس. أخيراً، وبعد أن دان مجلس الشيوخ نشاطاته في 1954، هاجم مكارثي الرئيس أيزنهاور ولكن عندها كانت قد ضعفت الثقة بحملته. يستخدم هذا المصطلح حالياً عندما يقوم شخص ما أو جهة بترهيب الأشخاص ثقافياً. – انتهى الاقتباس.
أعتقد أن هذا يذكرنا بالمحاكمات الإعلامية التي حصلت لمسؤولين بارزين في البحرين وشملت منهم من لم يقض في مؤسسته آنذاك أكثر من أسبوع. كان ظهور شخص ما في الإعلام نذير شؤم على مستقبله المهني وسمعته وربما أمنه الشخصي بعد كل ما يناله من التشهير بالصوت والصورة.
ولعل ذلك لم يبدأ في عامنا هذا، ففي سبتمبر من العام الماضي 2010 كتبت مقالاً بعنوان “لغة التخوين والكراهية في الصحف” وأشرت حينها إلى اللغة التي تستخدمها بعض صحفنا بحق شخصيات معروفة وجمعيات مرخصة. وقلت حينها بالحرف الواحد “إن هيئة الإعلام مطالبة بموقف من سباب الجرائد كما وقفت وزارات سابقة ضد سباب المنتديات. وأن لا يستغل مناخ الحرية في البلد ضد أبناء البلد. وأن لا تستغل المساحة المخصصة لشجب التخريب لتستخدم في التخوين وكيل الاتهامات ومهاجمة الأفراد وصناعة الكراهية”.
ثم كتبت في نفس الشهر مقالا بعنوان “هذا الموقع محظور” داعياً إلى إغلاق أحد أهم المنتديات الفتنوية، إلا أن الكلام ذهب أدراج الرياح، رغم إبداء الجهة المسؤولة اهتمامها آنذاك بعد مقال “هل انقشعت الغبرة”.
ولا يحسب أحد أن تكراري الكثير لهذا الموضوع هو تكرار أجوف بقدر ما أنني مازلت أحاول مع كثير من مخلصي البلد تعليق الجرس في رقبة القط “قط الشقاق والفرقة” الذي كان بعض الجهلة يسعون لإيقاظه ولعلهم أفلحوا.
ثم ان المكارثية لم تقتصر على بعض من يدعون الموالاة بل تجاوزتهم إلى بعض متطرفي المعارضة، إذ يقول أحدهم مغرداً “إن من تسول له نفسه الترشح للانتخابات التكميلية عليه أن يعلم أنه يخون شعبه ويساهم في استمرار الدكتاتورية والاستبداد”. بالله عليكم أي تعددية أو ديمقراطية يسعى لها من يحجر على غيره أبسط حقوق التعبير، وكأنما صارت آراؤه وتوجهاته قرآناً منزلاً، فصار من يخالفه خائنا وعميلاً، وكأنه خالف إحدى المسلمات التي لا مناص منها. هذا ورؤيته في المقاطعة لم يعرفها مريدوه إلا بعد أن أعلنها متأخراً.
الطريف أنني سألت أحدهم قبيل إعلان الموقف من الانتخابات التكميلية عن ذلك الموقف المرتقب فهز رأسه غير عارف بما سيحصل. فاكتفيت بأن أخبرته أنكم إن شاركتم فمن ينافسكم خائن وإن امتنعتم فمن شارك دونكم خائن. ولعمري هل صار المتقدم لهم مارق والمتأخر عنهم زاهق؟ إنها العصمة إذا ولا ريب.
أقول انني ضد منطق التخوين أياً كان من ينطق به، وضد منطق احتكار الوطنية أياً كان المتشدق به، وضد تقسيم الوطن أو تضييع سيادته، وضد أن يكون صوت الوسطية والعقلانية ضائعاً بين متطرفي المكارثية من كل فريق.

آخر الوحي:
فنحن برغم خلافاتنا
ضعيفان في وجه أقدارنا
شبيهان في كل أطوارنا
دفاترنا.. لون أوراقنا
وشكل يدينا.. وأفكارنا
فحتى نقوش ستاراتنا
وحتى اختيار اسطواناتنا
دليل عميق
على أننا
رفيقا مصير.. رفيقا طريق
برغم جميع حماقاتنا

“نزار قباني”

الأحد، 14 أغسطس 2011

الثقيل الثاني: الرقيب








١٤ أغسطس ٢٠١١


كنت قد كتبت في مقال سابق «حسد العواذل» عن شخصية ثقيلة هي شخصية العاذل وكيف تكون مؤذية للمحب بنهيه عن من يحب وما يحب. وشخصية أخرى ذكرناها هي شخصية الواشي، فهي عاذل المحبوب لا عاذل المحب. إلا أن العاذل والواشي لا ينفردان في شأن ثقلهما على المحب، فدون المحب ومحبوبه الثقيل الأكبر وهو الرقيب.
يقول ابن حزم الأندلسي في كتابه «طوق الحمامة» عن الرقيب وأحواله إن الرقيب يكون على أقسام. فأحد أقسام الرقباء «فأولهم مثقل بالجلوس غير متعمد في مكان اجتمع فيه المرء مع محبوبه وعزما على إظهار شيء من سرهما والبوح بوجدهما والانفراد بالحديث، ولقد يعرض للمحب من الفلق بهذه الصفة ما لا يعرض له مما هو أشد منها، وهذا وإن كان يزول سريعاً فهو عائق حال دون المراد وقطع متوفر الرجاء».
ويقول عن النوع الثاني «ثم رقيب قد أحس من أمرهما بطرف وتوجس من مذهبهما شيئاً فهو يريد أن يستبري حقيقة ذلك فيدمن الجلوس ويطيل القعود ويتخفى بالحركات ويرمق الوجوه ويحصل الأنفاس وهذا أعدى من الحرب وإني لأعرف من هم أن يباطش رقيباً هذه صفته».
ثم يقول عن النوع الثالث «ثم رقيب على المحبوب فذلك لا حيلة فيه إلا بترضية وإذا أرضي فذلك غاية اللذة وهذا الرقيب هو الذي ذكرته الشعراء في أشعارها ولقد شاهدت من تلطف في استرضاء رقيب حتى صار الرقيب عليه رقيباً له و متغافلاً في وقت التغافل ودافعاً عنه وساعياً له.
ويذكر في أشنع الرقباء ما نقلته في مقالي السابق «وأشنع ما يكون الرقيب إذا كان ممن امتحن بالعشق قديماً ودهي به وطالت مدته فيه ثم عري عنه بعد إحكامه لمعانيه فكان راغباً في صيانة من رقب عليه. فتبارك الله أي رقيب يأتي منه وأي بلاء مصبوب يحل على أهل الهوى من جهته».
ولعل الفنانين والأدباء والكتاب كغيرهم من أهل الهوى يبتلون في ما يعشقون من الفن والأدب بالرقيب وثقل الرقيب وغيرة الرقيب وترصد الرقيب وحتى هذا يكون كما أرى أنا لا ما يرى ابن حزم على أقسام، فمن هؤلاء رقيب عليك لخوفه مما يؤذيك ويضرك فيكره لك كفنان أو كاتب من التعرض للسخط أو السقوط في الفشل أو الإسفاف، فذلك رقيب لك لا عليك، لكنه يخشى عليك أن تكسر أحد التابوهات المعروفة دون أن تلتفت لذلك.
وتارة يكون الرقيب غير متجرد عن رأيه فيحاكم النص الذي أمامه على أساس موافقته أو مخالفته لرأيه، فهذا كالدكتاتور بل أسوأ منه، فهو بحجبه للنصوص المخالفة لرأيه يخلق ساحة ثقافية تحمل رأيه و حسب، و يمسخ المثقف فيجعله يبدو للجمهور برجل عرجاء حين تكون نصوصه ومعالجاته سطحية ومتحاملة ومن زاوية واحدة. مثل هذا يكون وبالاً على الأدب والفن والثقافة.
ولعل محمود درويش دون أن يدري وصف حال المثقف المبتلى برقيب يحرمه حريته، بل يجعله جاهلاً بالمتاح من مساحتها، مشوه السمعة، أعرج الآراء أعور النقد، ثم لا يدري متى يأخذه على حين غرة، فيقول:
وأعدّ أضلاعي فيهرب من يدي بردى
وتتركني ضفاف النيل مبتعدا
وأبحث عن حدود أصابعي
فأرى العواصم كلها زبدا...
آخر الوحي:
رقيب طالما عرف الغراما*** وقاسى الوجد وامتنع المناما
ولاقى في الهوى ألما أليما*** وكاد الحب يورده الحماما
وأتقن حلية الصب المعنى*** ولم يضع الإشارة والكلاما
وأعقبه التسلي بعد هذا*** وصار يرى الهوى عاراً وذاما
وصير دون من أهوى رقيباً*** ليبعد عنه صباً مستهاماً
فأي بلية صبت علينا*** وأي مصيبة حلت لماما

ابن حزم الأندلسي

الأحد، 7 أغسطس 2011

أولاد البطة





٧ أغسطس ٢٠١١


بينما يقول المثل المشهور “ابن البط عوام” إلا أن البط يتفاوت حظه بحسب لونه ولا أدري لماذا صار أولاد البطة السوداء أو فروخها مضرباً للمثل في عدم إنصافهم بأقرانهم وعدم مساواتهم. ما أعرفه أن موظفي القطاع الخاص صاروا يطلقون هذا اللقب على أنفسهم.
فهم يعملون في كثير من الأوقات بساعات دوام أكثر وإجازات أقل، لكن ما يغيظهم هو حرمانهم من الكثير من الامتيازات التي تتوفر لموظفي القطاع العام. فأولئك رغم أنهم يقولون كثيراً عن أنفسهم “اسم شايع و بطن جايع” إلا أنهم محظوظون بالنسبة لأقرانهم في الخاص من أكثر من زاوية.
تتركز هذه الجوانب في ناحية المكرمات التي تنطلق من الدولة لتحسين الوضع المعيشي للمواطنين، فهي في أغلب الأحيان توجه إلى موظفي الحكومة دون غيرهم، ولا ينال موظفو القطاع الخاص غير التضخم في الأسعار الذي ينجم عن هذه الزيادات.
البونس في إحدى السنوات وزيادات الرواتب والعلاوات الثابتة في سنوات أخرى، لم ينل منها موظفو القطاع الخاص أي مساعدة، فهي موجهة للقطاع العام بدون استثناءات.
أتساءل هنا، هل هم يزيدون الرواتب بسبب مسؤولية الدولة على موظفيها فقط، أم أنه يدخل من أبواب أخرى، مثل تقسيم الثروة. والحال أنه لو كان هناك تقسيم للثروة فينبغي أن يناله كل الشعب. لا أعتقد أنه هنا ينتهي دور الدولة، فالموازنة التي تشمل الزيادة هي من عوائد البلد كل البلد وليس من أملاك مواطنين دون آخرين. وإن لم يكن رفع المستوى المعيشي للمواطنين هدفاً للدولة فهل هدفها رفع مستوى موظفيها فقط؟
هل تحولت الدولة بذلك لمؤسسة تهتم بموظفيها فقط؟ أم أنها توزع ثروتها على جميع ملاكها ومنتسبيها ولا تقصر التوزيع على موظفيها فقط دون الآخرين؟ نعم يحصل موظفو القطاع الخاص على علاوات الغلاء والإسكان من الدولة، لكن ما سبب حرمانهم من الزيادات؟
سيجيب أحد البلغاء حتماً ان كل رب عمل مسؤول عن موظفيه، ونقول له كلامك صحيح وخطأ في نفس الوقت، فالزيادات التي تمثل تعديلاً عاماً للأوضاع تخرج من هذا الإطار إلى إطار تقسيم الثروة الذي يجب أن يشمل كل المواطنين. أقصروا عليهم الزيادات السنوية التي تتراوح بين 3 و5 بالمئة، أما ما يصل إلى 25 أو يصل إلى 36 بالمئة فهو يسمى تصحيحا أو تعديل وضع.
هل يدفع موظفو القطاع الخاص ثمن حظهم العاثر بسبب عملهم في القطاع الخاص؟ الذي صارت رواتبه على ارتفاعها لا تكفل لك بناء بيت خاص بك وانت في إطار الثلاثين من العمر.
يقال ان البطة السوداء علمت فيما بعد أنها ليست إوزة كالبيضاوات، وقررت أن لا تقارن نفسها بمن تفوقها جمالاً ولوناً. فهل سيفعل أهل القطاع الخاص كذلك أم سيظلون يندبون حظهم من كادحين منسيين؟

آخرالوحي:
بطة اخبرتني أنها من بنات البطة السوداء، ترى ما هي مؤهلات أن تكون بطة بيضاء.