٣١ أغسطس ٢٠١١
في مقال بعنوان (صفين 2011)، شبهت إحدى الكاتبات المطالبة بصوت لكل مواطن بخدعة رفع المصاحف التي اعتبرها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب خلطاً للأوراق. وأنا أقول لها ان خلط الأوراق حاضر لدينا في الساحة ولكن ربما كان في اختيار المثال الذي ساقته وفي صناعة السياق الذي أوردته. وسأبين ذلك في عدة ملاحظات تالية.
وملاحظاتي على المقال هي حول فهم العدالة والتمثيل النيابي ودوره، فهي تحصر العدالة في ما يحقق التوازن الطائفي دون أي عامل آخر، علماً أن التوازن الطائفي مسألة لها بعدها التاريخي والجغرافي لكل بلد، فلا يصح أن نصنع بأنفسنا نظاماً نقسره على تحقيق هذا التوازن لو افترضنا أنه غير موجود. تقول نصاً “بل سأرتكز فقط على معيار واحد فقط وهو تحقيق التوازن الطائفي كغاية من تلك القسمة، في النهاية سواء كانت هذه هي الدوائر أو ستتحرك حدودها أو سيزيد أو ينقص عددها فإن العدالة التي أنشدها اليوم هي التوازن الطائفي الذي يمنحنا بيئة مستقرة سياسية”
لسنا مثل مصر في التوزيع الطائفي ولكن لو افترضنا جدلاً والمثال يقرب ويبعد أن مرقس أو جورج طالب بالتوازن الطائفي لضحك المسلمون منهما. رغم أن أي خطاب عن مصر يشتمل دوماً على لازمة “مصر بمسلميها وأقباطها”، فلو عملوا على معادلة سياسية تحقق هذا التوازن الغائب وإيجاده قسراً فإن محرقة ستنتج من ذلك وستأكل أخضر البلاد ويابسها.
وربما كان ما ذكرته الكاتبة حول مدحها للنظام الانتخابي الذي توافق المتحاورون على تعديله، في قولها أنه كرس 18 دائرة للشيعة و18 دائرة للسنة و4 دوائر مفتوحة مضحكاً للثكالى، فمعيار التوازن الطائفي الذي مازالت تحتكم له لا يجوز فرضه قسراً على الواقع، وإلا صار حاله كحال قصة قسمة الإعرابي التي تقول:
قدم أعرابي من أهل البادية على رجل من أهل الحضر، وكان عنده دجاج كثير وله امرأة وابنان وابنتان،
يقول الحضري: قلت لزوجتي: اشوي لي دجاجة وقدميها لنا نتغدى بها.
فلما حضر الغداء جلسنا جميعا، أنا وامرأتي وابناي وابنتاي والأعرابي، فدفعنا إليه الدجاجة، فقلنا له: اقسمها بيننا، نريد بذلك أن نضحك منه.
قال: لا أحسن القسمة، فإن رضيتم بقسمتي قسمت بينكم.
قلنا: فإنا نرضى بقسمتك.
فأخذ الدجاجة وقطع رأسها ثم ناولنيه، وقال الرأس للرئيس، ثم قطع الجناحين وقال: والجناحان للابنين، ثم قطع الساقين فقال: الساقان للابنتين، ثم قطع المؤخرة وقال: العجز للعجوز، ثم قال: الزور للزائر، فأخذ الدجاجة بأسرها!
فلما كان من الغد قلت لامرأتي اشوي لنا خمس دجاجات. فلما حضر الغداء قلنا: اقسم بيننا.
قال أضنكم غضبتم من قسمتي أمس.
قلنا: لا، لم نغضب، فاقسم بيننا.
فقال: شفعا أووترا ؟
قلنا: وترا.
قال: نعم. أنت وامرأتك ودجاجة ثلاثة، ورمى بدجاجة،
ثم قال: وابناك ودجاجة ثلاثة، ورمى الثانية.
ثم قال: وابنتاك ودجاجة ثلاثة، ورمى الثالثة.
ثم قال وأنا ودجاجتان ثلاثة. فأخذ الدجاجتين، فرآنا ونحن ننظر إلى دجاجتيه، فقال: ما تنظرون، لعلكم كرهتم قسمتي؟ الوتر ما تجيء إلا هكذا.
قلنا: فاقسمها شفعا.
فقبض الخمس الدجاجات إليه ثم قال: أنت وابناك ودجاجة أربعة، ورمى إلينا دجاجة.
والعجوز وابنتاها ودجاجة أربعة، ورمى إليهن بدجاجة.
ثم قال: وأنا وثلاث دجاجات أربعة، وضم إليه ثلاث دجاجات.
ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: الحمد لله، أنت فهمتها لي! – انتهى الاقتباس.
أقول انه لا التقسيم بحسب الكيلومترات ولا التقسيم بحسب الطوائف ولا أي تقسيم آخر يجب أن يفرض لمواطن صوتاً أعلى من الآخر. وأما المخاوف الموجودة فيجب سد ثغراتها من خلال المجلس المعين الذي سيتحول دوره إلى استشاري كلما ترسخت التجربة النيابية.
والله من وراء القصد...
آخر الوحي:
من أَعجَبِ الأَخبارِ أنّ الأَرنبا لمَّا رأَى الدِّيكَ يَسُبُّ الثعْلبا
وهوَ على الجدارِ في أمانِ يغلبُ بالمكانِ، لا الإمكانِ
داخَلهُ الظنُّ بأَنّ الماكرا أمسى من الضّعفِ يطيقُ الساخرا
فجاءَهُ يَلْعَنُ مثل الأَوَّلِ عدادَ ما في الأرضِ من مغفَّلِ
فعصفَ الثعلبُ بالضعيفِ عصفَ أخيهِ الذِّيبِ بالخروف
وقال: لي في دمكَ المسفوكِ تسلية ٌ عن خيْبتي في الديكِ!
فالتفتَ الديكُ إلى الذبيح وقال قولَ عارِفٍ فصيح
ما كلَّنا يَنفعُهُ لسانُهْ في الناسِ مَن يُنطقُه مَكانُهْ!
أحمد شوقي